في ثلاثينيات القرن المنصرم، لاحظ عالم الفضاء السويسري فريدز زويسكي أن المجرات في الحلقات البعيدة تدور حول بعضها بشكل أسرع مما ينبغي، خاصةً إذا أخذنا في الاعتبار كمية المادة المرئية. افترض العالم وجود عنصر غير مرئي، سماه المادة المظلمة ، يبذل جاذبيةً على تلك المجرات.

منذ ذلك الحين، أكد الباحثون أن هذه المادة الغامضة تنتشر في أنحاء الكون وتتوفر بمقدار أكبر بست مرات من المادة العادية التي تتكون منها الأشياء المعتادة مثل النجوم والبشر. بالرغم من ملاحظة المادّة المظلمة عبر الكون، فإن العلماء ما زالوا محتارين بشأنها.

فيما يلي نوجز أبرز أحد عشر سؤالًا لم نتوصل بعد للإجابة عنهم بخصوص المادة المظلمة:

ما هي المادة المظلمة؟

أكبر ألغاز المادة المظلمة المجرات في الحلقات البعيدة تدور حول بعضها بشكل أسرع مما ينبغي كمية المادة المرئية المادة العادية التي تتكون منها الأشياء

بدايةً وربما الأكثر حيرةً، بقي الباحثون غير متيقنين بشأن ماهية المادة المظلمة. تكهن بعض العلماء أن الكتلة المفقودة في الكون تتكون من نجوم وثقوب سوداء خابية. على الرغم من ذلك، فإن الملاحظات التفصيلية لم تُظهر كتلةً كافيةً تعادل تأثير المادة المظلمة، وفقًا للفيزيائي دون لينكولن من قسم الطاقة في معمل فيرميلاب بالولايات المتحدة الأمريكية.

أبرز النظريات المنافسة للتفسير التقليدي حاليًا هي نظرية لجسيم نظري يسمى بالجسيم الضخم ضعيف التفاعل أو WIMP، الذي قد يتصرف نوعًا ما بمثابة نيوترون ما عدا أنه أثقل بمقدار 10-100 مرة من البروتون وفقًا للينكولن، مع ذلك لم يقد هذا إلا لمزيد من الأسئلة.

على سبيل المثال:

هل يمكن اكتشاف المادة المظلمة؟

إذا كانت المادة المظلمة تتكون من الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل يجب أن توجد حولنا في كل مكان، غير مرئية وبالكاد يمكن اكتشافها. لماذا إذن لم نجد أيًا منها بعد؟ بينما لا تتفاعل مع المادة العادية كثيرًا، هناك دومًا احتمال ولو ضئيل أن جسيم المادة المظلمة يمكن أن يصطدم بجسيم مادة عادية مثل بروتون أو إلكترون أثناء سفره عبر الفضاء.

لذلك أجرى الباحثون تجربة بعد الأخرى لدراسة العدد الكبير من الجسيمات العادية عميقًا تحت الأرض، إذ كانوا محميين من الإشعاعات المتداخلة التي يمكن أن تحاكي تصادم جسيم المادة المظلمة. والمشكلة؟

بعد عقود من البحث، لم تجد أية من هذه المكتشفات أي اكتشاف ذي مصداقية. في بداية العام، أعلنت التجربة الصينية باندا اكس عن عدم وجود جسيم WIMP.

يبدو أنه من المحتمل أن جسيمات المادة المظلمة أصغر بكثير من ال WIMPs أو أنها تفتقر إلى الخصائص التي تجعلها سهلة الدراسة وفقًا للفيزيائي هاي باي يو من جامعة كاليفورنيا.

هل تتكون المادة المظلمة من أكثر من جسيم؟

تتكون المادة العادية من الجسيمات المعتادة مثل البروتونات والإلكترونات، بالإضافة إلى غابة واسعة من الجسيمات الغريبة مثل النيوترينات والميونات والبيونات. لذلك، تساءل الباحثون، إذا كانت المادة المظلمة التي تشكل قرابة الـ85% من المادة في الكون، ربما تكون أيضًا على نفس درجة التعقيد.

وفقًا للفيزيائي أندري كاتز من جامعة هارفارد: «ليس هناك سبب جيد يدعونا للاعتقاد أن جميع المادة المظلمة في الكون مكونة من نوع واحد من الجسيمات».

يمكن أن تشكل البروتونات المظلمة مع الإلكترونات المظلمة ذرات مظلمة، منتجةً تشكيلات متنوعة وشيقة مثل تلك التي تُرى في العالم المرئي، وفقًا لكاتز. بينما تحظى مثل هذه الفرضيات برواج متزايد في معامل الفيزياء مؤخرًا، فإن إيجاد طريقة لتأكيدها أو نفيها يتسبب في حيرة العلماء طويلًا.

