توفي عالم الرياضيات الشهير جون ناش في 23 من أيار عام 2015 في حادث سيارة، وكان الرجل قد عرف بمعركته الشديدة مع الفصام والتي استمرت لعقود، وكان  كفاحه  قد جُسد عام 2001 في الفلم المشهور ” العقل الجميل ” والذي حاز على جائزة أوسكار، وفي مراحل متقدمة من حياته كان ناش قد تغلب على المرض وبدون أدوية ـ بحسب اعترافاته .

تطورت أعراض الفصام عند ناش في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كان عمره يقارب الـ30، وكان قد قدم خدمات عظيمة لتطوير الرياضيات ، تتضمن نظرية الألعاب، أو الرياضيات المتعلقة باتخاذ القرار.

بدأت العوارض بسلوك غريب ثم تطورت الحالة إلى  جنون العظمة والأوهام، وخلال العقود القليلة التالية  تم استقباله في المشفى عدة مرات ، وأعطي أدوية مضادة للذهان لفترات متقطعة.

في الثمانينات، عندما كان ناش في الخمسينات من عمره ،  بدأت حالته بالتحسن، واستمر التحسن حتى منتصف التسعينات ليرسل ناش عبر البريد الإلكتروني رسالة لأحد أصدقائه يقول فيها: ” لقد خرجت من حالة التفكير التهيجي ، بدون الحاجة لأدوية وإنما فقط بفضل التغيرات الهرمونية المتعلقة بالتقدم في العمر “.

توفي ناش بعمر 86 وتوفيت معه زوجته في الحادث وكان عمرها 82 أثناء عودتهما إلى المنزل بعد أن قضيا رحلة  قُدمت له تكريماً لأعماله الفريدة.

الدراسات التي تم إجراؤها في الثلاثينات ـ قبل أن تكتشف أدوية الفصام ـ أشارت إلى أن 20% من المرضى تماثلوا للشفاء ،أما الدراسات الحديثة أشارت إلى أنه ومع المعالجة ارتفعت نسبة الأشخاص الذين تماثلوا للشفاء إلى 60% حيث تمكنوا من الوصول إلى مرحلة  “الهدوء” التي يعرفها الخبراء بأنها التعرض لأعراض المرض بدرجتها الدنيا ولمدة 6 أشهر .

ولم يتضح سبب قدرة أشخاص معينين  على التحسن، ولكن الخبراء يعتقدون أن هناك الكثير من العوامل المرتبطة مع تحسن النتائج، كان يملك ناش الكثير منها .

الأشخاص الذين يصابون بالمرض في مراحل متأخرة من حياتهم يبدون ميلاً للتحسن أكثر من الأشخاص الذين يخوضون تجارب الذهان منذ مراحل حياتهم الأولى ، والذهان هو فقدان الاتصال بالواقع ، ويظهر على شكل أعراض مثل الهلوسة.

فناش بدأ بمقاساة تجربة الفصام في الثلاثين من عمره حيث بدأت المعاناة بالهلوسات والأوهام لدرجة انه كان يتوهم مؤامرة شيوعية لقتله كلما رأى احدا يرتدي ربطة عنق حمراء.

أيضاً ، العوامل الاجتماعية ، مثل استمرار المريض بالعمل أو إحاطته بمجتمع داعم أو وجود أسرة مساعدة له في كل أعماله ، كلها تسبب تحسناً في حالة مرضى الفصام.

ناش كان لديه الأصدقاء الداعمون الذين ساعدوه في إيجاد عمل حيث زملاؤه كانوا حامين له ، وزوجته التي اهتمت به وأخذته إلى منزلها حتى بعد أن كانا مطلقين ، وبالتالي حمته من أن يصبح مشرداً .

بعض الخبراء يعتقدون أن مرضى الفصام تتحسن حالتهم مع تقدمهم في العمر ، على الرغم من أن بعض المرضى قد تسوء حالتهم مع الزمن إذا لم يتلقوا العلاج الملائم ولم يتواجدوا في بيئةٍ داعمة .

أن تكون مريض فصام يعاني من أزمات نفسية متعددة فهذا قد يكون بداية الانحدار في حالتك، ستعاني مالياً لأنك لن تكون قادراً على العمل ، ستعاني فيزيائياً لأنك غيرُ قادرٍ على العناية بنفسك ، وستعاني اجتماعياً لأنّ سلوكك الغريب سينفّر الناس منك.

وبالتالي الأشخاص الذين يملكون قدراً أكبر من عوامل الحماية التي ذكرت سابقاً هم الأشخاص الذين خاضوا أكثر في غمار الحياة وطوروا بيئتهم الاجتماعية قبل أن يحل عليهم المرض.

حتى الآن ليست هناك ضمانات بالشفاء من المرض ، فقد يمتلك المريض كل عوامل الحماية ولا يشفى ، وبالتالي على هؤلاء المرضى التعايش مع المرض طوال حياتهم ، وخوض حياةٍ تستحق التقدير ، ولربما تحمل الأيام القادمة أملاً جديداً بوقايةٍ أو علاجٍ.


  • اعداد: يوسف مجدي
  • تحرير : رغدة عاصي
  •  المصدر