لماذا يكره البعض تلقي المجاملات؟ كيف يؤثر تقدير الذات في قدرتنا على تلقي المديح ؟ يحب معظم الناس تلقي المديح، ولكن بعض الناس يتخذون موقفًا معاديًا عند سماعهم للمجاملات، والبعض الآخر يكره ذلك بكل ما في الكلمة من معنى. ما الذي يحدد ما إذا كان الشخص يستمتع بتلقي المجاملات أو يتوتر ويصبح فظًا عند أي إشارة تدل على رد فعل إيجابي؟

المجاملات وتقدير الذات

في أغلب الأحيان، تكون درجة استقبالنا للمجاملات انعكاسًا لتقديرنا لذاتنا ومشاعرنا العميقة بقيمتنا. تجعل المجاملات تحديدًا الناس ذوي تقدير الذات المتدني يشعرون بعدم الراحة لأنها تناقض رؤيتهم الخاصة لأنفسهم.

يسعى الناس بشكل مستمر لتأكيد رؤيتهم الذاتية لأنفسهم، إيجابية كانت أم سلبية. على سبيل المثال، في أحد الدراسات، أظهر الطلاب الجامعيون ذوي تقدير الذات المتدني تفضيلًا شخصيًا للمحافظة على شريك سكنهم الحالي عندما كان ذلك الشخص يراهم بشكل سلبي، أكثر من الذين فضلوا شركاء سكن رأوهم بشكل أكثر إيجابية.

بمعنى آخر، يتسبب تلقي المديح من الآخرين عندما نشعر بالسلبية تجاه أنفسنا بعدم راحتنا لأنه يتضارب مع قناعاتنا الحالية. إن آمنا بكوننا حقًا أناس غير مرغوب بنا، فإن سماع المجاملات عن مدى جاذبيتنا سيخلق شعورًا صادمًا وغير صادق.

إن آمنا بأننا غير أذكياء، فإن أجزل شخص المديح حول قدر ذكائنا سيجعلنا نشعر وكأن ذلك أشبه بالتهكم أو السخرية أكثر من كونه مجاملة. وإن كنا مقتنعين بعدم قدرتنا على النجاح، فإن تلقي المديح حول مدى قدرتنا قد يبدو وكأنه شرك أو فخ للحسرة وخيبة الأمل في المستقبل.

الصعوبة في الإطراء على شركاء في علاقة ذوي تقدير ذاتي متدنٍ لأنفسهم

المقاومة التي يمتلكها الأشخاص ذوي التقدير الذاتي المتدني لأنفسهم تجاه المجاملات قد تظهر خاصة عند تلقي المديح من شريكهم. وجدت أحد الدراسات أن مجاملة هولاء الأشخاص -كونهم حبيبًا أو حبيبة في علاقة يحظون فيها بالتقدير- كان كافيًا لإحساسهم بعدم الأمان مع شركائهم إلى درجة رؤيتهم للعلاقة كلها بسلبية أكثر.

مع الأخذ بالاعتبار أن المجاملة كانت بسيطة أو معتدلة، وبغض النظر ما إذا كان الشريك متفهمًا أم لا، فمن غير المنطقي أن يتضارب ذلك مع قناعاتهم الشخصية. علاوة على ذلك يعرفهم شركائهم جيدًا ويضعهم ذلك في المكانة المناسبة للتعليق على مهاراتهم العاطفية ضمن العلاقة. إذن ما السبب وراء ردة الفعل القوية من قبل شخص ذو تقدير متدني لذاته؟

الجواب هو أن أي شكل من أشكال المديح الذي يأتي من شركائهم قد يُشعر الأشخاص ذوي تقدير الذات المتدني بالضغط أو الحاجة للارتقاء أو المحافظة على التوقعات البارزة المُتضمنة في المديح. فيخشى ألا يتمكن من المحافظة على بذل جهوده وينتهي الأمر بخيبة أمل شريكه لأن مقدار إيمانه وثقته بالنفس أدناه. علاوةً على ذلك، يخاف من كون الحب والرعاية اللذان يقدمهما شريكه مشروطين، وأنه إذا فشل في تحقيق توقعات هذا الشريك فإنه سيبتعد عنه أو يترك العلاقة كلها.