هل توجد القوى المظلمة؟

أكبر ألغاز المادة المظلمة المجرات في الحلقات البعيدة تدور حول بعضها بشكل أسرع مما ينبغي كمية المادة المرئية المادة العادية التي تتكون منها الأشياء

إضافةً للجسيمات الإضافية للمادة المظلمة، يوجد احتمال أن تختبر المادة المظلمة قوى شبيهةً بتلك التي تختبرها المادة العادية. بحث بعض العلماء عن «الفوتون المظلم»، الذي سيكون شبيهًا بالفوتون الذي يُتبادل ما بين الجسيمات العادية ويرفع القوة الكهرومغناطيسية، عدا أنه لن نتمكن من الشعور به إلا في جسيمات المادّة المُظلمة. يستعد الفيزيائيون في إيطاليا لسحق شعاع من الإلكترونيات ونظائرها -المعروفة بـ البوزيترونات- إلى ماسة.

إذا وجِدت الفوتونات المظلمة فإن زوج الإلكترونات والبوزيترونات يمكن أن ينسحق منتجًا أحد أغرب الجسيمات الحاملة للقوى ما قد يفتح قطاعًا جديدًا في الكون.

هل تشكل الأكسيونات المادة المضادة؟

أكبر ألغاز المادة المظلمة المجرات في الحلقات البعيدة تدور حول بعضها بشكل أسرع مما ينبغي كمية المادة المرئية المادة العادية التي تتكون منها الأشياء

بعد أن خبا اهتمام الفيزيائيين بال WIMPS، بدأت جسيمات أخرى من المادة المظلمة تستحوذ على انتباههم. واحد من هذه البدائل الواعدة، الخفيفة بشكل استثنائي، هو جسيم نظري يعرف بالأكسيون.

ربما يكون هذا الجسيم أخف من البروتون بمقدار 10 مرفوعة إلى الأس 31. يجري البحث الآن عن الأكسيونات من خلال بضعة تجارب. في محاكاة كمبيوترية حديثة، ارتفعت احتمالية أن تشكل الأكسيونات أجسامًا شبيهةً بالنجوم، والتي قد تنتج إشعاعات يمكن رصدها، شبيهة بالظاهرة الغامضة المعروفة بالتدفقات الراديوية السريعة.

ما هي خصائص المادة المظلمة؟

اكتشف الفلكيون المادة المظلمة عن طريق تفاعلاتها الجاذبية مع المادة العادية، واقترحوا أن هذه طريقتها في التعبير عن وجودها. ولكن عندما حاولوا أن يفهموا الطبيعة الحقيقية للمادة المظلمة، لم يكن لدى الباحثين الكثير ليمضوا قدمًا. طبقًا لبعض النظريات، يجب أن تكون جسيمات المادة المظلمة هي نفسها جسيماتها المضادة، ما يعني أن جسيمات المادة المظلمة ستلاشي نظيرتها عندما تلتقيان.

ظل مطياف ألفا المغناطيسي في محطة الفضاء الدولية يبحث عن إشارات لمثل هذا التلاشي منذ العام 2011 واكتشف مئات الآلاف من الأحداث. ما زال العلماء غير متيقنين إذا كانت هذه الأحداث ناتجةً عن المادة المظلمة، كما أن الإشارة لم تساعدهم لتحديد ماهية المادة المظلمة تمامًا.

هل توجد المادة المظلمة في كل المجرات؟

أكبر ألغاز المادة المظلمة المجرات في الحلقات البعيدة تدور حول بعضها بشكل أسرع مما ينبغي كمية المادة المرئية المادة العادية التي تتكون منها الأشياء

نظرًا للتفوق الساحق للمادة المظلمة على المادة العادية، غالبًا ما تُعزى إليها القوى المتحكمة التي تنظم الهياكل العملاقة مثل المجرات والعناقيد المجرية. لذلك، كان غريبًا عندما -في وقت سابق من هذه السنة- أعلن الفلكيون أنهم وجدوا مجرةً سموها NGC1052-DF2، التي بدا أنها بالكاد تحتوي على أي مادة مظلمة.

وفقًا لبيتر فان دوكهم من جامعة يال: «المادة المظلمة ليست شرطًا لتشكيل المجرة». مع ذلك، خلال الصيف، نشر فريق منفصل تحليلًا يقترح أن فريق فان دوكم أخطأ في قياس المسافة إلى المجرة، ما يعني أن مادتها المرئية كانت أقل وأخف من النتائج الأولى وأن مزيدًا من كتلتها كان في المادة المظلمة.

ماذا بشأن نتائج داما/ليبرا؟

هناك لغز غامض ظل صامدًا لفترة طويلة في حقل فيزياء الجسيمات ألا وهو النتيجة المحيرة لتجربة أوروبية تُعرف بداما/ليبرا.

