خلال فترات الشتاء، تُفضل بعض السلاحف النهاشة (SNAPPING TURTLES) السبات في البرك والبحيرات، مختبئةً بأمان تحت طبقة رقيقة من الجليد، ويمكن لزواحف المياه العذبة هذه من العيش دون أكسجين حتى ستة أشهر. ويبدو أن كيفية تأقلم أجسامها مع هذه الحالة تعتمد على الطريقة التي صُممت بها كما اتضح. كشف بحث جديد أنه عندما تتعرض أجنة السلاحف لمستويات منخفضة من الأكسجين فهي تُبرمج قلوبها لتصبح أكثر مرونة في مثل هذه الظروف لبقية حياتها.

يبدو أن هذه المخلوقات المثيرة للدهشة مصممة للحياة في وسط مائي ناقص الأكسجة منذ اللحظات الأولى لوجودها. يمكن لأجنتها التي تتطور ضمن أعشاش في أماكن عميقة تحت سطح الماء أن توجد أحيانًا ضمن وسط تبلغ نسبة الأكسجين فيه 11%، وهذا يمكن أن يؤدي لتغيير بنية قلوبها ووظيفتها بشكل دائم.

يقول عالم بيولوجيا القلب إيلان رور (Ilan Ruhr) الذي يعمل في جامعة مانشستر: «نشعر بالإثارة لكوننا أول من أظهر إمكانية تغير درجة التحمل التي تملكها السلاحف في مواجهة الأوساط منخفضة الأكسجين عند تعرضها الباكر لنقص الأكسجة في مراحل تطورها».

يعتمد العيش دون أكسجين في شروط نقص الأكسجة على قدرة القلب على الاستمرار بإيصال المغذيات وطرح الفضلات؛ عندما يعاني البشر من نوبة قلبية تتضرر قلوبهم عادةً بسبب نقص الأكسجة الحاصل، ويحدث ذات الشيء خلال عمليات زرع القلب، ورغم ذلك يمكن للزواحف مثل السلاحف والقواطير (Alligator) -فصيلة من الزواحف تشبه التماسيح- أن تقاوم هذه الأوساط القاسية وتحافظ على عمليات الأيض ووظيفة العضلات.

درس الباحثون مجموعة من السلاحف النهاشة اليافعة من نوع شائع يُدعى (Chelydra serpentine) لاكتشاف ما يحدث على المستوى الخلوي. نمت نصف هذه السلاحف في ظروف أكسجة طبيعية بوجود أكسجين بنسبة 21%، والنصف الآخر نما في وسط تبلغ نسبة الأكسجين فيه 10%.

عُزلت خلايا عضلية من القلب، ثم عُرّضت إلى ظروف أكسجة منخفضة، ما سمح للفريق بقياس التغيرات في مستوى الحموضة pH والكالسيوم داخل الخلوي (الذي يساعد على تقبض عضلات القلب)، ومواد كيميائية تدعى الأصناف الأكسجينية التفاعلية (reactive oxygen species ROS).

وحتى عندما أُعيد تقديم الأكسجين (الأمر الذي يسبب ضررًا شديدًا في نسج الثدييات) أظهرت خلايا القلب أذية بسيطة وحسب.

تقترح النتائج أن نسبة الأكسجين المرافقة لعملية التطور هي إشارة بيئية لتفعيل أو كبح بعض الجينات، ما يسمح لقلوب السلاحف أن تحتمل العيش دون أكسجين حتى لو وصلت نسبة الأكسجة إلى الصفر.

إن التعرض الباكر لا ينقص فقط مقدار تشكل ROS (وهي جزيئات يمكن أن تصبح سامة عندما تعود الأكسجة للنسج بسرعة)؛ بل يمكن أيضًا أن تحمي النسيج العضلي القلبي من الأذية، ما يسمح بانقباضها بشكل طبيعي حتى عند الغياب الكامل للأكسجين.

يقول مؤلفو الدراسة: «بالمجمل، تقترح النتائج أن نقص الأكسجة خلال التطور يؤدي لتغيير السبل التي تشترك في التحكم باصطناع ROS ما قد يؤدي لحماية القلب من التعرض للشدة المسببة بالمؤكسدات».

يومًا ما؛ يأمل الباحثون أن هذه المعرفة يمكن أن تستخدم للحفاظ على قلب الإنسان حيًا وبحالة جيدة تحت ظروف الأكسجة الصعبة. وكمثال على ذلك؛ يمكن في المستقبل أن يُصنع عقار قادر على تفعيل نفس الآليات وحماية قلب الإنسان من نقص الأكسجين.

تقول عالمة الفيزيولوجيا المقارنة في جامعة مانشستر غنى غالي (Gina Galli): «إن خلايا القلب عند السلاحف والبشر متشابهة تشريحيًا بشكل كبير، لذا إذا استطعنا أن نفهم العوامل التي سمحت لهم العيش دون أكسجين ، نأمل أن نكون قادرين على تطبيق ذلك ضمن المجال الطبي».

اقرأ أيضًا:

هل تؤثر الجاذبية الصغرى على نمو البكتيريا؟

يحدث تحول هائل في السلوك الحيواني، وهذا خطؤنا

الكثير من الرئيسيات مهددة بالانقراض ، فماذا نحن صانعون ؟

هل ب امكاننا التنبؤ ب التغير التطوري على المستوى الجزيئي ؟

ترجمة: محمد ياسر جوهرة

تدقيق: علي جابر قاسم

المصدر