ما هو السبب الكامن وراء ارتفاع سعر منتجٍ ما؟ هل عرض المنتج أكبر من الطلب عليه؟ هل ارتفعت تكلفة انتاجه بسبب المواد الأولية المصنوع منها؟ أم هل أدت حرب في بلد آخر إلى هذا الارتفاع؟ للإجابة على هذه الأسئلة نتجه إلى الاقتصاد الكلي.
أفكار سريعة أساسية
- الاقتصاد الكلي هو فرع الاقتصاد الذي يدرس الاقتصاد ككل.
- يركز الاقتصاد الكلي على ثلاثة أمور: الناتج المحلي، البطالة، التضخم.
- يمكن للحكومات استخدام سياسة الاقتصاد الكلي بما في ذلك السياسة النقدية والمالية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد.
- تستخدم البنوك المركزية السياسة النقدية لزيادة الكتلة النقدية المعروضة أو تخفيضها، وتستخدم السياسة المالية لضبط الإنفاق الحكومي.
ما هو الاقتصاد الكلي ؟
الاقتصاد الكلي هو دراسة النشاط الاقتصادي ككل ويختلف عن الاقتصاد الجزئي الذي يركز بشكل أكبر على الأفراد وكيفية اتخاذهم القرارات الاقتصادية ويدرس كذلك العوامل المنفردة التي تؤثر على قرارات الأفراد بينما يدرس الاقتصاد الكلي العوامل الاقتصادية العامة.
الاقتصاد الكلي معقد للغاية، مع العديد من العوامل التي تؤثر عليه. تُحلل هذه العوامل بمختلف المؤشرات الاقتصادية والتي نتعرف من خلالها على المستوى العام للرخاء الاقتصادي.
هام: يوفر مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي إحصائيات الاقتصاد الكلي الرسمية.
يسعى خبراء الاقتصاد الكلي للتنبؤ بالظروف الاقتصادية سعيًا منهم لمساعدة المستهلكين والشركات والحكومات على اتخاذ قرارات أفضل:
- يرغب المستهلكون في معرفة مدى سهولة العثور على عمل، وتكلفة شراء السلع والخدمات من السوق، أو مقدار تكلفة اقتراض الأموال.
- تحدد الشركات من خلال تحليل الاقتصاد الكلي ما إذا كان التوسع في الإنتاج مرحبًا به في الأسواق، أم أن المنتجات سيعلوها الغبار على رفوف المحال التجارية.
- تتحول الحكومات نحو الاقتصاد الكلي عند وضع ميزانية للإنفاق، وفرض الضرائب، واتخاذ قرار بشأن أسعار الفائدة، واتخاذ القرارات السياسية.
يركز تحليل الاقتصاد الكلي بصورة عامة على ثلاثة أشياء: الناتج القومي (مقاسًا بالناتج المحلي الإجمالي) والبطالة والتضخم، التي سنتطرق إليها أدناه.
الناتج المحلي الإجمالي (GDP)
يدل مفهوم الإنتاج على إجمالي كمية السلع والخدمات التي ينتجها بلد ما، والمعروف باسم الناتج المحلي الإجمالي (GDP) وهو أهم مفهوم في الاقتصاد الكلي، يعتبر هذا الرقم لمحة عن الاقتصاد في فترة معينة.
عند الحديث عن الناتج المحلي الإجمالي، يميل خبراء الاقتصاد الكلي إلى استخدام الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي والذي يأخذ التضخم بعين الاعتبار على خلاف الناتج المحلي الإجمالي الاسمي الذي يسلط الضوء فقط على التغيرات في السعر. قد يرتفع رقم الناتج المحلي الاسمي عند زيادة مستوى التضخم من عام إلى عام وذلك لا يعد بالضرورة مؤشرًا على ارتفاع مستويات الإنتاج إنما يرجع فقط إلى ارتفاع الأسعار.