ظل هذا المستكشف الواقع في كهف تحت الأرض -تحت جبل جران ساسو في إيطاليا- يبحث عن اهتزاز دوري في جزيئات المادة المظلمة. يجب أن ينشأ هذا الاهتزاز مع حركة الأرض في مدارها حول الشمس، أثناء مرور نظامنا الشمسي عبر المجرى المجري للمادة المظلمة المحيطة بنظامنا الشمسي، الذي يسمى أحيانًا برياح المادة المظلمة. منذ العام 1997 زعم داما/ليبرا أنه رأى الإشارة تمامًا رغم عدم رصد أي تجربة أخرى مثل تلك النتيجة.

هل تمتلك المادة المظلمة شحنة كهربية؟

أكبر ألغاز المادة المظلمة المجرات في الحلقات البعيدة تدور حول بعضها بشكل أسرع مما ينبغي كمية المادة المرئية المادة العادية التي تتكون منها الأشياء

قادت إشارة قادمة من بدايات الكون بعض الفيزيائيين لاقتراح أن المادة المظلمة ربما تحمل شحنةً. أصدرت بعض النجوم في مراحل مبكرة من عمرها إشعاعًا بطول 21 سنتيمترًا، فقط بعد 180 مليون عام من الانفجار العظيم. امتُص هذا الإشعاع بواسطة الهيدروجين البارد الذي كان منتشرًا بكثرة.

عندما رُصد هذا الإشعاع في فبراير من هذا العام، اقترحت بصمته الواضحة أن الهيدروجين كان أبرد بكثير مما اعتُقد سابقًا. اقترح عالم الفيزياء الفلكية، جوليان مونز من جامعة هارفارد، أن مادةً مظلمةً ذات شحنة كهربية ربما تكون اجتذبت الحرارة من كل هذا الهيدروجين، ما يمكن تشبيهه بمكعبات من الثلج تنساب داخل كوب من عصير الليمون. لكن هذا التكهن لا يمكن تأكيده بعد.

هل يمكن أن تتحلل جسيمات المادة العادية إلى مادة مظلمة؟

تعتبر النيوترونات جسيمات مادة عادية ذات عمر محدود. بعد حوالي 14.5 دقيقة، يتحرر نيترون وحيد من الذرة ويتحلل إلى بروتون وإلكترون ونيوترينو. لكن أعطت تجربتين بإعدادات مختلفة تسلسلًا زمنيًا مختلفًا لهذا التحلل، بفاصل يبلغ تقريبًا 9 ثوانٍ، طبقًا لتجربة نشرت في يوليو في مجلة Physical review letters في وقت سابق من هذا العام.

اقترح الفيزيائيون أنه لو تحللت بعض النيوترونات لزمن نسبته 1% إلى جسيمات مادة مظلمة، يمكن أن تبرر هذا الشذوذ. راقب كريستوفر من مختبر لوس ألاموس الوطني، في نيو مكسيكو وفريقه النيوترونات باحثين عن إشارة للمادة المظلمة ولكنهم لم يكتشفوا أي شيء، اقترحوا أن سيناريوهات مختلفة للتحلل ما تزال ممكنةً، طبقًا للدراسة.

هل توجد المادة المظلمة من الأساس؟

أكبر ألغاز المادة المظلمة المجرات في الحلقات البعيدة تدور حول بعضها بشكل أسرع مما ينبغي كمية المادة المرئية المادة العادية التي تتكون منها الأشياء

نظرًا للصعوبات التي تواجه العلماء في اكتشاف وشرح المادة المظلمة، ربما يتساءل أحدهم ما إذا كان الموضوع برمته خطأ. لسنوات عديدة، طرح ثلة من الفيزيائيين فكرةً مفادها أنه من المحتمل أن نظريتنا الحالية للجاذبية خاطئة ببساطة، وأن القوى الأساسية تعمل بشكل مختلف على مقاييس كبيرة.

سموها «الديناميات النيوتنية المعدلة» أو نموذج MOND، يطرح هذا النموذج فكرة أنه ليس هناك مادةً مظلمةً وأن السرعات الفائقة التي تدور بها النجوم والمجرات حول بعضها البعض هي نتيجة لجاذبية تتصرف بطرق مدهشة.

وفقًا للفيزيائي دون لينكولن: «ما تزال المادة المظلمة نموذجًا غير مؤكد». مع ذلك على المنتقدين أن يقنعوننا بأفكارهم. أما بالنسبة للدليل الأخير؟ فهو يقترح أيضًا أن المادة المظلمة حقيقية.

اقرأ أيضًا:

دراسة مثيرة تكشف أن المادة المظلمة ربما تكون أقدم من الانفجار العظيم

ما هي المادة المظلمة؟

ترجمة: أحمد جمال

تدقيق: أحلام مرشد

مراجعة: آية فحماوي

المصدر