أفادت دراسة جديدة شملت مشاركين من 13 دولة أن حوالي 10% من الأشخاص أبلغوا عن «تجارب الاقتراب من المَوت» مثل إحساس الخروج من الجسد. على الرغم من أن السبب الدقيق لهذه التجارب ما يزال لغزًا محيرًا، يقول مجرو الدراسة إن هذه الظاهرة قد تكون مرتبطة بشذوذات محددة خلال النوم. تقترح نتائج الدراسة أنه قد يكون هناك صلة بين تجارب الاقتراب من الموت واضطرابات نوم حركة العين السريعة REM، وهي مرحلة من دورة النوم التي يكون فيها الحلم شديد النشاط وعادة ما يكون الشخص مشلولًا.

وجد الباحثون أن تجارب الاقتراب من الموت كانت أكثر تكرارًا لدى الأشخاص الذين أبلغوا أيضًا عن أعراض اضطرابات نوم (REM)، مثل شلل النوم (عندما يشعر الشخص بأنه واعٍ ولكنه لا يستطيع التحرك) أو الهلوسة قبل النوم مباشرة.

إحدى الفرضيات هي أن أدمغة الأشخاص الذين مرّوا بهذه التجارب قد تخلط بين نوعين من حالات الوعي: الاستيقاظ والحلم، وفقًا لما قاله باحث غير مشارك في الدراسة الجديدة.

ومع ذلك أظهرت الدراسة الجديدة وجود ارتباط فقط ولم تثبت أنه يمكن لهذه الاضطرابات -التي يشير إليها الباحثون باسم «تطفل نوم REM على اليقظة»- أن تسبب تجارب الاقتراب من الموت.

وقال مجري الدراسة الدكتور دانييل كوندزيلا (Daniel Kondziella) المتخصص في طب الأعصاب بجامعة كوبنهاجن: «تحديد الآليات الفزيولوجية الكامنة وراء تطفل نوم REM على اليقظة قد يعزز فهمنا لتجارب الاقتراب من المَوت».

قُدمت الدراسة يوم السبت (29 يونيو/حزيران 2019) في مؤتمر الأكاديمية الأوروبية لطب الأعصاب في أوسلو – النرويج. كما نُشرت على موقع bioRxiv. ولم تُنشر بعد في مجلة خاضعة لمراجعة الأقران.

تجارب روحية

تعود تقارير تجارب الاقتراب من الموت إلى قرون مضت، ولكن لم يكن واضحًا تمامًا مدى شيوع هذه التجارب لدى عامة السكان.

في الدراسة الجديدة، حلل الباحثون بيانات 1034 شخصًا من 35 دولة، اختيروا باستخدام منصة التعهيد الجماعي عبر الإنترنت تسمى Prolific Academic، والتي تَدفَع للناس للمشاركة في الأبحاث.

سُئل المشاركون عما إذا كانوا قد مرّوا بتجربة الاقتراب من المَوتأ م لا، وأعطي أولئك الذين قالوا نعم استطلاعًا مكونًا من 16 سؤالًا صُمم لتحديد وتوصيف تجاربهم في مجال الاقتراب من المَوت.

بالمجمل أبلغ 289 شخصًا عن تجربة الاقتراب من المَوت، واعتبر 106 منهم أنهم مرّوا بتجربة «حقيقية» للاقتراب من الموت على أساس ردودهم على الاستطلاع.

كانت الأعراض الأكثر شيوعًا التي أُبلغ عنها أثناء تجربة الاقتراب من الموت هي الإدراك غير الطبيعي للوقت وسرعة التفكير الفائقة والأحاسيس القوية بشكل استثنائي والشعور بالخروج من أجسادهم.

قال حوالي نصف أولئك الذين أبلغوا عن تجربة «حقيقية» للاقتراب من الموت إن التجربة حدثت خلال موقف يهدد الحياة مثل حادث سيارة أو الغرق. لكن النصف الآخر قال إن التجربة حدثت خلال موقف لا يهدد الحياة، مثل الولادة أو الحزن الشديد أو القلق.

ذكرت إحدى النساء إنه أثناء الولادة: «شعرت كأنني متّ للتو وذهبت إلى الجنة. سمعت أصواتًا وكنت متأكدةً من أنني لن أعود إلى الحياة. كان الأمر غريبًا. لم أتمكن من التحكم في جسدي».

وقال مشارك آخر أبلغ عن حادثة غرق: «لقد شعرت وكأن روحي تُسحب من جسدي. كنت أطفو ورُفِعْت في الهواء».

