اكتشاف حقل هيغز

حقل هيغز هو الحقل النظري الذي يتخلل الكون، طبقًا للنظرية التي نشرها عالم الفيزياء النظرية الاسكتلندي «بيتر هيغز-Peter Higgs» في عام 1964. اقترح “هيغز” ذلك المجال كتفسير محتمل لكيفية اكتساب الجسيمات الكونية الأساسية لكتلتها؛ لأن النموذج القياسي للجسميات الكمية والذي نُشرَ في 1960 لم يتمكن من إيجاد السبب وراء تواجد الكتلة نفسها. لذلك اقترح “هيغز” بأن ذلك المجال يوجد خلال الكون بأكمله وتكتسب تلك الجسيمات كتلها الخاصة عبر تفاعلها معه.

على الرغم من عدم وجود إثبات تجريبي للنظرية في البداية، أصبحت مع مرور الوقت يُنظر إليها باعتبارها التفسير الوحيد للكتلة فقد كان هذا التفسير متوافقًا بشكلٍ واسعٍ مع «النموذج القياسي للجسيمات- the Standard Model». وبالرغم من غرابتها، تم قبول آلية هيغز -كما يطلق أحيانًا على حقل هيغز- بشكل كبير من معظم الفيزيائيين إلى جانب بقية النموذج القياسي.

ما هو حقل هيغز كيف يكتسب الجسم كتلته الجسيمات الفيزيائية الفيزياء النظرية مصادم الهادرونات النموذج المعياري بوزونات هيغز بوزون

كانت إحدى نتائج النظرية أن حقل هيغز يمكن أن يتجلى كجسيمٍ، تمامًا مثل باقي المجالات في فيزياء الكم والتى يتم التعامل معها كجسيمات. تسمى تلك الجسيمات «بوزون هيغز- the Higgs boson»، وأصبح الكشف عن بوزونات هيغز هدفًا رئيسيًا من أهداف الفيزياء التجريبية، ولكن المشكلة أن النظرية لم تستطع التنبؤ فعليًا بكتلة بوزون هيغز.

إن قمت بجعل جسيمات تتصادم ببعضها في مسرع جسيمات باستخدام طاقةٍ مناسبة فإنك ستتمكن من الحصول على بوزون هيغز، لكن الفيزيائيين ليسوا واثقين من مقدار الطاقة الواجب استخدامها خلال التصادم وهذا بسبب عدم معرفتهم بمقدار الكتلة التي يبحثون عنها.

كانت إحدى الآمال المرجوة أن «مصادم الهادرونات العظيم-Large Hadron Collider (LHC)» في سيرن سيملك الطاقة المناسبة لتوليد بوزونات هيغز اختباريًا؛ إذ أنه يملك طاقة أكبر بكثير من أي مسرع جسيمات آخر. في 4 يوليو 2012 أعلن فيزيائيو مصادم الهادرونات الكبير بأنهم توصلوا إلى نتائج تتوافق مع بوزونات هيغز.

ما هو حقل هيغز كيف يكتسب الجسم كتلته الجسيمات الفيزيائية الفيزياء النظرية مصادم الهادرونات النموذج المعياري بوزونات هيغز بوزون

على الرغم من احتياج المزيد من الملاحظات لإثبات الأمر ولمعرفة الخصائص الفيزيائية لبوزونات هيغز، فإن الدليل على حقيقة النظرية قد أصبح أقوى، لدرجة أن جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2013 تم منحها لبيتر هيغز و«فرانسوا إنليجرت -Francois Englert». إذا استطاع الفيزيائيون تحديد الخصائص الفيزيائية لبوزونات هيغز، سيساعدهم ذلك على فهم الخصائص الفيزيائية لحقل هيغز نفسه.

واحد من أفضل التوضيحات لمجال هيغز كان ذلك الذي قاله «براين جرين-Brian Greene» فى حلقة التاسع من يوليو لبرنامج “PBS” لـ «تشارلي روز-Charlie Rose show»عندما ظهر على الشاشة مع عالم الفيزياء التجريبية «مايكل تفتس-Michael Tufts» لتوضيح اكتشاف بوزونات هيغز: «الكتلة هي المقاومة التي يُظهرها الجسم عند تغيير سرعته»

لنفترض أنك تمسك بكرة القاعدة «بيسبول» بين يديك، وعندما تقوم برميها فإن ذراعك تشعر بالمقاومة، تنطلق الكرة ثم تشعر أنت بتلك المقاومة. الأمر ذاته مع الجسيمات، من أين تأتي المقاومة ؟

اقترحت النظرية بأنه من المحتمل أن الفضاء ممتلىءٌ ب«شيءٍ» غير مرئي، «شيءٍ» غير مرئي يُشبه المولاس “الكراميل”، وعندما تحاول الجسيمات المرور خلال ذلك المولاس فإنها تتعرض للمقاومة، واللزوجة. تلك اللزوجة هي مصدر تواجد الكتلة، هي تُنشىء الكتلة. إنه «شيءٌ» مراوغٌ وغير مرئي، لا يمكنك رؤيته، عليك العثور على طريقةٍ لتتمكن من التوصل إليه.

وكبعض المقترحات والتي يبدو أنها بدأت تعطي ثمارها، تتمثل في أنه عند صدم بروتونين -جسيمات أخرى كبيرة نسبيًا- بسرعة عالية جدًا جدًا، كما يحدث في مصادم الهادرونات العظيم، إذا صدمت البروتونات بسرعة عالية قد يُحدث هذا في بعض الأحيان نفضًا وخلخلةً لنسيج المولاس، ويمكن أن تخرج فى بعض الأحيان أيضًا بعض النقاط الصغيرة من خلاله، هذه النقاط هي جسيمات هيغز. لذلك فقد بحث الناس كثيرًا عن تلك النقطة الصغيرة التي هي جسيم هيغز بوزون، والآن يبدو أنها وجدت».

ما هو حقل هيغز كيف يكتسب الجسم كتلته الجسيمات الفيزيائية الفيزياء النظرية مصادم الهادرونات النموذج المعياري بوزونات هيغز بوزون

مستقبل حقل هيغز

لو صدقت نتائج مصادم الهادرونات العظيم ونجحت، فإننا حينها سنحدد طبيعة مجال هيغز، وسنحصل أيضًا على صورةٍ أكثر اكتمالًا حول طبيعة تصرف فيزياء الكم في كوننا. سنتوصل تحديدًا إلى فهمٍ أفضل للكتلة، والذي بدوره سيمنحنا فهمًا أفضل للجاذبية. حاليًا، النموذج القياسي لفيزياء الكم لا يأخذ الجاذبية بعين الاعتبار (لكنه يشرح باقي القوى الأساسية بشكل كامل).

هذا الإرشاد التجريبي قد يساعد علماء الفيزياء النظرية على السير قُدمًا نحو النظرية الخاصة بالجاذبية الكمية المتعلقة بكوننا. وقد يساعد حتى علماء الفيزياء على فهم المادة الغامضة في كوننا والتي تسمى «الطاقة المظلمة- Dark Energy»، والتي لا يمكن رصدها إلا بالتأثير الجاذبي أو احتماليًا، قد يوفر فهمٌ أكبر لحقل الهيغز بعض الأفكار عن الجاذبية التنافرية الموضحة من قبل الطاقة المظلمة التي تبدو كأنها تتغلغل في كوننا المرئي.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: محمد وسيم

تدقيق: بوغوص حنا يوسيف

المصدر