تتكبد العائلات التي تكون ضمن العُشر الأدنى حسب حجم الدخل أعباءً ناتجة عن التعريفات والرسوم الجمركية تُعادل خمسة أضعاف الأعباء التي تتحملها عائلات ضمن العُشر الأعلى دخلًا. ولكي نفهم الحرب التجارية الحالية بصورة أفضل، سنحتاج إلى العودة بالزمن عدة أعوام إلى الوراء. في 12 كانون الثاني/يناير 2017 كان الرئيس المنتخب دونالد ترامب يستعد للانتقال إلى البيت البيض بديلًا عن الرئيس باراك أوباما المنتهية ولايته، أثناء ذات الوقت أطلق ثلاثة اقتصاديين من إدارة أوباما طلقةً قاصمة على السياسات الحمائية، إذ نشروا مقالًا على موقع VOX بعنوان «التعريفات الجمركية الأمريكية هي ضريبة ارتدادية وتعسفية».

«يدفع الأغنياء تعريفات جمركية أكثر من الفقراء، ولكن ذلك لأنهم يشترون أشياء أكثر في العموم» كتب جايسون فورمان Jason Furman الرئيس المنتهية ولايته لمجلس المستشارين الاقتصاديين لأوباما، مع كل من جاي شامبا Jay Shambaugh العضو في المجلس، والاقتصادية كاثرين روس Katheryn Russ.

وأضافوا أيضًا أن الأفراد أصحاب الدخول المنخفضة هم أكثر المتضررين بسبب هذه التعريفات؛ إذ إنه في العام 2014 أنفقت العائلات التي تقع ضمن العُشر الأعلى في التصنيف حسب حجم الدخل قبل خصم الضريبة pretax income، أقل من 0.3% من الدخل بعد خصم الضريبة after-tax income على التعريفات الجمركية، بينما أنفقت العائلات التي هي في العشر الأخير الأقل في الدخل قبل خصم الضريبة نحو 1.5% من الدخل بعد خصم الضريبة على التعريفات الجمركية. كانت هذه التعريفات في السابق مدمجة بالفعل ضمن أسعار المنتجات التي كانوا يشترونها.

في إحدى المقابلات صرحت كاثرين روس، الأستاذة بجامعة كاليفورنيا بمدينة دافيس «هكذا كان الوضع في عصر التجارة الحرة، قبل أن يبدأ ترامب برفع الرسوم على الواردات القادمة من الصين ومن دول أخرى، الآن تدفع جميع فئات الشعب الأمريكي أكثر بسبب الرسوم الجمركية وما زال العبء أثقل على الفقراء».

أضافت أيضًا، أن المستهلكين أصحاب الدخل المنخفض يميلون إلى إنفاق الكثير من أموالهم على الملابس ذات الأسعار المنخفضة وغيرها من المنتجات المستوردة من الصين، على جانب آخر فالأشخاص أصحاب الدخل المرتفع ينفقون الكثير على الأجهزة الإلكترونية الراقية التي تأتي أيضًا من الصين.

ولكن التعريفات الجمركية تؤثر على الفقراء بصورة أكثر حدة، لأن الفقراء لديهم مدخرات أقل كون النصيب الأكبر من دخلهم يذهب للاستهلاك بمختلف أنواعه، أما الأغنياء فهم يدخرون جزءًا أكبر.

يدعم مجلس المستشارين الاقتصاديين لترامب – برئاسة كيفن هاست – التعريفات الجمركية بصورة أكبر مما كان يقوم به المجلس الخاص بإدارة أوباما سابقًا، على الرغم من ذلك، فإن مستشاري ترامب لم يُنكروا وجود بعض السلبيات، ظهر هذا جليًا في التقرير الاقتصادي الرئاسي لعام 2018، فقد أوضح أن التعريفات الجمركية قد ترفع الأسعار في وجه المستهلكين.