العيب الوحيد في الناتج المحلي الإجمالي أنه يجمع المعلومات بعد انقضاء مدة زمنية معينة ويكون الرقم الخاص به بمثابة تخمين ومع ذلك فإنه يمثل نقطة انطلاق في تحليل الاقتصاد الكلي.
بمجرد جمع سلسلة من الأرقام على مدار فترة زمنية فإنه يمكن مقارنتها، ويمكن للاقتصاديين والمستثمرين فك رموز الدورات الاقتصادية التي تتكون من الفترات المتناوبة بين الركود الاقتصادي (الركود) والتوسعات (الازدهار) التي تحدث طوال الوقت.
من هنا يمكننا البدء بالنظر في أسباب حدوث تلك الدورات، والتي يمكن أن تكون سياسة الحكومة، أو سلوك المستهلك، أو الظواهر الدولية من نواحٍ أخرى. ويمكننا بالطبع مقارنة هذه الأرقام اقتصاديًا لتحديد فيما إذا كانت الدول الأجنبية قوية أم ضعيفة اقتصاديًا.
انطلاقًا من دراسة المحللين للماضي يمكنهم التنبؤ بالحالة المستقبلية للاقتصاد، ولكن في النهاية لابد من إدراك أن مايحدد السلوك البشري وكذلك الاقتصاد لا يمكن التنبؤ به بشكل كامل.
معدل البطالة
يدل معدل البطالة على عدد الناس (القوى العاملة) الذين لا يستطيعون العثور على عمل مع أنه لديهم القدرة على القيام به.
يتفق خبراء الاقتصاد الكلي على أنه عندما يشهد الاقتصاد نموًا من فترة لأخرى -وهو مايشار إليه بمعدل نمو الناتج المحلي- فإن مستويات البطالة تميل للانخفاض لأنه عند ارتفاع مستويات الناتج المحلي الإجمالي (الحقيقي) يكون الإنتاج أعلى وبالتالي هناك حاجة للمزيد من العمال لمواكبة مستويات الإنتاج الأعلى.
التضخم
العامل الرئيسي الثالث الذي ينظر له خبراء الاقتصاد الكلي هو معدل التضخم أو معدل ارتفاع الأسعار. يقاس التضخم بشكل أساسي بطريقتين: من خلال مؤشر أسعار المستهلك (cpi) والذي يعطي السعر الحالي لمجموعة مختارة من السلع والخدمات التي تُحدّث بشكل دوري أو معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي وهو نسبة إجمالي الناتج المحلي الاسمي إلى إجمالي الناتج المحلي الحقيقي.
نفترض ارتفاع أسعار السلع والخدمات إذا كان الناتج المحلي الإجمالي الاسمي أعلى من الحقيقي، يتحرك كل من مؤشر أسعار المستهلك ومعامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في نفس الاتجاه ويختلفان بنسبة تقل عن 1%.
الطلب والدخل المتاح
يحدد الإنتاج في النهاية من خلال الطلب، الذي يأتي من المستهلكين ( للاستثمار أو للمدخرات السكنية والتجارية )، ومن الحكومة (مثل الإنفاق على سلع وخدمات الموظفين الفيدراليين)، ومن الصادرات والواردات، غير أن الطلب وحده لن يحدد مقدار الإنتاج، فما يطلبه المستهلكون ليس بالضرورة ما يمكنهم شراؤه لذا لتحديد الطلب يجب قياس دخل المستهلك المتاح وهو مقدار المال المتبقي للإنفاق أو الاستثمار بعد دفع الضرائب.
معلومة سريعة
يختلف الدخل المتاح للمستهلك عن فائض الدخل، وهو الدخل بعد دفع الضرائب مطروحًا منه المدفوعات للحفاظ على مستوى معيشة الفرد.
ينبغي كذلك تحديد أجور العمال لحساب الدخل المتاح، الراتب عبارة عن دالة مكونة من عنصرين رئيسيين هما: الحد الأدنى للراتب الذي يعمل لأجله الموظف، والمبلغ الذي يرغب أصحاب العمل بدفعه للحفاظ على الموظف، بالنظر إلى العرض على أنه يقترن بالطلب، تنخفض مستويات الأجور في أوقات ارتفاع البطالة، وترتفع عندما تكون مستويات البطالة منخفضة.
