تطورت سرعة الحواسيب خلال العقود الأخيرة بشكل هائل، وكان قانون مور أحد أشهر القوانين للتنبؤ بهذا التسارع، لكننا بدأنا بالوصول إلى نهاية هذا القانون، إذ بدأت أبعاد الدارات الإلكترونية بالوصول للحد الفيزيائي الذي تبدأ عنده تأثيرات ميكانيك الكم بالظهور. لذا، بدأت أنواع جديدة من الحواسيب بالظهور. إذ بدأنا نسمع عن الحواسيب الكمومية و الحواسيب العصبونية.

الحوسبة الكمومية: مجال جديد

تعمل الحواسيب الكمومية بقواعد مختلفة عن التي تعمل بها الحواسيب الاعتيادية، والمقصود هنا بالقواعد قوانين الفيزياء. إذ تعمل الحواسيب التقليدية باستخدام التيار المار عبر مليارات الترانزستورات فيها، بينما تستخدم الحواسيب الكمومية قوانين الفيزياء الكمية لتغيير قواعد اللعبة.

طُوِّرت فيزياء الكم لأول مرة خلال القرن العشرين عندما لاحظ الفيزيائيون تجريبيًا أن قوانين الميكانيك الكلاسيكية لا تعمل عند دراسة المادة على المستوى الذري ودون الذري. لن نركز في هذه المقالة على آلية عمل ميكانيك الكم ولكن يجب أن نفهم كيف تجعل فيزياء الكم الحواسيب الكمومية أسرع بشكل هائل من الحواسيب العادية في بعض المهام.

تستغل الحواسيب الكمومية خاصية التراكب الكمومي superposition التي تمكن الجسيمات الكمومية من أن تكون في عدة حالات في آن واحد، وخاصية التشابك الكمومي entangled لتسريع عمليات المعالجة بشكل هائل.

قد يُظن أن هذا مشابه للعديد من الحواسيب التي تعمل على التوازي ولكن في الحقيقية فإننا عندما نقيس حالة جسيم في حالة تراكب بين حالتين فإننا نرصده بحالة واحدة فقط. وليس هذا لعيب في أجهزة القياس التي نستخدمها، ولكن لحقيقية فيزيائية لاحظها العلماء، إذ ينتقل الجسيم من التراكب إلى حالة وحيدة من الحالات الممكنة عند قياسه. هذا يحد من قدرتنا على الاستفادة من الحواسيب الكمومية.

تعمل الخوارزميات الكمومية بالشكل التالي: تبدأ كيوبتات qubits الحاسوب الكمومي في حالة واحدة معرفة تمامًا، ثم تدخل في حالة تراكب كمومي، ثم يتم التعديل على حالتها، وفي النهاية عند الرصد نصل لجواب وحيد دون المرور بكل الطرق المؤدية إلى الحالة ولكن بناءً على احتمالية استقرار مجمل الكيوبتات في حالة واحدة.

إذا كنت تريد معرفة المزيد عن آلية عمل الحواسيب الكمومية اقرأ هذا المقال: ما هي الحوسبة الكمومية؟

تتفوق الخوارزميات الكمومية على الاعتيادية في العديد من المجالات، مثلًا تظهر خوارزمية غروفر Grover أنه يمكن لخوارزمية كمومية أن تعثر على عنصر في قائمة غير مرتبة بعدد خطوات من رتبة جذر طول القائمة على عكس الخوارزمية التقليدية التي تحتاج عدد خطوات من رتبة خطية لطول القائمة.

كما بينت خوارزمية شور Shor كيف يمكن لخوارزمية كمومية تحليل أعداد صحيحة كبيرة جدًا لعواملها الأولية بزمن من رتبة كثيرات الحدود على عكس التقليدية التي قد تحتاج لزمن برتبة أسية.

بالإضافة لذلك، يمكن للحواسيب الكمومية أن تقوم بعمليات محاكاة للجزيئات الكمومية بشكل أفضل بكثير من الحواسيب الاعتيادية.

بالطبع ليس بالضرورة أن يعمل كل شيء على الحواسيب الكمومية بشكل أسرع من على الحواسيب الاعتيادية. لذا لا تتوقع أن تحمل هاتفًا ذكيًا كموميًا. إذ أن شروط عمل الحواسيب الكمومية معقدة للغاية وتحتاج لبيئة دقيقة.

سيشيع استعمال هذه الأجهزة في مخابر البحث العملي، إذ يمكن استخدامها لتطوير أنواع أدوية جديدة أو تصميم بطاريات أعلى كفاءة بكثير من تلك الموجودة في الأسواق حاليًا.

الحواسيب العصبونية: الليونة، وقابلية التعديل الذاتي

بينما تعمل الحواسيب الكمومية على خلق طريقة حوسبة جديدة باستخدام عتاد فيزيائي جديد، سيكون لثورة مماثلة في مجال البرمجيات تأثيرًا مماثلًا. إنها الحوسبة العصبونية.