هل يوجد تفسير علمي لظاهرة الاقتراب من الموت ؟

بالإضافة إلى ذلك، أبلغ 47% من الأشخاص الذين أبلغوا عن تجارب حقيقية للاقتراب من الموت أيضًا عن أعراض تطفل نوم REM (مثل شلل النوم أو الهلوسة قبل النوم مباشرة أو بعد الاستيقاظ مباشرة)، مقارنة بـ 14% فقط من الأشخاص الذين لم يمرّوا بتجارب الاقتراب من الموت.

يقول الباحثون إنه بالنظر إلى الصلة بين تجارب الاقتراب من المَوت وتطفل نوم REM، فيمكن لبعض تجارب الاقتراب من المَوت أن تعكس بداية مفاجئة لخصائص شبيهة بنوم REM في المخ.

بمعنى آخر، قد يكون لدى الأشخاص الذين مرّوا بتجارب الاقتراب من المَوت «نوع مختلف من عمل الدماغ يخلط بين الاستيقاظ ونشاط REM (مثل الأحلام)»، وذلك وفق ما قال الدكتور كيفن نيلسون (Kevin Nelson)، أستاذ علم الأعصاب بجامعة كنتاكي والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة ولكنه بحث أيضًا في العلاقة بين تجارب الاقتراب من المَوت وتطفل نوم REM. «إن هذا الخلط قد يكون رد فعل المخ أثناء حالة الاقتراب من المَوت ».

ومع ذلك، ما يزال سبب تجارب الاقتراب من الموت غير معروف بالضبط ومثيرًا للجدل. تشير بعض الدراسات إلى أنها قد تكون ناجمة عن حَسَكَة spike [موجة كهربائية سريعة تشاهد أحيانًا في مخطط كهربية الدماغ] في النشاط الكهربائي في دماغ شخص متوفى. تشير دراسات أخرى إلى أن نقص الأكسجين قد يلعب دورًا.

ويقول بعض الباحثين إنه قد يكون هناك الكثير مما لا يستطيع العلم شرحه في الوقت الحالي. على سبيل المثال، وجدت دراسة نُشِرَت في عام 2014 في مجلة Resuscitation أن حوالي 2% من الأشخاص الذين عانوا من السكتة القلبية يمكنهم أن يتذكروا الأحداث التي تدور حولهم في الوقت الذي توقف فيه قلبهم، عندما لم يكن يجب أن يكون لديهم أي نشاط دماغي يمكن قياسه؛ وتحقق الطاقم الطبي من هذه الادعاءات.

كان الدكتور سام بارنيا (Sam Parnia) مدير أبحاث الرعاية الحرجة والإنعاش في جامعة نيويورك والباحث الرئيسي في دراسة عام 2014، متشككًا في نتائج الدراسة الجديدة. لاحظ بارنيا أن التعريف الأصلي لتجربة الاقتراب من الموت مرتبط بتجارب الأشخاص المصابين بأمراض خطيرة، وهي ما لم تنطبق على الكثير من المشاركين في الدراسة.

وقال بارنيا لموقع «لايف ساينس»: «يمكن للناس أن يمرّوا بتجارب لها ميزات مشابهة لتجارب الاقتراب من المَوت -مثل نوع من التجارب الروحانية- لكن تلك ليست تجارب الاقتراب من المَوت ».

علاوةً على ذلك، أكد بارنيا على أن الرابط الموجود في الدراسة الحالية لا يثبت السبب والنتيجة. على سبيل المثال، قد تكون كل من اضطرابات نوم REM وتجارب الاقتراب من الموت أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين يعانون من حالات طبية معينة مثل أمراض القلب؛ لكن القائمين على الدراسة عند تحليلهم للنتائج لم يأخذوا بعين الاعتبار الشروط الأساسية.

أخيرًا، لا تفسر النتائج سبب قدرة بعض الأشخاص على تذكر تجارب الاقتراب من الموت في وقت توقفت فيه عقولهم عن العمل أثناء توقف القلب.

وقال بارنيا: «يدل ذلك على وجود الوعي حتى عندما لا يعمل الدماغ، وهذه مفارقة». وأضاف: «ومع ذلك، حتى لو كان هناك تفسير بيولوجي لتجارب الاقتراب من المَوت ، فإنه لا يقوض تأثيرها الروحي.»

وكتب نيلسون في مقال نُشِرَ عام 2015 في مجلة Missouri Medicine: «يجب على الأطباء الترحيب بتجارب الاقتراب من المَوت مع إعادة طمأنة غير نقدية، ما يوفر ملاذًا آمنًا للمرضى الذين لديهم تجارب غالبًا ما تجلب المشاعر والذكريات الغامرة».

اقرأ أيضًا:

هل يمكن للعلم أن يشرح تجارب الاقتراب من الموت؟

تناول عقار DMT يحاكي تجربة الاقتراب من الموت في الدماغ

تجربة الاقتراب من الموت يفسرها العلم

المصدر

تدقيق: عون حداد