سيحدد الطلب بطبيعته العرض (مستويات الإنتاج)، وسيحدث التوازن، ولكن لتغذية العرض والطلب هناك حاجة للمال، عادة ما يضع البنك المركزي للبلد ( كالاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة) الأموال للتداول الاقتصادي.
يحدد إجمالي طلب الفرد مقدار المال المطلوب في الاقتصاد، ولمعرفة ذلك يلجأ الاقتصاديون إلى الناتج المحلي الإجمالي الاسمي الذي يقيس المستوى الإجمالي للأعمال التجارية لتحديد المستوى المناسب من الكتلة النقدية المعروضة.
ما الذي يمكن للحكومة القيام به؟
تنفذ الحكومة سياسة الاقتصاد الكلي بطريقتين ألا وهما السياسة النقدية والسياسة المالية كأدوات للمساعدة في استقرار الدولة. سنلقي نظرة أدناه على طريقة عمل كل منهما.
- السياسة النقدية
تعد عمليات السوق المفتوحة للبنك المركزي مثالًا بسيطًا على السياسة النقدية، يشتري البنك المركزي السندات الحكومية (التوسع النقدي) عندما يكون هناك حاجة لزيادة النقد في السوق، هذه الأوراق المالية تسمح له بإنعاش الاقتصاد عن طريق توفير النقد الفوري، وفي المقابل تُخفّض أسعار الفائدة تكلفة اقتراض الأموال لأن الطلب على السندات سيرفع سعرها ويدفع سعر الفائدة للانخفاض.
من الناحية النظرية، سيقوم المزيد من الأفراد والشركات بالشراء والاستثمار فيرتفع الطلب على السلع والخدمات ونتيجة لذلك يرتفع الناتج، ولمواجهة زيادة مستوى الإنتاج لابد من خفض مستويات البطالة ورفع الأجور.
من ناحية أخرى عندما يحتاج البنك المركزي لامتصاص الأموال الإضافية من السوق وتقليل مستويات التضخم، يبيع أذونات الخزينة الخاصة به -وهي سندات يصدرها البنك بسعر أقل من قيمتها الاسمية وبتاريخ استحقاق أقل من عام- ما ينتج عنه ارتفاع أسعار الفائدة (يقل الاقتراض والإنفاق والاستثمار) وانخفاض الطلب، ما يؤدي في النهاية إلى انخفاض الأسعار (التضخم) وانخفاض الإنتاج الحقيقي.
- السياسة المالية
يمكن للحكومة أيضًا زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق الحكومي من أجل إجراء انكماش مالي، ذلك من شأنه تقليل الإنتاج الحقيقي لأن انخفاض الإنفاق الحكومي يعني انخفاض الدخل المتاح للمستهلكين، ولأن المزيد من أجور المستهلكين ستذهب للضرائب فينخفض الطلب أيضًا.
التوسع المالي من قبل الحكومة يعني انخفاض الضرائب أو زيادة الإنفاق الحكومي، وفي كلتا الحالتين ستكون النتيجة نمو الناتج الحقيقي لأن الحكومة ستحرك الطلب بزيادة الإنفاق. في غضون ذلك سيكون المستهلك ذو الدخل المتاح الأكبر على استعداد لشراء المزيد.
تميل الحكومة لاستخدام مزيج من الخيارات المالية والنقدية عند وضع السياسات التي تتعامل مع الاقتصاد.
خلاصة القول
الأداء الاقتصادي مهم لنا جميعًا، نُحلل الاقتصاد من خلال النظر بشكل أساسي في الناتج المحلي الإجمالي والبطالة والتضخم، وعلى الرغم من أن المستهلكين يحددون في نهاية المطاف اتجاه الاقتصاد إلا إن الحكومات تؤثر عليهم أيضًا من خلال السياسة النقدية والمالية.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: ميسم رجب
تدقيق: حسام التهامي