درب التبانة هي المجرة التي تحتضن كوكب الأرض، وجزء من هذه المجرة مرئي في ليلة صافية على الأرض كحزام سميك من النجوم المنتشرة عبر السماء، إذ يمكننا رؤية الآلاف من تلك النجوم بالعين المجردة، ويمكن رؤية عدد أكبر بكثير باستخدام التلسكوب، لكن كم يبلغ عدد النجوم في مجرة درب التبانة؟
في هذا الشأن يقول ديفيد كورنريتش (David Kornreich)، الأستاذ المساعد في كلية إيثاكا- نيويورك: «يصعب بشكل مفاجئ الإجابة عن هذا السؤال، فلا يمكنك الجلوس وبدء عد نجوم المجرة بشكل عام»، الجدير بالذكر أن السيد كورنريتش هو مؤسس خدمة (اسأل عالم فلك) في جامعة كورنيل.
كذلك الحال في مجرة أندروميدا -مجرة مضيئة وكبيرة وقريبة نسبيًا من الأرض- تبعد عنا حوالي 2.3 مليون سنة ضوئية، إذ لا يظهر من نجومها باستخدام التلسكوب من تلك المسافة سوى الواسعةِ منها وبعض النجوم المتغيرة وخاصةً نجوم سيفايد، فمن الصعب علينا رؤية نجم بحجم الشمس من تلك المسافة؛ لذلك ومن أجل وضع التقديرات، يستخدم علماء الفلك بعضًا من التقنيات المذكورة بالأسفل.
هيكل درب التبانة :
يعلم علماء الفلك من المراقبات أن درب التبانة مجرة حلزونية تمتد إلى حوالي 100.000 سنة ضوئية، ونظرة خارجية للمجرة قد تكشف عن نتوء مركزي محاط بأربعة أذرع، ذراعان أساسيان وآخران ثانويان، يُعرف الذراعان الأساسيان لدرب التبانة بـ (فرساوس) و(القوس)، وتقع الشمس في أحد الذراعين الثانويين، والذي يطلق عليه اسم: (ذراع الجبار)، أو (أوريون).
تمتلك المجرة هالةً ضخمةً من الغازات الساخنة حولها، تمتد إلى مئات الآلاف من السنوات الضوئية في الحجم، يقارب حجم تلك الهالة في ضخامته حجم كل النجوم في درب التبانة حسب تقديرات علماء الفلك، ورغم ذلك، فإنه من الصعب رؤية العديد من نجوم درب التبانة، ويرجع ذلك إلى وجود نتوء مجري ممتلئ بالنجوم والغاز والغبار في قلب المجرة، إضافةً للثقب الأسود فائق الضخامة، وتكون تلك المنطقة كثيفةً للغاية، فلا يمكن للتلسكوبات المشاهدة من خلالها.
لا يعلم علماء الفلك يقينًا متى تشكل ذلك الانتفاخ، ويقترح البعض حدوث تغيير في هيكل المجرة خلال تاريخها المتقدم حين اصطدمت تلك الأخيرة مع مجرة أخرى.
لقد اعتاد العلماء على الاعتقاد بأن جميع النجوم موجودة في مجرة درب التبانة، لكن ذلك تغير مع عشرينيات القرن الماضي، واستخدم عالم الفلك إدوين هابل (Edwin Hubble) نجمًا يطلق عليه اسم (متغير سيفايد)؛ لقياس المسافات في السماء، ومن ذلك، استنتج العلماء وجود عديد من المجرات في الكون المنفصلة عن درب التبانة.
بحث ضخم:
الطريقة الرئيسة التي يستخدمها علماء الفلك لتقدير عدد النجوم في المجرة تكون بتحديد كتلة المجرة، وتُقدر الكتلة عبر النظر إلى طريقة دوران المجرة، وعبر دراسة طيفها باستخدام التحليل الطيفي.
تبتعد كل المجرات عن بعضها البعض، ويُزاح ضوؤها نحو النهاية الحمراء للطيف؛ لأن ذلك يتسبب في تمديد الأطوال الموجية للضوء، ويسمى ذلك بـ “الانزياح نحو الأحمر”، وفي مجرة دوارة نجد جزءًا من الضوء “منزاحًا نحو الأزرق” قليلًا؛ لأن ذلك الجزء يتجه نحو الأرض، ويجب على علماء الفلك كذلك معرفة ميل أو توجه المجرة قبل وضع التقدير، ويكون ذلك عبارةً عن مجرد “تخمين” بكل بساطة، حسب كورنريتش.
ومن أجل القيام بعمل كهذا، يعد استخدام تقنية (المطيافية الطويلة – الشق) هو الأفضل، وفي هذه الطريقة، يُرى شيء ممدود مثل مجرة معينة عبر شق ممدود؛ لينكسر الضوء بعد ذلك باستخدام جهاز مثل الموشور الزجاجي، وتلك العلمية تقوم بتحويل ألوان النجوم إلى ألوان قوس قزح.
بعض تلك الألوان ستكون مفقودةً على النتيجة التي نحصل عليها، مظهرةً أنماط الأجزاء المفقودة نفسها في بعض عناصر الجدول الدوري، وذلك يسمح للعلماء باستنتاج العناصر الموجودة في النجوم.
