كيف أكد الكسوف الكلي للشمس صحة نظرية آينشتاين قبل مئة سنة؟ في أعقاب الحرب العالمية الأولى قبل مئة عام، شاهد فلكي بريطاني كسوفًا للشمس باحثًا عن علامات على صحة نظرية فيزيائي ألماني بشأن اعوجاجات في نسيج الكون. هذه الأفكار الجريئة أتت من عالم ألماني يدعى آلبرت آينشتاين والذي ترادف كنيته كلمة عبقري. لكن مجرد اسمه لم يعن على الدوام اعتباره كذلك: شك الناس في واقعية نظرياته وأخذوا على عاتقهم مهمة التحقق من صحتها عن طريق إجراء تجربة خاصة أثناء كسوف للشمس، ما نصّب آينشتاين أسطورة في الفيزياء.

صورة سلبية لكسوف كلي للشمس سنة 1919 مأخوذة من جزيرة برينسيبي، يظهر في الصورة موضع النجوم التي اختُبرت في نظرية آينشتاين للجاذبية.

كما قد يتبادر إلى الذهن، كسوف الشمس معجز بحق: كل عدة أعوام، كما نرى من كوكبنا، يحجب القمر قرص الشمس تمامًا. كما بينت الصور الملتقطة بواسطة المركبة Curiosity لناسا في مارس 2019 أن كواكب مثل المريخ ليس لها نفس حظ الأرض، حتى بوجود قمرين للمريخ. فقمر الأرض له موقع وحجم مميزان يجعلانه يبدو بحجم الشمس بالضبط إذا ما نُظر إليه من الأرض.

رصدت مركبة Curiosity الخاصة بناسا قمر المريخ فوبوس وهو يمر من أمام الشمس ملقيًا بظله على سطح المريخ في 26 مارس 2019.

إلى جانب كونه مشهدًا رائعًا، يوفر الكسوف الشمسي فرصًا لإجراء أنواع مختلفة من الأبحاث، مثل دراسة الهالة الشمسية (الغلاف الجوي الخارجي للشمس) أو استجابات الطبيعة للضوء الخافت. في عام 1919 ، شرع آرثر إدينجتون وفريقه البحثي في البحث عن علامات تدل على أن جاذبية الأجسام الضخمة يمكن أن تحني الضوء، ما يثبت صحة نظرية آينشتاين ويطور الفيزياء النظرية لتتجاوز الميكانيكا الكلاسيكية لإسحاق نيوتن.

إذا كان من الممكن حرف ضوء النجوم الواصل إلينا من الماضي بواسطة كتلة الشمس الهائلة، فستظهر النجوم في مواقع مختلفة قليلًا عند مشاهدتها من الأرض بعد مرور ضوئها بالشمس. لكن عندما تكون الشمس في السماء، يكون من الصعب جدًا رؤية النجوم القريبة نتيجة للتوهج الشديد للشمس، ما عدا أثناء الكسوف.

في 29 مايو 1919، تابع إدينغتون كسوفًا طويلًا للشمس من برينسيبي، وهي جزيرة تقع قبالة ساحل غرب إفريقيا. بالتزامن مع ذلك، أخذ علماء الفلك ملحوظات من مدينة سوبرال البرازيلية.

استخدم الفريق أدوات قابلة للنقل لتسجيل موضع نجوم (مجموعة القلائص-Hyades) التي تشكل وجه الثور في كوكبة برج الثور في السماء، وقارنوا مشاهداتهم مع ملحوظات إدينغتون السابقة حول مكان وجود النجوم عادة عند مشاهدتها في الليل.

في أكثر الحالات وضوحا، ستظهر النتائج انحرافًا أقصى في ضوء النجوم «مساويًا لربع الزاوية المحصورة عند النظر إليه على بعد ميلين» ، حسب ما ذكر رون كوين في كتابه الجديد «Gravity’s Century» (مطبعة جامعة هارفارد ، 2019) .

كان إدينجتون خلاقًا فيما يتعلق بالأجهزة الخاصة بالتجربة.