كل ما يحدث على الحاسوب يعمل بفضل خوارزمية ما، والخوارزمية هي سلسلة محددة من التعليمات ينفذها الحاسوب. انشغلت ألمع العقول خلال العقود الماضية في تصميم الخوارزميات، ولكن هناك مشكلات معقدة لدرجة لا يمكن وصفها ببساطة وتصميم خوارزمية لحلها مثل تحليل الكلام والتعرف على الوجوه. هنا ظهرت أنواع جديدة من الخوارزميات تدعى بخوارزميات تعلم الآلة.

لقد أحدثت خوارزميات تعلم الآلة ثورة هائلة في مجال الحوسبة، وفتحت المجال لتطبيقات مثل الرؤية الحاسوبية، والترجمة الآلية، وما إلى ذلك. أثبتت الشبكات العصبونية قدرتها على تعلم الأنماط المعقدة بشكل مدهش، مثل توليد الأصوات والوجوه البشرية، ووضع ملاحظات على الصور، وحتى اكتشاف الكواكب.

حواسيب المستقبل: الحواسيب العصبونية والحواسيب الكمومية ظهور أنواع جديدة من الحواسيب طرق الحوسبة استخدام الأصفار والواحدات في الحاسوب

يسعى باحثو الذكاء الصنعي إلى بناء دماغ اصطناعي يشبه دماغ الإنسان، ما سيقود العلماء والمهندسين إلى إنشاء خوارزميات ذكية قادرة على التعلم والفهم لمساعدة الإنسانية في حل بعض من أكبر مشكلاتها. والسؤال هو: هل يمكن لشبكة عصبونية تصميم خوارزميات الغد؟

يحتاج الكمبيوتر إلى شيئين من أجل تنفيذ الخوارزميات: معالج يمكنه تنفيذ التعليمات، وذاكرة تمكن المعالج من قراءة البيانات وكتابتها عليها. تقرأ أجهزة الكمبيوتر التعليمات بالتتابع من الذاكرة، وتنفذ مخرجات الكتابة في أجزاء أخرى منها. فهل يمكن أن يتعلم الكمبيوتر كتابة البرامج بنفسه، تحديد كيفية إدارة الذاكرة؟ وماذا يقرأ وماذا يكتب بلغة يمكن أن تكون غامضة وغير مفهومة للبشر، ولكن ربما أكثر كفاءة؟

لإجابة هذه الأسئلة، صمم الباحثون في السنوات الأخيرة أجهزة كمبيوتر تتصرف مثل شبكة عصبونية عملاقة قابلة للتدريب، آلات تورينغ العصبونية NTMs Neural Turing Machines.

تعمل هذه الآلات من خلال تصميم شبكة عصبونية عملاقة وربطها بذاكرة خارجية يمكن الكتابة والقراءة منها.

يمكن للشبكة أن تراقب خوارزمية كتبها إنسان على الذاكرة وتتعلم منها. يمكن بهذه الطريقة التوصل لوسيلة لجعل الخوارزمية تفهم ما تقوم به، فقد وجد باحثون أن خوارزمية من هذا النوع بدأت تفهم كيفية تمثيل التوابع برسم بياني والعلاقة بين البيانات الموجودة في الذاكرة والأشياء.

تستخدم أجهزة الكمبيوتر للوصول لذاكرتها عناوين رقمية تصف بالضبط خانة الذاكرة التي ترغب في قراءتها، والمحتوى العددي لعنوان تلك الخانة لا يعطي أي معلومات عن محتواها. بينما تعمل الذاكرة البشرية باستخدام المفاهيم، عليك فقط التفكير في مفهوم الكلب لرؤية صورة كلب، ومفهوم المنزل لتذكر غرف شقتك. يمكن للـ NTMs هذه العمل بطريقة مماثلة: يمكنهم تعلم تمثيل داخلي للبيانات وتخزينه في الذاكرة.

بعد ذلك، يمكنهم تحديد ما يجب استخراجه من الذاكرة بناءً على التشابه بين ما يبحثون عنه (على سبيل المثال، كلب) وما يتم تخزينه وترميزه في الذاكرة (تمثيل داخلي للكلب).

على الرغم من قدرتها على معالجة كمية هائلة من البيانات العددية، وإجراء ملايين من العمليات لمعرفة ما إذا كانت الصورة تحتوي على قطة أو كلب، تواجه الشبكات العصبونية صعوبة في تعلم العمليات الرياضية الأساسية كالجمع والضرب والجذر التربيعي.

صمم الباحثون مؤخرًا نظيرًا قابلًا للتدريب لوحدة الحساب والمنطق في الحواسيب الاعتيادية، وهي الجزء المسؤول عن الرياضيات. صُمّمت وحدة الحساب والمنطق العصبونية هذه لتقوم بالعمليات الرياضية الأساسية كالجمع، والقسمة عن طريق التعلم بالأمثلة وأظهرت نتائج غير مسبوقة في مختلف المهام.

وفي النهاية، كما هو حال الحواسيب الكمومية، لن تستبدل الحواسيب العصبونية الحواسيب التقليدية وإنما ستساعد في المسائل التي يصعب حلها باستخدام الخوارزميات التقليدية.

إقرأ أيضًا:

تاريخ الحواسيب: نبذة مختصرة

علماء يبتكرون “رقاقة تستطيع قراءة الدماغ” من أجل التحكم بالحواسيب بواسطة أفكارنا

ترجمة: مهران يوسف

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر