حتى الآن، لم يعثر الفيزيائيون على أي آثار للجسيمات التي تشكل المادة المظلمة، وهي مادة غير مرئية تنتشر في هذا الكون، وتتحكم في مسارات النجوم والمجرات. إن هذه المادة المظلمة المزعومة تتفاعل بالجاذية مع المادة. لا أحد يعرف مكوناتها وكان من المستحيل معرفة أي شيء عنها سوى وزنها وتأثيرها على حركة الأجرام الكونية، لكن النظرية الجديدة يمكن أن توفر أخيرًا طريقة لاختبار المادة المظلمة.

قال الفيزيائيون النظريون من جامعة كاليفورنيا في ديفيس في عرض تقديمي يوم 6 حزيران في مؤتمر بلانك 2019 الذي عقد في غرناطة، إسبانيا، إن المادة المظلمة قد تتكون من نصف مغناطيس غريب، ومن خلال ابتكار مجهر إلكتروني قوي (غير موجود حتى الآن) قد نكون أخيرًا قادرين على كشفها.

لكن هذا لم يقنع كل الفيزيائيين؛ وعلقت سابين هوسنفيلدر، الباحثة في معهد فرانكفورت للدراسات المتقدمة على هذا العرض المذكور التي لم تشارك به قائلة: «أعتقد أنه أنيق، لكنه ليس واعدًا للغاية»، وأضافت: «هناك عدد لا حصر له من الجزيئات التي يمكنك اختراعها والتي قد تشكل مادة مظلمة، هذا مجرد واحد منهم». يستخدم الفيزيائيون كلمة أنيق عندما يكون العرض متماسك من الناحية النظرية.

تعتقد هوسنفيلدر أن هناك الكثير من الاقتراحات عن المادة المظلمة خاصة عندما يتعلق الأمر بالجسيمات الأولية المكونة لها، يمكن إجراء الكثير من العمليات الرياضية ونشر الأبحاث حولها والتفكير في التجارب التي تثبتها، ثم محاولة الحصول على تمويل لها. أضافت هوسنفيلدر «إذا كنت محظوظًا حقًا، فسيقوم شخص آخر بإجراء تجربتك لكنك قد لا تجد شيئًا بعد ذلك».

البحث عن المادة المظلمة

أما جون تيرنينج -أستاذ الفيزياء في جامعة كاليفورنيا المشارك في الدراسة الجديدة- قال: «على الرغم من أن النظريات تتنبأ بوجود مادة مظلمة، فإنه ليس لدينا أي فكرة عما تبدو عليه أو ما هي مكوناتها»، وأضاف: «كانت هناك قصة جميلة لفترة من الزمن، أن المادة المظلمة تتكون من جسيم هائل خجول يعرف بالإنجليزية بـWeakly Interacting Massive Partice, “WIMP”».

بحث العلماء لعدة سنوات عن هذه الجسيمات البطيئة غير المشحونة باستخدام مسرعات الجسيمات القوية، لكن مع مرور الوقت، استبعد الفيزيائيون المزيد والمزيد من نماذج لـ WIMPوفقدت الفكرة الشائعة أهميتها، على الرغم من عدم استبعادها تمامًا. وأضاف تيرنينج: «على مدار السنوات العشر الماضية، كان الناس يفكرون في جسيمات أخرى غير نماذج WIMPs».

تقترح نظرية أخرى أن المادة المظلمة تتكون بالفعل من جزيئات الضوء أو الفوتونات. وقال تيرنينج: «بالإضافة إلى الفوتونات العادية التي يمكننا رؤيتها، قد يكون هناك بعض الفوتونات لا يمكن رؤيتها، هذه الفوتونات المظلمة المزعومة هي جسيمات افتراضية لها كتلة بخلاف الفوتونات المعروفة، لكنها أخف من الإلكترونات. تتفاعل الفوتونات المظلمة المزعومة مع الفوتونات العادية».

في هذه الدراسة الجديدة بنى تيرنينج وباحث ما بعد الدكتوراه كريستوفر فيرهارين على هذه النظرية، مقترحين أن المادة المظلمة قد تتكون من نصف مغناطيس مظلم.

