الخجل : هل يولد معنا أم نطوره بناء على تجاربنا؟ – عندما كنت طفلةً واجهت مشاكل في التعرف على أصدقاء جدد واحتجت البعض من الوقت للاندماج في الأماكن الجديدة. على الرغم من أنني تعلمت كيفية التعامل مع خجلي عبر مرور السنين فإنه ما يزال لدي هفوات معتدلة من الرهاب الاجتماعي عندما أكون مع أناس جدد أو عندما أكون في بيئة اجتماعية جديدة، مثل مكان اجتماع للمختصين كالمؤتمرات الأكاديمية التي يكون الهدف منها هو الالتقاء بأشخاص جدد. ابني مختلف جدًا عني؛ إنه عفوي ويحب الأشخاص الجدد ويبدو أنه يشكل صداقات جديدة في كل مرة نذهب بها للحديقة أو حتى في كل مرة نخرج لنأكل. أول شيء يفعله عندما نجلس في مطعم ما هو النظر حوله وإلقاء التحية وتقديم ابتسامة ودودة لجميع الناس.

ما الذي يجعل الطفل خجولًا أو منفتحًا؟ هل الخجل شيء نولد معه أم هو شيء نطوره بناء على تجاربنا مع الآخرين؟

يقترح تاريخ طويل من الأبحاث أن الطبع -أو الأسلوب العاطفي للشخص استجابة للبيئة- قد يمكن اكتشافه في الأطفال بعمر الـ4 أشهر. يقاس ذلك بعرض عدد من الألعاب البسيطة أمام الطفل كجهاز يعلق عددًا من الحيوانات ودراسة كيف يتصرف الطفل. هذا الاختبار البسيط للأطفال بعمر الـ4 أشهر أظهر بشكل مستمر أن الأطفال الذين يشعرون بالارتباك استجابة لوجود ألعاب معلقة هم الذين يكونون أكثر عرضة لكونهم خجولين عندما يكبرون. هؤلاء الأطفال حساسون بشكل خاص لأي نوع من التغيير في البيئة ويمكن أن ينزعجوا بسهولة حتى بأبسط الطرق، مثل رنين جرس الباب أو تغيير الحفاظ. وبالعكس فالأطفال الذين يستجيبون بشكل إيجابي لهذه التغييرات أو لا يستجيبون أبدًا هم أكثر عرضة لكونهم اجتماعيين كثيرًا كأطفال في عمر الحضانة.

بشكل مثير للدهشة فإن هذه العلاقة تمتد ما وراء سنوات الطفولة الأولى، وتتنبأ ردود أفعال الأطفال للألعاب المعلقة في ما إذا كان الطفل سيكبر ليكون خجولًا أو اجتماعيًا في سن المراهقة. يمكن رؤية الاختلافات ما بين كون الأطفال في عمر الحضانة خجولين أم منفتحين حتى في التركيب البيولوجي وفي الدماغ، ما يقترح أن الخجل له أساس بيولوجي ويمكن أن يكون جزءًا من شخصية الفرد منذ عمر صغير.

الخجل عند الأطفال

الخجل عند الأطفال

هل يعني ذلك أن البيئة لا تلعب دورًا في إنتاج الخجل؟ وهل الخجل شيء يجب أن نقلق منه في المقام الأول؟

لمجرد أن الطبع له أساس بيولوجي لا يعني أنه منحوت على حجر. قد يتغير طبع الطفل وردود أفعال الأطفال السلبية للناس الجدد والأشياء والأوضاع؛ فقد يصبح أقل تطرفًا مع مرور الوقت. وفوق ذلك لا يوجد أي شيء خاطئ في كون الشخص خجولاً قليلًا. لدى الكثير من الأطفال طبع يوصف بأنه (بطيء الودية) ويحتاج فقط للقليل من الوقت للتعود على ما يحيطه قبل أن يصبح جاهزًا للقفز إلى الداخل والانضمام إلى المتعة. من جهة أخرى من الجدير بالذكر أن هناك مجموعة فرعية من الأطفال الحساسين جدًا ويعادلون حوالي الـ1-15% من الأطفال. هؤلاء الأطفال عرضة لتطور الخجل لديهم ونسبة منهم حوالي 40% قد يستمر تطور الخجل ليصبح رهابًا اجتماعيًا لاحقًا في الحياة.

إذن لو كان لديك طفل حساس جدًا لا يستطيع الاندماج حتى مع المقربين والأماكن مع الوقت، يوجد تدخلات متوفرة للمساعدة في منع تطور مشاكل الرهاب الاجتماعية. وفوق ذلك فإن نمط تنشئة داعم قد يساعد حقًا. على سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن خطر تحول الطفل لشخص خجول تقل بشكل ملحوظ عندما يكون لديهم أمهات حساسات يستجيبون بشكل مناسب لاحتياجات الطفل. إذن حتى الأطفال الذين ينزعجون عندما يواجهون تحديًا أو موقفًا صعبًا بوجود أب أو أم مستجيب لحاجات الطفل يعمل ذلك ضد تطور الخجل أو الرهاب الاجتماعي.

بشكل مشابه، فإن التربية تلعب دورًا في كيفية تطور الحس الأخلاقي لدى الطفل الخجول والطفل المنفتح أثناء الطفولة. على سبيل المثال، الأطفال الخجولون أو من يميلون للتصرف بتوتر هم الأكثر عرضة لإحساسهم بالانزعاج عندما يُوبخون عند خرق القوانين. بالنتيجة يحتاجون فقط (ويحتاجون للاستجابة بشكل جيد) للطرق التأديبية الرقيقة بما أنه من السهل أن يشعروا بالذنب لأخطائهم. الأطفال الأكثر انفتاحًا أو أقل خوفًا لا يستجيبون للتأديب الرقيق ويتطلب انتباهًا أكثر عندما يخرقون القوانين بما أنهم لا يشعرون بالتوتر بشكل سهل من ذاتهم.

بالإجمال تقترح هذه الدراسة أن البذور التي تنمي الشخصية الخجولة أو المنفتحة تُزرع مبكرًا في الحياة ولها أساس بيولوجي قوي. لكن التركيب البيولوجي ليس قدرًا محتمًا، وإن أصبح لديك طفل حساس للغاية لأي نوع من التغيير في البيئة فإن التربية أو التنشئة الحساسة تسمح للطفل بالتأقلم للأشياء الجديدة بوتيرتهم الخاصة ما قد يساعدهم في عدم تطوير الخوف أو التوتر في الأوضاع الاجتماعية. وعلى الرغم من أن الخجل له أساس بيولوجي قوي، فإنه لا يوجد ضمان أنك ستنجب طفلين لديهما الطبع ذاته. يمكن أن تكون خجولًا أو حساسًا جدًا في سن الطفولة ويلحق ذلك شخص هائج لا يخاف. إن كنت كذلك من المهم أن تتذكر أن تغيير طريقة تربيتك لتناسب حاجات طفلك شيء مهم وأن ما قد يكون فعالًا مع طبع ما قد لا يكون فعالًا مع الآخر.

اقرأ أيضًا: ما الذي يجعل شخصيتك صحية أو غير صحية

المصدر

ترجمة إيلي عساف – تدقيق عون حداد