من أشهر المزحات المعروفة أن تقوم بهز قنينة البيرة لأحد الأصدقاء وتتركها تفور في وجهه. قد تكون مزحة طريفة لبعضهم ومزعجة للبعض الأخر، ولكن بالنسبة للفيزيائي الإسباني خافيير رودريغيز- من جامعة كارلوس الثالث في مدريد- فإن الأمر مثير للتحقيق في هذه الظاهرة الغريبة، وفي هذه العملية اكتشف مجموعة من الظواهر الفيزيائية المعقدة في كوب من الجعة ، والتي يمكن أن تساعد العلماء على فهم جميع أنواع العمليات الفيزيائية، من الانفجارات البركانية إلى تكوين الكويكبات.

يقول رودريغيز: «هناك العديد من الظواهر الفيزيائية المختلفة التي تحدث في كأس الجعة، وفي كل مرة تشرب فيها بيرة، تحدث أمام عينيك مباشرة».

وقد دفعه تعطشه للمعرفة إلى إقناع طلاب الدكتوراه بإسقاط الجعة في سقوط حر من برج يبلغ ارتفاعه 100 متر لدراسة تكوين الفقاعات في بيئة ضعيفة الجاذبية.

وكتب هو والمؤلف المشارك روبرت زينيت في مراجعة لحقائق البيرة التي اكتشفوها، ونشراها في مجلة الفيزياء اليوم: «المشروبات الغازية هي مختبرات محمولة يمكن استخدامها لإظهار عمل العديد من التدفقات الموجودة أيضًا في الطبيعة والصناعة لإظهار بطريقة مسلية».

المفتاح لكثير من العمليات في الجعة هو أنه مكربن، وهو مصطلح عامي لكونه محلولًا لثاني أكسيد الكربون فائق التشبع. أثناء تخمير البيرة، تنبعث بواسطة الخميرة فقاعات صغيرة من ثاني أكسيد الكربون، ما يزيد الضغط في الزجاجة.

يذوب بعض غاز ثاني أكسيد الكربون في البيرة، ويحدّد الكسر بموجب قانون هنري الذي ينص على أنه كلما زاد الضغط يُذاب المزيد من الغاز.

عند فتح الزجاجة، يتحرر الضغط، ما يعني أن كمية الغاز التي يمكن للسائل الاحتفاظ بها أقل، وفجأة يصبح المحلول مشبعًا جدًا، لكن الأمر يستغرق بعض الوقت للمحلول للحاق بها. على مدار بضع ساعات، يتسرب ثاني أكسيد الكربون إلى أن يصل إلى نقطة التوازن الجديدة، والتي يطلق عليها محبو البيرة بأنها (مسطحة).

يشكل المعدل الذي ينطلق منه الغاز وديناميكيات فورانه، الأساس لكثير من سلوكيات البيرة المثيرة للاهتمام – كما هو الحال في مزحة رج القنينة.

نُشرت دراسة رودريغيز حول الجعة لأول مرة في مجلة Physical Review Letters وكشفت أن مايدفع الانفجار البركاني هو موجة ضغط تجتاح السائل إلى الأعلى، إذ تسبب الهزة المفاجئة للبيرة الانفجار، أما على جانبي الزجاجة فتتأخر، حيث يكون التأثير ضئيلًا بسبب انزلاق البيرة عبر الزجاج.

ومع ذلك، فإن التحول في أسفل قاعدة الزجاجة له تداعيات أكبر بكثير، فيحدث انخفاض مفاجئ في الضغط في السائل في القاع. وتنتشر هذه المنطقة ذات الضغط المنخفض للأعلى، ما يؤدي إلى تحفيز ثاني أكسيد الكربون الذائب في البيرة لتكوين فقاعات فجأة. هذا الضغط العالي المفاجئ يكسّر الفقاعات التي تشكلت للتو. ووجد Rodríguez أن كل واحدة تنقسم إلى ما يصل إلى مليون فقاعة أصغر.

الآن وبعد أن وصلت في شكل سحابة، تبدأ في الارتفاع وتنمو مع امتصاص ثاني أكسيد الكربون. يستغرق الأمر ثانية أو ثانيتين قبل أن تصل إلى الأعلى وتزبد. يعود ارتفاع السحابة إلى كثرة انقسام الفقاعات، ما جعل رودريغيز وفريقه يفكرون فيما يمكن أن يحدث في الجاذبية الصفرية.

فبدلًا من إرسال البيرة إلى الفضاء، قرروا رميها عن برج بارتفاع 100 متر في مركز تكنولوجيا الفضاء التطبيقي والجاذبية الصغرى (ZARM) في بريمن بألمانيا.

للتجربة الفعلية كان عليهم إيجاد سائل بديل. يقول رودريغيز: «لا يمكننا استخدام البيرة فهي قذرة للغاية». باستخدام المياه الغازية، يمكن للفريق مراقبة تطور سحابة الفقاعة حيث تحوم داخل السائل، والتقاط فيديو عالي السرعة لهذه العملية.

إضافة إلى كونه ذا صلة بتكوين أجسام مثل الكويكبات والنيازك في البيئات ذات الثقل المنخفض، فإن بحث رودريغيز رودريغيز يعالج القضية التي يحتمل أن تكون مهمة لرواد الفضاء وهي شرب البيرة.

إن طفو الفقاعات هو ما يُمكّن الغاز في المشروب المكربن من الارتفاع من المعدة وطرده، لكن رودريغيز يشير إلى أنه في حالة الجاذبية الصفرية، فإنها لن تكون مرتفعة.

كتب رودريغيز وزينيت في مقال المراجعة: «لن تتمكن الفقاعات من الهروب من السائل داخل الجهاز الهضمي، مما يؤدي إلى انتفاخ مؤلم في المعدة والأمعاء. لذا، نحن آسفون، ولكن لن يشرب سكان الفضاء المشروبات الغازية!».

يعترف رودريغيز بالاستمتاع بشرب سوائله التجريبية في بعض الأحيان، لكنه حريص على الإشارة إلى أنه لا يفعل ذلك من خلال أموال الأبحاث الحكومية. يقول إن إرشادات البحث تمنع الإنفاق على الكحول، لذلك يشتري جميع الجعة للتجارب من ماله الخاص.

كما يضيف قائلًا: «أعتبرها مؤسسة رودريغيز للتقدم العلمي».

النتائج من تجارب الجاذبية الصغرى قيد الإعداد، وستُقدّم إلى مجلة في وقت قريب.

اقرأ أيضًا:

الفيزياء الجزيئية

نظرية لامي في فيزياء السكون

ترجمة: بيتر نبيل

تدقيق: سلمى توفيق

المصدر