تعريفات ترامب الجمركية ضد الصين تضرب الطبقة الفقيرة ومنخفضة الدخل بالولايات المتحدة بقوة التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصين

بجانب ما تقدمه الرسوم الجمركية من فوائد هناك أيضًا بعض التكاليف. في عام 2018 استطاعت الحكومة الفيدرالية جمع إيرادات بلغت 14.4 مليار دولار أمريكي وذلك بعد فرض رسوم جمركية جديدة.

كانت هذه الإيرادات التاريخية بمثابة قوة دافعة كبيرة لدعم سياسة فرض الرسوم الجمركية، وإلى جانب الاستفادة بهذه الإيرادات، استفاد المنتجون المحليون من زيادة الأسعار الناتجة عن فرض التعريفات الجمركية الحمائية، ولكن يمكن لهذه الفوائد أن تتلاشى بسبب التكلفة التي سيتحملها المستهلكون في شكل أسعار مرتفعة وأيضًا بسبب تراجع الاستهلاك بشكل عام.

أما بالنسبة للمصدرين الأجانب، على الرغم من اختلاف منتجاتهم فإنهم قد يتحملون جانبًا من الأعباء الاقتصادية الناتجة عن التعريفات المفروضة، ولكن يمكن أن تقل هذه الأعباء في حالة السلع المدعومة بالإعانات مثل البضائع الزراعية.

كيف تؤثر التعريفة الجمركية على طبقات المجتمع المختلفة؟ هذا جزء من القصة. ولكن هناك مسألة أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان وهي تأثير التعريفة الجمركية على الصينيين مقابل تأثيرها على الأمريكيين أنفسهم، إذا كان المستهلكون الأمريكيون يستطيعون الاستغناء عن المنتجات المفروض عليها التعريفات وشراء منتجات أخرى، بذلك لن يتحملوا الكثير من العبء. ولكن إذا لم تكن هناك بدائل عن هذه المنتجات القادمة من الصين، فستكون اليد العليا حينها للمُصدرين الصينيين.

صرح ترامب عبر حسابه على تويتر أن المصدرين الصينيين سوف يتحملون معظم العبء الناتج من التعريفات الجمركية الأمريكية. فقد نشر في 13 مايو «لقد تحملت الولايات المتحدة 4 نقاط فقط في مقابل 21 نقطة تحملتها الصين، لأن الصين تدعم منتجاتها بدرجة كبيرة».

من الواضح والجدير بالذكر أن التصريح الذي أدلى به ترامب عبر تويتر يمثل رأي الأقلية. إذ وجدت معظم الدراسات الاقتصادية أن المستهلكين الأمريكيين يتحملون الجزء الأكبر من العبء الناتج بسبب الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات من الصين، لأن المستوردين الأمريكيين يمررون معظم أو كل هذا العبء إلى المستهلكين من خلال رفع الأسعار.

استشهد الاقتصاديون في مجموعة غولدمان ساكس Goldman Sachs Group Inc بورقتين أُصدرتا حديثًا من المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية. إذ قالوا في 13 مايو «أولًا، تحملت الشركات والعائلات الأمريكية تكاليف الرسوم الجمركية الأمريكية بشكل كامل، مع عدم وجود تخفيض يُذكر للأسعار من قبل المُصدرين الصينيين. ثانيًا، امتدت آثار هذه التعريفات إلى البضائع المحلية البديلة، إذ رفع المنتجون المحليون أسعار منتجاتهم المحلية».

النقطة الثانية مهمة، لأنه بالنسبة لداعمي الرسوم الجمركية المرتفعة تُعتبر هذه ميزة لا عيبًا، لأنه عندما ترتفع الرسوم الجمركية فإنها تفسح المجال للمنتجين المحليين لرفع أسعار منتجاتهم أمام المستهلكين الأمريكيين لجني أرباح أكبر.

