هل تزيد الإباضة من الرغبة الجنسية لدى المرأة ؟ هذا سؤال مثير للجدل، وقد أثار جدلًا لمدة نصف قرن على الأقل. عندما طُرح مقرر في السلوك الجنسي للإنسان للتدريس في سبعينيات القرن العشرين، تبنى العديد من علماء الاجتماع وجهة نظر القائمة الفارغة (Blank Slate)، ومفادها أن البيولوجيا لا علاقة لها بالسلوك الجنسي البشري. وقد أعلن عالما الاجتماع وليام سيمون William Simon وجون غانيون John Gagnon بصوت عالٍ وبفخر، أن السلوك الجنسي هو نَص مُتعَلّم «يُحَدد تاريخيًا وثقافيًا بشكلٍ كلي»، ورفض سيمون وغانيون ما اعتبراه «الافتراض غير المثبت» بأن الدوافع الجنسية هي سمات بيولوجية ثابتة.

من وجهة نظر تطورية، سيكون من الصعب تخيل قوى الانتقاء الطبيعي التي كانت ستقود أي كائن حي إلى فصل البيولوجيا تمامًا عن التكاثر، وإلى جانب المشكلات النظرية، ماذا عن كل تلك الهرمونات –مثل هرمون التستوستيرون والإستروجين– التي ثبت أنها مهمة للغاية في التأثير على السلوك الجنسي للحيوان، وما زالت تتجول بانتظام وبوفرة عبر الأوعية الدموية للبشر؟ ولماذا تنتج أجسامنا كل تلك الهرمونات إن لم يكن لها أي تأثير؟

كان هناك اعتقاد مترابط في الفترة الماضية أن العديد من الثدييات الأخرى ركزت أنشطتها الجنسية خلال فترة الإباضة، إلا أن الرغبة الجنسية للإنسان تنفصل تمامًا عن الدورة الشهرية للإناث، إذ أشار الذين قدموا هذه الحجة إلى أن البشر لديهم علاقات جنسية طوال مدة الدورة الشهرية للإناث، ليس فقط أثناء الإباضة، ولكن أيضًا أثناء الحيض، عندما لا يُمكن أن يَنتج حمل عن العلاقة.

لكن لمجرد أن الناس يمارسون الجنس طوال الدورة الشهرية، فهل هذا يعني أن الاختلافات الهرمونية ليس لها أي تأثير على السلوك الجنسي البشري؟

من المحتمل وجود مزايا تكيُّفية للتقبُّل الجنسي المستمر في تعزيز الروابط الأبوية التي كانت مهمة للتطور البشري: فأطفال البشر عاجزون، ومحتاجون على نحو استثنائي، وفي ظل الظروف التي يواجهها أسلافنا الصيادون-الجامعون our hunter-gatherer ancestors، وجد علماء الأنثروبولوجيا أن وجود مساهمات الأب بشكل كبير يزيد من احتمالات بقاء النسل.

لكن كل هذا لا يوضح ما إذا كانت هناك تأثيرات متباينة للاختلافات الهرمونية على الرغبة الجنسية لدى البشر. وعلى الرغم من ممارسة الجنس بشكل متقطع طوال الدورة، تزيد النساء من اهتمامهن ونشاطهن الجنسي خلال فترة الإباضة، ما يزيد من احتمالات الحمل. إذا كان الأمر كذلك، فسيكون من المهم معرفته، لأنه يوحي بالتأثيرات البيولوجية التي لا تخضع لسيطرة واعية (معظم النساء لا يعرفن متى تتم الإباضة).

تصبح الصورة هنا أكثر تعقيدًا؛ لأن بعض علماء النفس التطوريين، بمن فيهم ستيف جانجستاد Steve Gangestad ومارتي هاسيلتون Martie Haselton وزملاؤهم، قدموا أدلةً على أن النساء قد لا يُزدن من رغبتهن الجنسية أثناء الإباضة فحسب، بل قد يوجهن أحيانًا تلك الرغبات نحو رجال غير شركائهن الحاليين. يفترض العلماء أن هذا الأمر يُعتبر صحيحًا، بشكل خاص بالنسبة لدى لنساء اللواتي لا يكون شركاؤهن الحاليون جذابين جسديًا، أو مهيمنين، أو مفتولي العضلات «هذه الصفات تُعتبر علامات على جينات جيدة، بأسلوب الطاووس».

وكطاووس صحي، يتمتع ذكور البشر الأكثر جاذبيةً بفرص جنسية أكثر من منافسيهم الأقل جاذبية، وبالنسبة لهؤلاء السيدات الجذابات للغاية، يمكن أن يكون هناك، من منظور تطوري، مزايا تكيفية إلى تكريس طاقاتهن لجذب زملائهن الجدد، بدلًا من الاستثمار في النسل. وتقترح هذه الحجّة أن بعض الإناث قد يمارسن استراتيجيةً مزدوجة، إذ يستخرجن الموارد من ذكر أقل جاذبية، بينما تربّي في الواقع نسل أحد الزملاء الأكثر جاذبية على حسب نموذج الطاووس.