لماذا نكره المجاملات الاضطرابات الداخلية والتوتر تلقي المديح رد فعل إيجابي لما نحن لا نستمتع بسماع المجاملات من الآخرين تقدير الذات

ونتيجةً لهذه الضغوطات الداخلية والتوتر المترافق معها، قد يميل الشخص ذو تقدير الذات المتدني لاستخدام الآليات الدفاعية (Defense Mechanisms) -وهي آليات دفاع نفسية تُستخدم من قبل الأنا للتعايش مع الاضطرابات الداخلية والتوتر، وأيضًا للمحافظة على الصورة المُكونة من قبل الشخص حول نفسه- عند سماعه للإطراء من قبل شريكه.

ما سيفعله المديح فقط هو تجميد نشاطه وجعله أكثر بعدًا وانسحابًا عن شريكه، بحيث يأمل تخييبه بفعل ذلك. للأسف، تستطيع ردات الفعل تلك دون قصد أن تُثير الاستجابة التي طالما امتلك خوف من تلقيها، بكون شريكه يميل بالتأكيد للشعور بالتوتر والانزعاج من محاولاته لتوفير الرد والدعم الإيجابي، وملاقاة هذه الجهود صراحة باللامبالاة والازدراء.

المجاملة والمجتمع الثقافي

يجب عدم المبالغة في تفسير الترابط أو العلاقة بين تقدير الذات المتدني والرفض أو المقاومة للإطراء. يشعر الناس ذوي تقدير الذات المتدني بعدم الراحة تجاه تلقي المجاملة ولكن ليس بالضرورة أن كل مَن يشعر بعدم الراحة عند تلقي المجاملة شخص لديه تقدير متدني لذاته.

للمديح مكون ثقافي وأيدولوجي كبير. على سبيل المثال، يوجد في بعض الثقافات تقبُل أكبر لمجاملة الأطفال مقارنة بالكبار وفي بعض الثقافات الأخرى هناك تقبُل أكبر للتعبير عن التقدير والدعم الإيجابي للبالغين. علاوةً على ذلك، قد يمتلك بعض الأشخاص ذوي تقدير عالٍ لذواتهم أيدولوجيةً أو توجهًا فكريًا تربط المجاملات فيه بالدلال أو التدليل لدرجة أنهم قد يواجه شعور المديح بمثابة مؤشر لهبوط في المستوى عوضًا عن التشجيع.

كيف يمكن أن تزداد درجة تقبل الناس للإطراءات؟

يمكن زيادة قابلية أو استقبال الشخص للإطراء حتى وإن كان تقديره لذاته متدنيًا. فقد وجدت أحد الدراسات أن طلب إعادة تشكيل المجاملة أو الإطراء للأشخاص ذوي تقدير الذات المتدني من شركائهم بعبارات مجردة ومناقشة ما كان يعني ذلك لهم وما أهمية ذلك لعلاقتهم، مكّنهم من تقبل الإطراء والإحساس أكثر بالإيجابية تجاه أنفسهم والعلاقة بينهم، كنتيجة لذلك.

وجدت دراسات أخرى أن التدخلات لزيادة تقدير الذات عند الشخص سبب خفضًا أو تقليلًا في المقاومة أو رفض المجاملات.

خلاصة القول هي: فكّر بالمُتلقي عندما تجامله وخُذ بعين الاعتبار كيف تجامل أحدهم وكيف تصيغ مفرداتك إن كنت تشكّ بكون تقديرهم لذاتهم متدني.

اقرأ أيضًا:

لماذا يكره بعض الناس طعم البيرة؟

هل تكره التمارين الرياضية ؟ قد يكون السبب في جيناتك

مشاركة التجارب الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي قد تمكنك من تذكرها في المستقبل

دراسة جديدة: لا تلوموا أطفالكم اذا كرهوا المدرسة، لوموا جيناتكم

الخوف من الندم يعيقك أكثر مما تظن وهكذا يمكنك التغلب عليه

الترجمة: إيلي عساف

التدقيق: مينا خلف

المصدر