«حان الوقت لاكتشاف جميع الثقوب السوداء المفقودة». طرح عالما الفيزياء الفلكية اليابانيان هذا الجدال، واقترحا خلال ورقة علمية بحثًا جديدًا عن ملايين الثقوب السوداء المعزولة Isolated Black Hole (IBH) والتي من المُحتمل أن تعج بها مجرتنا. أورد الباحثان أن هذه الثقوب السوداء المفقودة في الظلام تمتص المادة من وسط النجوم Interstellar medium (ISM) والغبار والمواد الأخرى الهائمة بين النجوم، لكن عملية الامتصاص ليست ناجعة، إذ يُطرد جزء من هذه المواد إلى الفضاء بسرعات عالية.

يتفاعل هذا التدفق الخارجي مع البيئة المحيطة، كما قال الباحثان، وتنتج هذه العملية موجات راديو يستطيع البشر التقاطها عبر التلسكوبات الراديوية (نوع خاص من الهوائيات يتصل بأجهزة استقبال، تلتقط موجات راديو من مصادر فلكية في السماء).

إذا تمكن الفلكيون من عزل هذه الموجات وإقصاء كل الضوضاء التي تقع في مجرتنا، فقد نتمكن من اكتشاف هذه الثقوب المُتخفية.

لم تُراجَع الورقة البحثية رسميًا، وأتاحها الباحثان في الأول من يوليو/تموز بمثابة مسودة على arXiv (موقع يحتوي أرشيف مسودات الأبحاث العلمية)، كتبا فيها: «إنه لمن السذاجة التنقيب عن الثقوب السوداء المعزولة (IBH) من خلال انبعاثات الأشعة السينينة X-ray».

أفكار عن الثقوب السوداء ستعصف بعقلك

لكن لماذا؟

بينما تمتص الثقوب السوداء المواد من الفضاء، تتسارع هذه المواد عند أطرافها وتكوّن ما يُعرف القرص المزود (Accretion disk)، تُقلب المواد داخل هذا القُرص نفسها عندما تدور في اتجاه أفق الحدث (Event horizon) –نقطة اللا عودة الخاصة بالثقب الأسود- وتُطلَق الأشعة السينية خلال هذه العملية.

لكن الثقوب السوداء المعزولة (IBH) تكون صغيرةً حينما نُقارنها بالثقوب السوداء فائقة الكتلة، لذا ببساطة فهي لا تقذف الكثير من الأشعة السينية في الفضاء، إذ لا يوجد الكثير من المواد أو الطاقة داخل القرص المزود لإنتاج الكثير من آثار الأشعة السينينة. وقد فشلت عمليات البحث السابقة باستخدام الأشعة السينية في تحقيق نتائج نهائية قاطعة.

ملايين الثقوب السوداء المعزولة في ظلام مجرتنا، إليك خطة علماء الفلك للإيقاع بهم الثقوب السوداء المتخفية في المجرة الإشعاع الراديوي

وأورد الباحثان، دايتشي تسونا Daichi Tsuna من جامعة طوكيو Tokyo ونوريتا كاواناكا Norita Kawanaka من جامعة كيوتو Kyoto في الورقة: «تستطيع هذه التدفقات الخارجية أن تدل على الثقوب السوداء وتكشفها في أطوال موجية أخرى»، وأضافا: «يستطيع التدفق الخارجي التفاعل مع المواد المُحيطة وإنتاج صدمات دون تصادم (Collisionless shocks) عند السطح، تستطيع هذه التصادمات تضخيم الحقول المغناطيسية وتسريع الإلكترونات، فينبعث من الإلكترونات المُتسارعة إشعاع السنكروترون (Synchrotron radiation) بطول موجي في نطاق موجات الراديو».

حقائق غريبة عن الثقوب السوداء

وبعبارة أخرى: «يجب أن يحرك التدفق الخارجي خلال وسط النجوم (ISM) الإلكترونات بسرعة كافية لإنتاج موجات راديو».

قال عنها سايمون بورتيجيس زوارت Simon Portegies Zwart: «ورقة بحثية مثيرة للاهتمام». ويجدر بالذكر أن بورتيجيس زوارت عالم فيزياء فلكية بجامعة ليدن Leiden University في هولندا، ولم يشارك في أبحاث تسونا وكواناكا.