النتائج التي تدعم هذه النظرية مثيرة للجدل، ففي الاجتماعات الأخيرة لجمعية السلوك الإنساني والتطور، تبادل الأساتذة جانجستاد وهاسيلتون كلمات ساخنة مع لارس بينكي Lars Penke، أحد مؤلفي ورقة بحثية، تزعم أن النتائج التي تدعم نظرية الاستراتيجية المزدوجة لم تتكرر، فيدعي جانجستاد وهاسيلتون العكس من ذلك، وهو أن التحليل العادل للأدلة الموجودة، يوحي ببعض الدعم على الأقل.

ولكن الأهم من ذلك والأقل إثارةً للجدل، هو حديث آخر في الجلسة نفسها، لعالم النفس من جامعة كاليفورنيا – سانتا باربرا، جيم روني Jim Roney، إذ قدم نتائجَ قويةً ومتكررةً للغاية لجزء آخر من الحجة ضد النظرية الاجتماعية البنائية الكلاسيكية للجِنْسَانِيَّة، والتي أزيلت من علم البيولوجيا.

وسواء كانت النساء أكثر اهتمامًا بممارسة الجنس مع غرباء جذابين أثناء الإباضة أم لا، فإن النساء في مرحلة الإباضة يزدن من رغبتهن الجنسية بشكل واضح، ويزدن من تكرار ممارسة الجنس مع شركائهن الحاليين.

يعرض الشكل نتائج بحث نُشر مؤخرًا، درس فيه المؤلفون أكثر من 26,000 بند من يوميات أكثر من 1,000 امرأة، يُقدمن تقاريرًا عن مؤشرات مختلفة عن اهتمامهن الجنسي بشريكهن، وبرجال آخرين. بعض من شاركن في هذه الدراسة يستعملن حبوب منع الحمل بشكل منتظم، ولا يخضعن للدورات الطبيعية للهرمونات، في حين أن الأخريات يخضعن لدورات طبيعية.

يصور المحور X يوم الدورة الشهرية للمرأة، والخط الأحمر في المركز هو يوم الإباضة المقدر (الخطوط المتقطعة تصور أيام زيادة الخصوبة). يظهر شيئان في الشكل: الأول: تشير المرأة عمومًا إلى اهتمام أكبر بكثير بشريكها الحالي أكثر من الرجال الآخرين. والثاني: تُظهر النساء اللاتي يخضعن لدورات طبيعية (الخطوط الحمراء) ذروة الاهتمام بكل من شركائهن الحاليين، وفي الرجال الآخرين خلال الأيام التي يكنّ فيها أكثر عرضة للخصوبة.

تُظهر النساء المداومات على حبوب منع الحمل –كما يتوقع المرء– مسارات مسطحةً نسبيًا من الاهتمام الجنسي على دوراتهن (الخطوط السوداء). تأتي هذه البيانات من ورقة نشرت مؤخرًا عبر الإنترنت في مجلة «الشخصية وعلم النفس الاجتماعي»، أعدها روبن أرسلان Ruben Arslan، وكاترينا شيلينغ Katherina Schilling، وتانيا جيرلاخ Tanja Gerlach، ولارس بينكه Lars Penke.

لذلك نعم، تزيد النساء من رغبتهن الجنسية أثناء الإباضة. ونعم، هذا أمر مهم لأن معظم النساء لا يعرفن متى تتم الإباضة، فعندما تضاف هذه النتائج إلى الأدلة التي تشير إلى أن الرجال يبدون اهتمامًا متزايدًا بالنساء اللاتي يخضعن للإباضة، والنتائج الأخرى التي تبين تأثير هرمون التستوستيرون في الرغبة الجنسية في كلا الجنسين، فمن الواضح أن النسخ المتطرفة لنظرية القائمة الفارغة للعلماء المناصرين للآراء البنائية الاجتماعية حول الجنسانية البشرية، مثل غاغنون ونظرية النص لسيمون، باتت خاطئة.

اقرأ أيضًا:

ما هي عملية الإباضة؟

انقطاع الحيض: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

كيف يمكن لألعاب الفيديو أن تؤثّر على الرغبة الجنسية والقذف عند الرجل؟

كيف يؤثر هرمون الكيسبيبتين على الرغبة الجنسية لدى الرجال؟

ترجمة: إياد رشيد الشاعر

تدقيق: عبد الرحمن عبد

المصدر