يدرك الدماغ بسهولة الأشكال ذات البعد الواحد وذات البعدين وصولًا إلى البعد الثالث، لكن هل جربت يومًا أن تتصور شكلًا من أربعة أبعاد بل خمسة أو ستة وحتى من أحد عشر بعدًا؟
من الغريب أن دماغك الذي يستصعب جدًا هذا التصور، يمارس عمله ضمن فضاء قد يصل إلى أحد عشر بعدًا!
قد يكون معنى الأبعاد عندك مبهمًا.
لو تخيلت نقطةً فتذكر أنها لا تحمل بعدًا، لو أضفت نقطة ثانية ووصلت بينهما ستحصل على مستقيم وهو يمثل البعد الأول، لو رسمت مستقيمًا آخر ووصلت بينهما ستحصل على شكل رباعي يمثل بعدين وهكذا لو دمجت شكلين رباعيين فستحصل على شكل ثلاثي الأبعاد، كلما تكرر الشكل بهذه الطريقة نتج عنه البعد التالي.
والآن لننتقل إلى سؤالنا المحوري وهو كيف يكون للدماغ أكثر من ثلاثة أبعاد؟ وكيف توصل العلماء إلى هذا؟
بدأت القصة وما تزال في مشروع أُسّس في سويسرا باسم Blue Brain project، هدفه عمل محاكاة حاسوبية لدماغ الإنسان والقوارض بما يسهل البحوث من ناحية السرعة وعدم مواجهة المشاكل الأخلاقية فضلًا عن فوائد أخرى.
بدأت التجارب بعد محاكاة القشرة المخية الحديثة لفئران المختبر حاسوبيًا. تحوي القشرة الدماغ هذه على 31000 عصبون و8 مليون ارتباط بين تلك العصبونات.
لكن تساءل العلماء كيف يمكنهم دراسة هيكل وترتيب هذه الوصلات العصبية الكثيرة؟
وهنا يأتي علم الرياضيات وبالأخص فرع الطوبولوجيا الجبرية ليعطينا تفسيرًا جديدًا لكيفية تشابك العصبونات مع بعضها. والطوبولوجيا هي العلم الذي يهتم بالخصائص الرياضية التي لا تتأثر عند التحول من فضاء رياضي إلى آخر.
تشكل العصبونات مجموعات مع بعضها البعض أطلق عليها الباحثون اسم المجموعات Cliques. تتخذ المجموعات هذه أشكالًا هندسية مختلفة ويمثل كل عصبون رأسًا من رؤوس تلك الأشكال وباستخدام الطوبولوجيا الجبرية حللوا تلك الأشكال فتوصلوا إلى أبعادها.
يقول رئيس الأبحاث في المشروع هنري ماركرام: «هناك حوالي عشرة ملايين عصبون تتصرف بشكل 7 أبعاد ووجدنا في بعض التشابكات تراكيبًا تصل إلى 11 بعدًا».
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل أعطى الباحثون منبهًا stimulus لتلك القشرة المخية الحديثة وهنا لاحظوا تكون تجمعات جديدة cliques تاركة فراغات بينها cavities بطريقة متقنة جدًا.
يقول أحد أعضاء الفريق: «عند إعطاء منبه، عمل الدماغ على تكوين تجمعات بأبعاد متعددة وهدمها بعد انتهاء المنبه، بدءًا من بعد 1D يليها 2D ف3D ثم 4D وهكذا».
أعاد الباحثون التجارب التي أجروها باستخدام قشرة مخية حديثة حقيقية بدل الافتراضية وتوصلوا إلى نفس النتائج.
هكذا وقد يسهل لنا هذا البحث فهم الدماغ، العضو الأعقد في جسم الإنسان إذ يعطينا صورة جديدة حول كيفية معالجة الدماغ للمعلومات ومن ثم معرفة تفاصيل جديدة عن الوعي والذاكرة وربما الذكاء.
اقرأ أيضًا:
الدماغ يعيد استشارة نفسه قبل اتخاذ أي قرار
الذاكرة: كيف تتشكل الذكريات في الدماغ
المترجم: جعفر قيس
المدقق: غزل الكردي
مراجعة: نغم رابي