على أي أساس يجب أن تختار المعالج النفسي ؟ كل عام، يعاني واحد من كل خمسة أستراليين من أعراض اضطراب نفسي. بالرغم من الاستعمال الشائع للأدوية وبالرغم من كفاءتها العلاجية أحيانًا، قد تسبب أعراضًا جانبيةً مزعجةً كاكتساب الوزن وآلام الرأس والتعب.
يمكن للعلاجات النفسية الكلامية أن تكون بكفاءة الأدوية عند علاج بعض مشاكل الصحة النفسية كالاكتئاب واضطراب القلق، ويمكن أيضًا أن تضيف مساعدةً جيدةً للذين سبق واستجابوا للأدوية. إضافةً إلى ذلك، تتميز بالقدرة على التطرق للأسباب التي أدت لحدوث المشكلة النفسية في الأساس.
فما هي الخيارات المتاحة في العلاج النفسي وكيف يعمل كل منها؟
بدايةً ابحث عن معالج نفسي تنسجم معه:
من أهم الأمور في العلاج النفسي هو بناء علاقة تفاعلية مع المعالج النفسي ، فإذا لم تشعر بنوع من الانسجام مع المعالج في الجلسات الأولى، لن يكون هذا العلاج فعالًا على الأرجح. لا يعني هذا أن هناك خطبًا ما بك أو بالمعالج، بل يعني أن هذه العلاقة بالتحديد لن تكون نافعةً في العلاج، ويجب أن تفتش عن معالج تشعر بنوع من التفاعل معه.
من المهم أيضًا أن تجد الوسيلة العلاجية المناسبة لك؛ إذ يفضل بعض الناس الحصول على نصائح وإرشادات مباشرة، ومن ناحية أخرى يفضل البعض الآخر الحصول على مساحة من الوقت لإيجاد الحلول بأنفسهم. يتناسب كل من هذين النوعين مع معالجين مختلفين ومع أساليب علاجية مختلفة.
فما هي أنواع العلاجات النفسية التي يقدمها المعالجون النفسيون وما الذي يناسبك أكثر؟
العلاج السلوكي المعرفي Cognitive behaviour therapy
هو من أكثر العلاجات الكلامية المعروفة والمستخدمة. العلاج السلوكي المعرفي: هو مجموعة من الأساليب الممنهجة المبنية على الافتراض بأن الطريقة التي يشعر بها الإنسان مرتبطة بقوة بالطريقة التي يفكر ويتصرف بها.
يستخدم هذا العلاج أنشطةً معينة تتطرق إلى طريقة تفكير الشخص والأفعال التي يقوم بها (الأفكار والتصرفات)؛ من أجل تغيير مشاعر الشخص. يساعد المعالج النفسي المريض من خلال دفعه للتفاعل مع عدة أنشطة تساعد في تغيير أنماط أفكاره وسلوكياته. مثلاً، قد يشجع المعالج السلوكي المعرفي المريض على اقتناء مذكرة لرصد أفكاره خلال النهار. مذكرات الأفكار تتبع نموذج ABC (أي تسلسل الأبجدية بالإنجليزية):
- العامل المفعل: الحدث الذي سبب حدوث الفكرة The activating event.
- المعتقد: الفكرة بحد ذاتها The belief.
- الأثر: كيف جعلت تلك الفكرة الشخص يشعر The consequence.
أحياناً يضاف عاملان D E
- مواجهة الأفكار: ما الطريقة الأخرى التي يمكن التفكير بها Disputing.
- النتيجة النهائية: تدوين كيف غيرت طريقة التفكير البديلة المشاعر The end result.
علاج التقبل والالتزام Acceptance and commitment therapy
علاج التقبل والالتزام: هو نوع علاجي شائع يمكن أن يكون فعالًا في حالات ومشاكل نفسية كثيرة ومتعددة. يتطرق هذا العلاج إلى ميول المريض نحو تجنب بعض الأمور ويساعده في تطوير مرونة نفسية تسهم في تحسين معيشته وتعزيز قيمتها ومعناها.
في حين يحاول العلاج النفسي المعرفي تغيير الأفكار والسلوكيات، يتطرق علاج التقبل والالتزام لفكرة مثيرة للاهتمام، وهي ألا يغير الناس أفكارهم وسلوكياتهم، وإنما يعمل على جعل المريض يحقق حالةً فكريةً يلاحظ فيها تلك الأفكار أو الصور أو المشاعر أو السلوكيات الإشكالية دون أن يجعلها تستحوذ عليه. هذا الجزء هو جزء التقبل.
يشجع هذا العلاج الناس أيضًا على تحديد ما هو مهم لهم وعلى إيجاد وسائل تحقق لهم العيش اليومي وفق تلك القيم المهمة، وهذا هو الجزء المتعلق بالالتزام.