درس بورتيجيس زوارت أيضًا الثقوب السوداء المعزولة (IBH) والمعروفة بالثقوب السوداء متوسطة الكتلة Intermediate-Mass Black Holes (IMBHs).

يُضيف بورتيجيس زوارت في تصريح لِـ Live Science: «ستكون طريقة رائعة للعثور على الثقوب السوداء متوسطة الكتلة، أعتقد أنه بالتعاون مع LOFAR قد يكون بحث كهذا مُمكنًا، لكن عدم الاستقرار قد يسبب مشكلة».

Low-Frequency Array or LOFAR: شبكة من التلسكوبات الراديوية الكبيرة تقع في هولندا.

يوضح بورتيجيس زوارت أن الثقوب السوداء المعزولة (IBH) تُعتبر حلقةً مفقودةً بين نوعي الثقوب السوداء التي يقدر علماء الفلك على اكتشافها؛ «الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية» و«الثقوب السوداء فائقة الكتلة».

النوع الأول، الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية (Steller-mass black holes): يتراوح حجمها من 2 إلى 100 مرة حجم شمسنا، ويُمكن الوصول إليها من حين إلى أخر في الأنظمة الثنائية مع النجوم المألوفة (Binary star، في الشكل المُبسط، نجمتان تدوران حول مركز مُشترك للكتلة، أيّ تُقيدهما الجاذبية ببعضهما)، إذ تنتج الأنظمة الثنائية موجات جاذبية وقد توفر النجوم الرفيقة الوقود لسهام الأشعة السينية الكبيرة.

أمّا النوع الثاني، الثقوب السوداء فائقة (Supermassive black holes): تلك الوحوش التي تعيش في قلب المجرات، ويصل حجمها إلى مئات آلاف مرة حجم شمسنا، وتمتلك أقراصًا مزوِدة تضخ الكثير من الطاقة، ما مكّن عُلماء الفلك من اكتشافها وتصويرها.

لكن الثقوب السوداء المعزولة (IBH) تقع بين النوعين على مقياس الحجم، لذا يصعُب العثور عليها، ويوجد العديد من الأشياء في الفضاء يشك العلماء في كونها ثقوبًا سوداء معزولة، لكن هذه الأبحاث غير مؤكدة. لكن أبحاثًا سابقة تتضمن ورقةً بحثيةً شارك فيها بورتيجيس زوارت ونُشرت عام 2017 في المجلة الشهرية الخاصة بالجمعية الفلكية الملكية، تقترح أن الملايين منها ربما يختبئون هناك.

وكتب الباحثان حول التنقيب عن الثقوب السوداء المعزولة (IBH) من خلال مسح أشعة الراديو القادمة منها: «إن أفضل احتمالية تتضمن استخدام Square Kilometre Array (SKA)»، وهو تلسكوب راديوي مُتعدد الأجزاء، إذ بُنيَت أجزؤه في جنوب أفريقيا وأستراليا، ومن المقرر أن يبلغ إجمالي مساحة تجميع الموجات الراديوية كيلومترًا مربعًا واحدًا أي 0.39 ميلًا مربعًا.

يُقدر الباحثان أن ثلاثين ثقبًا أسودًا معزولًا (IBH) على الأقل يبعث موجات راديو سيتمكن (SKA) من التقاطها، وذلك في المرحلة الأولى من إثبات المفهوم (يقصد أنها تنتج موجات راديو يستطيع البشر التقاطها عبر التلسكوبات الراديوية) ومن المُقرر أن تبدأ خلال عام 2020. وكتب الباحثان: «ومع اكتمال (SKA) في مُنتصف 2020، يجب أن يكون قادرًا على اكتشاف ما يصل إلى 700 ثقب أسود».

اقرأ أيضًا:

الخط الزمني لنشوء الكون: العصور المظلمة.. كيف نجا الكون ؟

تقاطع أينشتاين: نجم زائف يساعدنا على قياس معدل دوران الثقوب السوداء

ترجمة: زين الدين

تدقيق: آية فحماوي

مراجعة: اسماعيل اليازجي

المصدر