الثقوب السوداء كما نعرفها قد لا تكون موجودة.. قد تكون شيئا آخر مختلفًا تمامًا – إذا غصت في أعماق ثقب أسود ستجد على الأغلب نقطة التفرّد أو المتفرّدة Singularity حيث منحنى الزمكان لا متناهٍ و كثافة المادة لا متناهية أيضًا.

يقترح عالمان حاليًا أن الثقوب السوداء ليست كذلك على الإطلاق، بل قد تكون أجسامًا مليئة بالمادة المظلمة، تلك القوة الغامضة التي اعتُقد أنها مسؤولة عن دفع حواف الكون مسببة توسعه بوتيرة متزايدة.

يقول كيفن كروكر عالم الفيزياء الفلكية بجامعة هاواي بمانوا: «إذا كان ما نعتقده ثقوبًا سوداء هو في الحقيقة أجسام بلا متفرّدة، فإن التمدد المتسارع للكون ما هو إلا تطبيق لنظرية النسبية العامة لأينشتاين».

شرح كروكر وزميله فكرتهما في دراسة جديدة نُشرت في دورية الفيزياء الفلكية Astrophysical journal بتاريخ 28 أغسطس، بافتراض صحة ما يقولان فإن فكرة المتفرّدة في مركز الثقب الأسود ستستبدل بفرضية وجود طاقة غريبة قادرة على تفريق كل شيء إلى أجزاء، ما يعطي بالضرورة مفهومًا ثوريًا لتلك الأجسام فائقة الكثافة.

لم يكن الهدف الرئيسي للثنائي كروكر والرياضي وينرJoel Weiner -بروفيسور بنفس الجامعة- الكشف عما بداخل الثقب الأسود، بل كانا يدرسان معادلات فريدمان Friedmann، التي تبسط النسبية العامة لأينشتاين (النسبية العامة تصف كيفية تأثير الكتلة والطاقة في نسيج الزمكان).

يستعمل الفيزيائيون معادلات فريدمان لوصف توسع الكون، لأن الرياضيات في معادلات فريدمان أبسط من تلك التي استعملها أينشتاين لوصف النسبية العامة.
يرى الفريق أن علينا صياغة المعادلات الرياضية للمناطق فائقة الكثافة والمنعزلة في الفضاء كالنجوم النيترونية والثقوب السوداء كباقي مناطق الفضاء، حتى نستطيع تسجيل معادلات فريدمان بصورة صحيحة، تمامًا كما اعتقد العلماء سابقًا أن بإمكانهم التغاضي عن التفاصيل الداخلية للأجسام المنعزلة فائقة الكثافة كلب الثقب الأسود.

يقول كروكر لمجلة لايف ساينس: «لقد وضحنا الطريقة المثالية للتعامل مع تلك المعادلات وإن اتُّبِعَت تلك الطريقة فستكشف النقاب عن الكثير من التفاصيل المثيرة للاهتمام».

الثقوب السوداء ليست كما نظن

الثقوب السوداء ليست كما نظن

تفترض النتائج الجديدة المتحصل عليها وجود الطاقة المظلمة اللازمة لتمدد الكون بوتيرة متسارعة بدلاً من الثقوب السوداء، اكتشف الباحثون ذلك من خلال الرياضيات في ورقة بحثية لاحقة مقدمة من دورية الفيزياء الفلكية التي نشرت في 7 سبتمبر، إذ افترضوا أن نظرية البديل للثقوب السوداء المسماة Generic Objects of Dark Energy EGODEs، قد تساعد أيضا في فهم خصوصيات الأمواج الثقالية التي رُصدت سنة 2016.

تبين الرياضيات من خلال معادلات فريدمان، أنه بمرور الزمن فإن تلك الأجسام فائقة الكثافة تكتسب وزنًا بسبب التوسع الكوني حتى دون وجود أي مواد قريبة للاستهلاك، مثلما يفقد الضوء الطاقة عندما يسافر عبر الزمكان فيما يُعرَف بالانزياح نحو الأحمر redshift، تفقد المادة أيضًا جزءًا من وزنها عند تمدد الفضاء.

بما أن هذا التأثير ضئيل جدًا فهو غير قابل للرصد، لكنه يصبح ملحوظًا في المواد الفائقة الكثافة ذات الضغط العالي من الداخل المعروفة باسم المواد النسبية.
الطاقة المظلمة نسبية جدًا، وضغطها يتصرف بصورة معاكسة للمادة العادية والضوء ،إذن فالمواد المشكلة منها مثل بدائل الثقوب السوداء الافتراضية EGODEs، تكتسب وزنًا بمرور الزمن.

يقول كروكر: «الضوء شيء غريب جدًا ويتصرف بطريقة متناقضة في العديد من الأحيان، لايتوقع الناس أن تظهر أجسام أخرى مثل ذلك السلوك لكننا أوضحنا عكس ذلك».

فرضية الأجسام بديلة الثقوب السوداء اقتُرحت أول مرة سنة 1960، لكن الجانب الرياضي منها لم يكن موضوعًا في ذلك الوقت، تبين أن هذه الأجسام الغريبة تقود إلى شرح مبسط لرصد اندماج واسع للثقوب السوداء. سنة 2016 أعلن أعضاء مجموعة مرصد الأمواج الثقالية بمقياس التداخل الليزري Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory (LIGO)-Virgo عن رصد أول اندماج لثقبين أسودين، وكانت توقعات العلماء أن الكتلة الناتجة عن الاندماج ستكون أخف أو أثقل بكثير من السابقة، لكن الحسابات أثبتت العكس.

لكن تلك الأجسام الفرضية البديلة على غرار الثقوب السوداء التقليدية تكتسب وزنًا بمرور الزمن، ولو حدث اندماج بين اثنين منها قد تشكلا في مرحلة متقدمة من تشكل الكون، فستكون كتلتاهما أكبر من كتلة الثقوب السوداء العادية، وعليه فستوافق النتائج المتحصل عليها سابقا من مرصد الأمواج الثقالية LIGO.

لم تحظ الفرضية بالعديد من المؤيدين في الوسط العلمي إذ يقول البروفيسور كاردوسو Cardoso من المعهد التقني العالي بليسبون لـ لايف ساينس عبر بريد إلكتروني إن هذا الوصف الجديد يخالف الحدس ومن الصعب تقبله، لكنه يضيف: «تعجبني فكرة بديل الثقوب السوداء فهذا يقودنا إلى تعزيز النموذج الحالي للثقوب السوداء، إنه من الصعب اكتشاف أشياء جديدة ما لم نبذل جهدًا في البحث عنها».

اقرأ أيضًا: ملايين الثقوب السوداء المعزولة في ظلام مجرتنا، إليك خطة علماء الفلك للإيقاع بهم

ترجمة ياسمين نصرالله – تدقيق سمية المهدي – تدقيق جعفر الجزيري

المصدر