إن كل نوع من النجوم لديه بصمة كيميائية استثنائية تظهر على التلسكوب، وهذا هو أساس التصنيف النجمي أو تسلسل (OBAFGKM) الذي يستخدمه علماء الفلك من أجلك التفرقة بين أنواع النجوم.
أي نوعٍ من التلسكوبات بإمكانه القيام بهذا الشكل من التحليل الطيفي، ويستخدم كورنريتش بدوره تلسكوب (200 – إنش) في مرصد بالومار بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، لكنه أضاف أن أي تلسكوب تقريبًا بالحجم المناسب سيكون مناسبًا للقيام بالعمل.
تكون الطريقة المثالية عبر استخدام تلسكوب على مدار الأرض؛ لأن تناثر الضوء يحدث في الغلاف الجوي بسبب التلوث الضوئي، والحوادث الطبيعية، وحدث بسيط مثل شروق الشمس بإمكانه التشويش على المراقبة، يقول كورنريتش في هذا الشأن: «إن تلسكوب هابل معروف بهذا النوع من الأعمال»، ومن المتوقع أن يُطلَق خليفة له عام 2020م، وهو تلسكوب جايمس ويب.
يكمن التحدي في هذا الجانب بأن تلسكوب هابل مطلوب للغاية، وسيكون الأمر نفسه بالنسبة لتلسكوب جايمس ويب بعد إطلاقه؛ لذلك لا يمكن للمراصد أن تقضي كل وقتها في تقدير كتلة المجرات.
كم حجم كتلة النجوم في المجرات ؟
بين مختلف المجرات من الكتلة نفسها، سيكون هناك اختلافات في هذا الجانب باختلاف أنواع النجوم والكتلة الإجمالية لها، يقول كورنريتش: «من الصعب للغاية الحديث عن هذا الأمر بشكلٍ عام، لكنه يشير إلى إمكانية النظر إلى الاختلاف بين المجرات الحلزونية مثل مجرتنا درب التبانة، والمجرات الإهليجية، إذ تميل المجرات الإهليجية إلى احتضان نجوم الأقزام الحمر من صنف (K) و(M) أكثر من المجرات الحلزونية، وذلك لأن المجرات الإهليجية أقدم سنًا، ولديها غازات أقل بسبب اندثار هذه الأخيرة بعيدًا خلال مرحلة تطور المجرة.
بمجرد تحديد كتلة المجرة، يكمن التحدي القادم في تحديد كتلة النجوم في تلك المجرة، ومعظم الكتلة هي عبارة عن مادة مظلمة لا تبعث أي ضوء، لكن يعتقد أنها تُشكل معظم كتلة الكون.
في هذا الشأن يقول كورنريتش: «يجب عليك أن ترسم نموذجًا للمجرة وترى إذا ما كان ممكنًا فهم نسبة كتلة النجوم»، ويضيف: «إذا ما قمت بقياس الكتلة عبر النظر إلى منحى الدوران في مجرة نموذجية، تكون نسبة المادة المظلمة حوالي 90%».
تتشكل معظم الكتلة المتبقية من الغازات والغبار المتناثر، إذ تبقى حوالي 3% عبارةً عن كتلة النجوم من كتلة المجرات الإجمالية وفقًا لتقديرات كورنريتش، لكن ذلك قد يختلف من مجرة إلى أخرى، وأبعد من ذلك، يختلف حجم النجوم بشكلٍ كبير من نجم بحجم شمسنا أو نجوم أصغر أو أكبر بعشرات المرات منها.
إذًا هل من طريقة موجودة لمعرفة عدد النجوم بشكلٍ دقيق؟ في نهاية الأمر، سنصل إلى مجرد تقديرات، وفي حساب واحد، تبلغ كتلة درب التبانة حوالي 100 مليار كتلة شمسية، لذلك من السهل أن نترجم ذلك إلى وجود 100 مليار نجم في المجرة، وهذا يعمل على النجوم التي هي أكبر أو أصغر من شمسنا، فنقوم بحساب معدل لعددها بالتقريب، لكن حساب الكتلة صعب، فبعض التقديرات تقول أن المجرة لها كتلة ما بين 400 و 700 مليار كتلة شمسية.
إن مهمة جايا (Gaia) للوكالة الفضائية الأوروبية تقوم على رسم خريطة لمواقع حوالي مليار نجم في درب التبانة، تقول الوكالة: «إن جايا ستقوم بمسح حوالي 1% من محتوى السماء في درب التبانة، وهذا يضعنا في تقدير يصل إلى 100 مليار نجم في مجرتنا، وهدف جايا هو خلق أفضل خارطة ثلاثية الأبعاد ممكنة لدرب التبانة».
إن المعيق في الأمر في نظر كورنريتش، أن كل تلك الأرقام عبارة عن تقديرات فحسب، وتسمح النماذج الأكثر تطورًا بوضع تقديرات أكثر دقةً، وسيكون من الصعب جدًا عد النجوم واحدةً تلو الأخرى، وإخبارنا بعددها الإجمالي في المجرة بشكل دقيق.
اقرأ ايضًا
عدد النجوم التي تولد يوميًا في الكون
عدد النجوم التي نستطيع رؤيتها بالعين المجردة
ترجمة وليد سايس – تدقيق أسماء العجوري