يملك معالجو التقبل والالتزام في جعبتهم تشكيلةً متنوعةً جديدةً من الأنشطة التفاعلية. قد يساعد معالج التقبل والالتزام المريض بأن يجعله يتخيل أفكاره كأنها على أوراق تطفو فوق شلال، ثم يمكن للمريض أن يشاهد الأفكار تطفو بعيدًا وتختفي مع الشلال.
التنشيط السلوكي Behavioural activation
طُوِّر التنشيط السلوكي في البداية لعلاج الاكتئاب، ولكنه صار أكثر استعمالًا. يتضمن التنشيط السلوكي تحديد الأنشطة التي تعزز المتعة أو تقلل الضغط، ثم تُجدوَل هذه الأنشطة. يساعد هذا العلاج الناس في تحديد العوامل البيئية التي تسهم في مشاكلهم والأمور التي قد تساعدهم جدًا، والسلوكيات المرتبطة بكل من هذه الأمور.
يركز هذا العلاج على مساعدة الناس في تطوير أهداف محددة وخطط -قابلة للتنفيذ- تساهم في تنشيط السلوكيات المكافِئة.
يمكن لعلاج التنشيط السلوكي أن يتضمن بعضًا من الأنشطة المشابهة لأنشطة العلاج السلوكي المعرفي ولكن مع تركيز أكبر على السلوك نفسه لا على الأفكار. على سبيل المثال، قد يُطلب ممن يتلقى العلاج على يد معالج تنشيط سلوكي أن يرصد الأنشطة اليومية ويقيمها بحسب تأثير كل منها على مزاجه.
علاج طريقة المستويات Method of levels
هو علاج جديد غير شائع، ولكن الاهتمام به يتزايد يومًا بعد يوم. يركز هذا العلاج على السيطرة التي يملكها المرء على حياته، كيف فقدها؟ وكيف يسترجعها؟
يتشابه علاج طريقة المستويات مع كل من العلاجات الأخرى، ولكنه يستخدم المحادثة المبنية على وجهة نظر المريض -القابلة للتطور خلال الجلسات العلاجية- على أنها التقنية الأساسية.
يعتمد هذا العلاج على أداء المريض الآني اللحظي خلال التكلم مع المعالج، ويحدد المريض موضوع الجلسة. يركز المعالج النفسي على الانزعاج المرتبط بنمط محدد من العوارض لا على العوارض نفسها.
مثلًا، لو اشتكى الشخص من قلق شديد في الظروف الاجتماعية ومن قلق مستمر حول ما يعتقده الناس عنه، سيكون اهتمام المعالج مصبوبًا على اكتشاف الأمر المزعج في تلك المشاعر، وكيف تؤثر على باقي الأمور، وما الأشياء التي تمنع المريض من القيام بها.
خلال المحادثات، يساعد المعالج المريض على إيجاد حلوله الخاصة لمشاكله بدلًا من تقديم النصائح والإرشادات من وجهة نظر المعالج النفسي. يأخذ هذا العلاج التفاوت في المدة التي يحتاجها الناس لحل مشاكلهم النفسية والاجتماعية بعين الاعتبار، ويفترض أن رحلة التحسن النفسي ليست المستقيمة المتوقعة؛ ولهذا، يقود المريض مسألة جدولة المواعيد بحسبه لا بحسب المعالج في هذا الأسلوب العلاجي.
ماذا لو لم ينجح العلاج؟
توجد أساليب علاجية كثيرة غير المذكورة أعلاه، ويتقن العديد من المعالجين النفسيين أكثر من أسلوب علاجي واحد، وقد يجمع بعضهم أكثر من أسلوب واحد في الجلسة.
إذا انسجمت مع معالج يهتم بمتابعة تحسنك باستمرار، ويستجيب بمرونة للمشاكل التي تعيقك، يرجَّح أنك ستجد الراحة التي تبتغيها، ولكن لا توجد ضمانات؛ لأن العلاج -بكل بساطة- وسيلة تساعد الناس على فهم أمور لم يتمكنوا من فهمها مسبقًا، وعلى استعادة الرضا، والإحساس بأنهم يعيشون حياةً قيِّمة، لذا كن على علم بأنك أنت من يعطي للعلاج قيمته.
إذا وجدت أنك لا تحصل على النتائج التي تريد، فربما حان الوقت لتجربة معالج آخر أو خطة علاجية مختلفة.
اقرأ أيضًا:
إعادة النظر في مفهوم الاكتئاب التفاعلي
هل تعلم الأنواع الأربعة من اضطراب الشخصية الحدية ؟
ترجمة: زهراء حدرج
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: تسنيم الطيبي