من ناحية أخرى فالمصدرون الأمريكيون سيعانون أيضًا عندما تزيد الولايات المتحدة التعريفات الجمركية على الصين، حتى وإن لم تفرض الصين رسومًا جمركية مضادة من جانبها.

أوضح ذلك الخبير الاقتصادي البريطاني المولود في روسيا أبا ليرنر Abba Lerner في 1936، بأنه عندما ترفع دولة ما الرسوم على الواردات، فإن سعر صرف عملتها سوف يتغير للتعويض. على الجانب المقابل، ينخفض الطلب على الواردات القادمة من الشريك التجاري ما يؤدي إلى خفض سعر صرف عملة الأخير، وذلك بافتراض أن الأسواق تعمل بكفاءة.

يضيف ليرنر، حينها سوف يتأثر المصدرون المحليون سلبًا بسبب قوة العملة المحلية النسبي، ذلك لأن هذه القوة سوف تجعل البضائع المحلية أغلى سعرًا أمام الأسواق الأجنبية. بناءً على هذه النظرية؛ فإن الضريبة على الواردات ستؤدي إلى ضرر مرتد على صادرات هذه الدولة.

منذ عهد قريب تحقق كلّ من إيفان ويرنينغ Ivan Werning وآرنود كوستينوت Arnaud Costinot، الاقتصاديان في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، من صحة نظرية ليرنر من الناحية العملية.

في 2018 صرّحا أن ذلك قد يكون صحيحًا عبر إرسال بريد إلكتروني مشترك قالا فيه «كما نرى، يبقى هذا صحيحًا في ظل أوضاع ومواقف أوسع بكثير مما كان يُعتقد، بسبب وجود سلسة التوريد العالمية، والاختلالات التجارية، وقوة السوق، وأسعار الأسهم والأجور، والنزعة السلوكية، والضرائب غير الخطية. في ضوء ذلك، وحسب ما تسير عليه النتائج النظرية في علم الاقتصاد، يبدو هذا سليمًا جدًا».

نشر صندوق النقد الدولي في كانون الثاني/يناير ورقة بعنوان «عواقب التعريفات الجمركية على الاقتصاد الكلي» شملت 151 دولة خلال الفترة من 1963 إلى 2014، وهي عبارة عن بيانات أكثر بكثير من بيانات الدراسة الأكاديمية العادية. مؤلفوها هم ديفيد فورسيري Davide Furceri وسوارنالي أ. هنان Swarnali A. Hannan وجوناثان أوستري Jonathan D. Ostry من صندوق النقد الدولي، وأندرو روز Andrew Rose من جامعة كاليفورنيا في كلية هاس للأعمال في مدينة بيركلي.

نفذ هؤلاء الاقتصاديون هذا المشروع الضخم لأنهم كانوا قلقين من أن معظم دفاعات الأسواق الحرة حتى اليوم كانت تميل إلى أن تكون نظرية، أو لأنها ركزت على الصورة المصغرة بدلًا من الصورة الكلية، أو حتى لأنه قد عفا عليها الزمن.

وخلصت إلى أن التجارة الحرة هي الأفضل «نجد أن زيادة الرسوم الجمركية تؤدي إلى انخفاضات ضخمة من الناحيتين الاقتصادية والإحصائية في الناتج المحلي والإنتاجية على المدى المتوسط. تتسبب الزيادات في التعريفة الجمركية أيضًا إلى زيادة البطالة واتساع فجوة عدم المساواة وارتفاع حقيقي في سعر الصرف، ولكنها تؤثر بدرجة صغيرة على الميزان التجاري.
«لا أعتقد أن بحثنا جديد»، يقول روز، «إنه يحدد الأمور».

اقرأ أيضًا:

ما هي المرونة الاقتصادية ؟

ما هي السوق الحرة ؟

ترجمة: ابراهيم عبد الله ابراهيم

تدقيق: علي قاسم

مراجعة: نغم رابي

المصدر