نجم هارب يبدو أنه طُرد بواسطة ثقب أسود مفقود. الاكتشاف الجديد المتعلق بالنجمة الضالة، ربما قد يعطي للفلكيين دليلًا لحل واحد من أكثر الألغاز حول الثقوب السوداء؛ أين هي الثقوب السوداء متوسطة الحجم؟ نحن نعلم أن الكتل النجمية للثقوب السوداء تصل إلى 100 ضعف كتلة الشمس، والثقوب السوداء فائقة الكتلة تصل لأكثر من 100 ألف ضعف كتلة الشمس. وبين هاتين الفئتين لا شيء سوى بعض الدلائل المحيرة وغير المكتملة.

الآن، قد حصلنا على دليل جديد، وهو يتضمن شيئًا آخر من الأشياء المفضلة لدينا في الفضاء؛ نجم هارب، طُرد من ثقب أسود مفقود في قرص مجرة درب التبانة، باتجاه الفضاء الخارجي بين المجرات.

الجُرم المسمى بـ PG 1610+062، والذي اكتُشف عام 1986 في الهالة المجرية، كان يُعتقد حينها أنه نموذج رائع لنجوم الهالة المجرية، نجم قديم ومنتفخ، تبلغ كتلته حوالي نصف كتلة الشمس، وتجاوز مرحلة اندماج الهيدروجين. كان يتحرك بسرعة كبيرة جدًا، بسرعة كافية مكنته من الهرب من مجرة درب التبانة تقريبًا.

لكن كشفت ملاحظات رصدية جديدة عام 2011 أن النجم ليس قديمًا إطلاقًا؛ في الواقع، إنه حديث جدًا، وما زال في مرحلة اندماج الهيدروجين، وكتلته أكبر مما ظننا؛ إذ تبلغ كتلته حوالي 10 أضعاف كتلة الشمس. بعبارة أخرى، نجم في مرحلة التسلسل الرئيسي من النوع B، أعيد تصنيفه عام 2015.

أوضحت عمليات المحاكاة عام 1988 شيئًا يُطلَق عليه اسم «آلية التلال»، في تلك الآلية يمكن لثلاثة أجرام أن تتفاعل مع بعضها، وتضمنت ثقبًا أسود فائق الكتلة، ونجمًا ثنائيًا، ويمكن لهذا التفاعل أن يطرد النجم بسرعة فائقة جدًا؛ بأن يلتقط الثقب الأسود أحد زوجي النجم الثنائي، ويقذف الآخر في الفضاء.

كان يُعتقد أن هذه هي الآلية الوحيدة القادرة على إنتاج نجوم فائقة السرعة في طور التسلسل الرئيسي، لذلك كان يُعتقد أن المسار الذي اتخذه PG 1610+062كان نتاجًا لهذه العملية؛ إذ كان الثقب الأسود موجودًا في منطقة الرامي A*(ثقب أسود مفقود فائق الكتلة الموجود في قلب مجرتنا).

نجم هارب يبدو أنه طُرد بواسطة ثقب أسود مفقود الاكتشاف الجديد المتعلق بالنجمة الضالة ثقب أسود مفقود فائق الكتلة الموجود في قلب مجرتنا

ملحوظة: منطقة الرامي A* هي عبارة عن منطقة لامعة ومصدر راديوي قوي جدًا في مركز مجرة درب التبانة، وهي جزء من منطقة أكبر تسمى الرامي A، وتحتوي منطقة الرامي A* على ثقب أسود فائق الكتلة.

لكن بعد ذلك، أصدر مرصد غايا التابع لوكالة الفضاء الأوروبية بياناته، إذ أُنتجت خرائط ثلاثية الأبعاد تعد الأكثر دقة لمجرتنا. والتي كشفت أن النجم PG 1610+062 لم يكن موقعه كما توقع الفلكيون سابقًا، بل كان أبعد من ذلك.

ولهذا قرر فريق دولي من علماء الفلك بقيادة أندرياس إيرغانج Andreas Irrgang من جامعة فريدريش ألكساندر Friedrich-Alexander بألمانيا، إلقاء نظرة عن كثب، باستخدام مرصد دابليو.إم.كيك W. M. Keck المعروف غالبًا بمرصد كيك؛ لمحاولة تحليل التركيب الكيميائي للنجم، والوقوف على سرعة دورانه، وسرعته القطرية (السرعة بالنسبة للمراقب أي نحن).

وكشف التحليل الطيفي أن النجم غني بالمعادن؛ ما يؤكد أنه نجم صغير بالعمر فعلًا، وذلك نظرًا لأن النجوم الأكبر سنًا تقل نسبة المعادن فيها كلما تقدمت بالعمر.

ووجدوا أيضًا، اعتمادًا على سرعة النجم، بأنه لم يكن قريبًا من مركز المجرة ذات يوم؛ إذ يرجع مسقط رأسه لمنطقة ذراع رامي القوس، إذ يعتقد العلماء أنه قُذف منها بسرعة 550 كيلومترًا في الثانية. ويعد ذلك مثيرًا للاهتمام جدًا؛ لأن هذا يعني أنه نجم عالي السرعة، وليس نجمًا فائق السرعة، لأن تلك النجوم تبلغ سرعتها أكثر من 1000 كيلومتر في الثانية.

في وقت مبكر من العام اكتُشف نجم فائق السرعة يتحرك بعيدًا عن مركز المجرة بسرعة 1,700 كيلومتر في الثانية، لذلك نحن نعلم أن منطقة ذراع رامي القوس يمكنها أن تقذف النجوم بسرعة أكبر من 550 كيلومتر في الثانية.

لكن الطرائق الأخرى التي قد تتسبب في طرد النجوم (مثل تفاعلات الجاذبية في العناقيد النجمية، أو المستعرات العظمى التي تحدث لإحدى زوجي النجوم في أنظمة النجوم الثنائية) ليست قوية بما يكفي لطرد النجم PG 1610+062 خاصة أنه يتحرك عكس اتجاه دوران المجرة.

وهنا نعود للغز الثقب الأسود. سرعة النجم تعطينا احتمالية أن يكون قد طُرد من موقعه بواسطة إحدى الثقوب السوداء متوسطة الكتلة تلك التي راوغتنا كثيرًا.

ووفقًا لما كتبه الباحثون في ورقتهم: «النظر عن كثب ومواجهات النجوم فائقة الضخامة، والثقوب السوداء متوسطة الكتلة تقدم تفسيرات واضحة في المبدأ».

وأضافوا: «بالرغم من ذلك، لم نقف بعد على المعدلات التي قد تحدث بها تلك التفاعلات الديناميكية القوية؛ لأن العدد الفعلي لمثل تلك الاضطرابات الضخمة، والتجمعات المضيفة لها، غير مؤكدة».

لم يُعرف سوى عدد قليل فقط من تلك النجوم التي تقبع في مرحلة التسلسل الرئيسي ولها سرعات فائقة. يقدم ذلك البحث الجديد، حجة مقنعة للعثور على المزيد منها. فحيثما تجد تلك النجوم، قد تتمكن من إيجاد المزيد من تلك الثقوب السوداء متوسطة الحجم. وإذا لم تجد ذلك، فقد تجد شيئًا آخر مثيرًا.

روابط ذات صلة:

من قال إننا انتهينا من اكتشاف أنواع النجوم؟ اكتشاف نوع جديد من النجوم النابضة

فلكيون وجدوا ثلاثة من النجوم الزومبي بعثت بعد مستعر أعظم

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: عون حداد

المصدر