يستخدم الباحثون غالبًا الفئران لإجراء تجاربهم المختبرية. يعود سبب ذلك إلى أن الفئران تتشابه مع الإنسان تطوريًا في العديد من الصفات، إذ تمتلك أدمغة الفئران بنية خلوية مشابهة للبشر، كما أنه من الصعب أحيانًا إجراء كل تجربة على البشر. يُعد استخدام الفئران في تجارب الأدوية الجديدة من أهم استخداماتها المختبرية.

وهنا تخيل معي، لو جربنا علاجًا جديدًا للاكتئاب على الفئران فهل يعني هذا بالضرورة أن العلاج سينجح للإنسان ؟

قد تأمل أن يكون الجواب نعم لكن للأسف! لا ينجح هذا في كل وقت.

لعلك تتساءل عن السبب في هذا ؟

تُجيبنا الدراسة الجديدة التي أجراها مجموعة من العلماء في معهد ألين لعلوم الدماغ في سياتل، إذ تقترح تفسيرًا لذلك: «تُفعّل الخلايا الدماغية للفئران جينات مختلفة عن التي تُفعّلها خلايا الدماغ عند الإنسان».

استخدم الباحثون الأدمغة التي تبرع بها الأشخاص المتوفون أو الأنسجة الدماغية التي تبرع بها المصابون بالصرع بعد استئصالها أثناء إجراء عمليات على الدماغ. فرز الباحثون 16000 خلية من التلفيف الصدغي الأنسي medial temporal gyrus المسؤول عن المعالجة اللغوية والمنطقية وعينوا 75 نوعًا مختلفًا من الخلايا.

عند مقارنتها بالفئران، وجدوا أن الفأر يملك نفس الخلايا تقريبًا!

لماذا تفشل الأدوية التي تعمل بشكل جيد على أدمغة الفئران عند تطبيقها على البشر الأدوية التي يتم تجربتها على الفئران لماذا يجري البشر تجاربهم على الفئران

إذن أين الجديد ؟

قارن العلماء بين الجينات المفعّلة والمثبطة في تلك الخلايا المتشابهة فوجدوا اختلافًا كبيرًا بين الإنسان والفئران.

على سبيل المثال، ينظم الناقل العصبي السيروتونين serotonin الشهية والمزاج والذاكرة والنوم. يؤدي السيروتونين هذا الدور من خلال الارتباط بخلايا الدماغ بواسطة مستقبلات معينة موجودة على سطوح تلك الخلايا.

اكتشف الباحثون أن مستقبلات السيروتونين عند الإنسان توجد على خلايا مختلفة عن الخلايا التي توجد عليها هذه المستقبلات عند الفئران. لذلك فالأدوية التي ترفع تركيز السيروتونين في الدماغ، مثل أدوية الاكتئاب، يجب أن تصل إلى خلايا محددة عند الإنسان لترتبط بمستقبلاتها. أما عند أدمغة الفئران فإنها ترتبط بمستقبلات موجودة على خلايا أخرى.

وجدوا كذلك اختلافًا في التعبير عن الجينات التي تساعد على بناء الاتصالات بين الخلايا العصبية. في الواقع، إن الاتصالات الخلوية في أدمغتنا تبدو مختلفة جدًا عما هي عليه عند الفئران.

يقول كريستوف كوخ، المسؤول عن التجارب ورئيس معهد ألين لعلوم الدماغ: «الأساس هو أنه توجد تشابهات كثيرة واختلافات أيضًا بين أدمغتنا وأدمغة الفئران»، إذ صرح في بيان: «تبين لنا التشابهات وجود استمرار تطوري واضح، أما الاختلافات فتؤكد لنا كم نحن مميزون».

ويضيف: «إذا أردت علاج مرض دماغي للإنسان فيجب عليك فهم تفرد دماغ الإنسان».

نُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة Nature بتاريخ 21\8\2019.

اقرأ أيضًا:

يمكن لأجهزة متحكم بها عبر الهاتف الذكي أن توصل الأدوية إلى الدماغ

بعض مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للذهان قد تزيد من خطر الإصابة بالخرف

ترجمة: جعفر قيس

تدقيق: غزل الكردي

المصدر