وفقًا لبريد إلكتروني أرسل إلى Space.com من (كوين-Cowen): «استعملت البعثة ما يسمى Coelostats، وهي مرايا صُممت خصيصًا لمراقبة الشمس، لعكس الضوء على عدسات التلسكوب.

كان هناك احتياج للمرايا لأن التلسكوبات -اختصارًا للسفر- لم تكن تحتوي على أجزاء ميكانيكية تحرك أو تُدور الأنابيب الصلبة التي تحتوي على العدسات.عادة ما يكون في التلسكوبات جهاز ميكانيكي يحافظ على تسليط التليسكوب باتجاه هدف معين أثناء دوران الأرض. إذا كان التلسكوب غير مُمكّن من الدوران، فإن النجوم تكون في حركة أمام عدسة التصوير، ما يُظهر خطوطًا بدلًا من صورة واضحة».

وأضاف كوين: «بدلًا من نقل التلسكوب بكامله للحفاظ على توجيهه نحو عنقود القلائص والكسوف الشمسي، يحرك جهاز صغير المرايا لتثبيت الصورة في التلسكوب أثناء دوران الأرض».

عندما ظهرت النتائج، وجد العلماء أن ضوء مجموعة القلائص انحرف بالفعل عندما مر بالشمس في طريقه إلى الأرض. كان آينشتاين قد فكر في هذه الاحتمالية «إن جاذبية جسم ذي كتلة معتبرة بإمكانها أن تحني الضوء».

عند جمع المعادلات الرياضية والتجارب النظرية (تلك التي أُجريت في المخيلة) نجد أن الضوء يبدو بسرعة ثابتة لمجموعة المشاهدين الذين يسافرون بسرعات متماثلة. تلك هي نظرية النسبية الخاصة.

عندما بدأ آينشتاين بالتفكر في كيف ستبدو سرعة الضوء لمشاهد يتحرك حركة متسارعة، أدرك أن الزمان والمكان منسوجين في نسيج واحد، وأن الجاذبية هي جزء من هذا النسيج.

تشبه الجاذبية الهبوط الحادث في سطح ترامبولين (الزمكان) عندما تتدحرج كرة (جسم ضخم) عليه. فبينما تسير الكرة في خط مستقيم، يتغير مسار الهبوط.

واجه حياد إدينغتون انتقادات واسعة بعدما رفض الانخراط في القتال في الحرب العالمية الأولى. زعم البعض أنه كان متحيزًا بسبب دعمه لآينشتاين – العالم الألماني- لرؤيته أنه يعارض التوجهات القومية ويتبنى الإنسانية.

يجادل كوين بأن معتقدات إدينغتون الدينية -كان من الكويكز، وهي مجموعة بروتستانتية- سوّغت دعمه للأطروحات العلمية الجريئة لآينشتاين. من ناحية أخرى، يجادل المؤلف والفيزيائي دانييل كينيفيك بأن معتقدات إدينغتون كانت ثانوية مقارنة بالعلم الذي آمن بصحته.

وفقًا لبريد إلكتروني أرسله كينيفيك إلى Space.com: «لم يعد تفسير المتغيرات في قانون الجاذبية لنيوتن يسيرًا، في ضوء اكتشافات نظرية النسبية الخاصة» ، وأضاف أن كتلة الشمس مهمة لاختبار انحراف الضوء. ووفقًا لنيوتن، فإن معرفة سرعة الشمس خلال المجرة كانت ضرورية لتحديد كتلتها.

لكن نظرية النسبية العامة لآينشتاين في العام 1915 عرضت نظرة أبسط: «حركة الشمس من خلال المجرة لا تهم لأننا نسير جنبًا إلى جنب مع الشمس في تلك الحركة». فتح ذلك باب التجارب، مثل رصد إدينغتون البارز لانحناء الضوء.

اقرأ أيضًا:

محاولة الفيزيائيين الكشف عن الرياح الشمسية

كيفية تصوير الكسوف الشمسي دون الإضرار بالكاميرا

ترجمة: أحمد جمال

تدقيق: عون حداد

المصدر