هذه النصف مغناطيسية الافتراضية ستكون نسخة المادة المظلمة من المغناطيس أحادي القطب الذي لديه قطب واحد فقط، اقترح الفيزيائي بول ديراك وجود مغناطيس أحادي القطب لأول مرة في ثلاثينيات القرن العشرين. (على الرغم من عقود المحاولة، فإنه لم يعثر أحد على أي دليل على وجوده في الطبيعة حتى الآن فكل المغناطيسات المعروفة بما فيها تلك المجهرية ثنائية القطب).

ديراك لم يقترح فقط وجود المغناطيس أحادي القطب، لكنه افترض أيضًا أن الإلكترون الذي يتحرك حوله يتأثر بحقله، إذا كانت نظرية تيرنينج وفيرهارين صحيحة، والنصف مغناطيسية موجودة في مكان ما في الكون -وإذا كانت تلك النصف مغناطيسية المظلمة تتفاعل مثل افتراض ديراك- فستترك بصمتها في مسارات الإلكترونات.

وقال تيرنينج إنه في حالة وجود مغناطيسات أحادية القطب، فإن فوتونات مظلمة يمكن أن تتحول إلى فوتونات عادية تنبعث قبل أن تمتصها الإلكترونات.

سيؤدي هذا التفاعل إلى دوران الإلكترونات أو تغيير مسارها قليلاً، ما ينتج عنه نمط تداخل يسمى تأثير Aharonov-Bohm. ليست الإلكترونات مجرد جسيمات، بل هي أيضًا موجات. يقترح تيرنينج وفيرهارين أنهما قد يقدران على اكتشاف هذا التغيير الطفيف للغاية في أنماط التداخل الإلكتروني باستخدام المجاهر الإلكترونية.

تأخذ طاقتها من الشمس

إذا كانت المادة المظلمة موجودة، فهي فينا وحولنا -بما في ذلك داخل أي مجهر إلكتروني نستخدمه لاكتشافها-، لكن للكشف عن المادة المظلمة من خلال تأثيرها على الإلكترونات المشار إليها سابقًا، فإن نصف المغناطيس المزعوم الذي يشكل المادة المظلمة يحتاج إلى مجال مغناطيسي قوي بما فيه الكفاية؛ أي إلى الكثير من الطاقة.

قال تيرنينج إن المغناطيسات المظلمة أحادية القطب المفترضة تكتسب هذه الطاقة عندما تمر بالقرب من الشمس في طريقها إلى الأرض. ويتوقع أن حوالي خمسة من هذه المغناطيسات عالية الطاقة تمر بشيء بحجم المجهر الإلكتروني المقترح. وأضاف: «هذا ليس بالأمر السيء لأن كاشفات WIMP المعتادة ستكون سعيدة إذا حصلت على خمسة أحداث في السنة».

بالرغم من ذلك فإن تأثير المغناطيسات المظلمة سيكون ضئيلًا للغاية على الإلكترونات، وحتى نتمكن من اكتشافه، نحتاج إلى مجهر عالي الدقة، أي أدق بأكثر من خمس مرات من المجاهر الموجودة حاليًا.

وأمل تيرنينج أن تستحوذ فكرته على اهتمام أصحاب المجاهر الإلكترونية الحديثة للغاية، أو سيضطر إلى بناء المجهر المناسب بنفسه. وختم تيرينتج إن النظريات المتنافسة للمادة المظلمة ستخبرنا قصصًا مختلفة تمامًا عن كيفية نشوء الكون المبكر. ما هو أكثر من ذلك، بمجرد معرفة كيفية تكون المادة المظلمة، يمكن تخيل إنشاء مصانع للمادة المظلمة هنا على الأرض.

نشر هذا البحث في مجلة: arXiv. ولما يتعرض لمراجعة الأقران بعد.

اقرأ أيضًا:

المادة المظلمة – الأحجية الكونية التي حيرت العلماء

الزجاج الفائق قد يكون أحد أحدث حالات المادة المكتشفة

ترجمة: أسامة أبو إبراهيم

تدقيق: سلمى توفيق

المصدر