المجرات –المجموعات الهائلة التي تملأ فضاءنا– موجودة في كل مكان. لكن كم يبلغ عدد المجرات في الكون ؟ إحصاؤها يبدو وكأنه مهمة مستحيلة. تُمثِّل الأرقام الهائلة مشكلة واحدة؛ بمجرد وصول العدد إلى المليارات، سيستغرق الأمر بعض الوقت من أجل الإضافة. والمشكلة الأخرى هي محدودية أدواتنا للحصول على أفضل رؤية؛ إذ يحتاج التلسكوب إلى فتحة كبيرة (قطر المرآة أو العدسة الرئيسية)، وأن يكون موجودًا فوق الغلاف الجوي؛ لتجنب التشويه الناجم من هواء الأرض.

ولعل أبرز مثال على هذه الحقيقة هو (حقل هابل العميق الأقصى-the Hubble eXtreme Deep Field (XDF))، وهو صورة جُمعت من خلال دمج عشر سنوات من الصور الفوتوغرافية من تلسكوب هابل الفضائي. شوهد من التلسكوب رقعة صغيرة من السماء خلال معاينات متكررة لما يقارب 50 يومًا، ووفقًا لوكالة ناسا، إذا وضعت إبهامك على طول الذراع لتغطية القمر، فستكون مساحة حقل هابل تقريبًا بحجم رأس دبوس.

كم يبلغ عدد المجرات في الكون تلسكوب هابل دراسة الفضاء ضوء النجوم البعيدة ضوء المجرات البعيدة حقل هابل العميق توسع الكون الفلك

من خلال تجميع الضوء الخافت على مدار ساعات طويلة من المراقبة، كشفت صورة (حقل هابل العميق الأقصى) عن آلاف المجرات، القريبة والبعيدة جدًا، ما يجعلها أعمق صورة اِلتُقطت للكون في ذلك الوقت. لذلك إذا كانت تلك البقعة الصغيرة الواحدة تحتوي على الآلاف من المجرات ، فتخيل عدد المجرات الأخرى التي يمكن العثور عليها في بقع أخرى.

وقال ماريو ليفيو، وهو عالم الفيزياء الفلكية في معهد علوم الفضاء والتلسكوب في بالتيمور، ولاية ماريلاند، أنه في حين تختلف التقديرات بين مختلف الخبراء، فإن النطاق المقبول يتراوح ما بين 100 مليار و 200 مليار مجرة. عندما يُطلَق تلسكوب the James Webb Space Telescope في عام 2020، من المتوقع أن يكشف عن المزيد من المعلومات عن المجرات المبكرة في الكون.

الغوص عميقًا

بناءً على معلومات ليفيو، تلسكوب هابل هو أفضل أداة متوفرة لحساب عدد المجرات وتقديرها. كان التلسكوب، الذي أُطلِق في عام 1990، قد تشوهت مرآته الرئيسية في البداية ومن ثم أُصلِحَت خلال زيارة المكوك عام 1993. كما مَرَّ هابل بالعديد من الترقيات والخدمة الدورية حتى مهمة المكوك النهائية في مايو 2009.

كم يبلغ عدد المجرات في الكون تلسكوب هابل دراسة الفضاء ضوء النجوم البعيدة ضوء المجرات البعيدة حقل هابل العميق توسع الكون الفلك

في عام 1995، وجّه علماء الفلك التلسكوب إلى ما يبدو أنه منطقة خالية من الدب الأكبر، وقاموا بتجميع الملاحظات لمدة عشرة أيام، وكانت النتيجة وجود ما يقارب 3000 مجرة خافتة في الإطار الواحد. كان يُطلق على هذه الصورة المركبة اسم حقل هابل العميق، وكانت أبعد ما رآه أي شخص في الكون في ذلك الوقت.

عندما تلقى تلسكوب هابل التحديثات والترقيات لأدواته، كرر علماء الفلك التجربة مرتين في عامي 2003 و 2004، ابتكر العلماء حقل Hubble Ultra Deep Field الذي كشف خلال مليون ثانية عن حوالي 10000 مجرة في مكان صغير في كوكبة fornax.

في عام 2012 أيضًا، استخدم العلماء مرة أخرى الأدوات التي حُدِّثت، فاستخدموا التلسكوب للنظر في جزء من حقل Ultra Deep Field، حتى في مجال الرؤية الأضيق هذا، تمكن علماء الفلك من اكتشاف حوالي 5500 مجرة. يُطلق الباحثون على هذا الحقل اسم eXtreme Deep Field.

كم يبلغ عدد المجرات في الكون تلسكوب هابل دراسة الفضاء ضوء النجوم البعيدة ضوء المجرات البعيدة حقل هابل العميق توسع الكون الفلك

إحصاء النجوم

مهما كانت الأدوات المستخدمة، فإن طريقة تقدير عدد المجرات هي نفسها؛ تأخذ جزءًا من السماء المصورة بواسطة تلسكوب (في هذه الحالة هابل). ثم باستخدام نسبة الجزء من السماء إلى الكون بكامله يمكنك تحديد عدد المجرات في الكون. وأضاف ليفيو: «بهذا يفترض أنه لا يوجد تباين كوني كبير وأن الكون متجانس. لدينا أسباب وجيهة للشك في أن هذا هو الحال. هذا هو المبدأ الكوني».

يعود هذا المبدأ إلى نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين؛ قال أينشتاين إن الجاذبية هي تشويه للفضاء وللوقت. مع هذا الفهم، حاول العديد من العلماء بمن فيهم أينشتاين فهم كيفية تأثير الجاذبية على الكون بكامله. وفقًا لناسا، «إن أبسط افتراض يمكن القيام به هو أنك إذا نظرت إلى محتويات الكون برؤية سيئة بما فيه الكفاية، فستظهر كما هي (بنفس الشكل) تقريبًا في كل مكان وفي كل اتجاه».

هذه هي المشكلة في الكون، أنه متجانس ومتناثر الخواص عند حسابه على نطاقات كبيرة جدًا. وهذا ما يُسمَّى بالمبدأ الكوني.

كم يبلغ عدد المجرات في الكون تلسكوب هابل دراسة الفضاء ضوء النجوم البعيدة ضوء المجرات البعيدة حقل هابل العميق توسع الكون الفلك

هل سيتغير عدد المجرات مع مضي الوقت؟

تُظهر قياسات توسع وتمدد الكون -من خلال مشاهدة المجرات التي تبتعد عنّا– أن عمره حوالي 13.28 مليار سنة. ومع زيادة عمر الكون وحجمه، تنحسر المجرات أبعد وأبعد عن الأرض. وهذا سوف يجعل رؤيتها بالتلسكوبات أكثر صعوبة.

يتوسع الكون بشكل أسرع من سرعة الضوء (الذي لا ينتهك الحد الأقصى لسرعة أينشتاين لأن التوسع هو في الكون نفسه، بدلًا من الأجسام التي تنتقل عبر الكون)، وأيضًا الكون يتسارع في توسعه.

قال ليفيو: «هذا هو المكان الذي يجري فيه مفهوم “الكون المرئي” -الكون الذي يمكننا رؤيته– حيز التنفيذ. خلال تريليون إلى تريليوني عام، هذا يعني أنه ستكون هناك مجرات تتجاوز ما يمكن رؤيته من الأرض. وأنه لا يمكننا رؤية سوى الضوء من المجرات التي كان لضوئها ما يكفي من الوقت ليصل إلينا. وهذا لا يعني أن هذا هو كل ما في الكون. ومن هنا جاء تعريف “الكون المرئي”».

ماذا عن الأكوان الأخرى؟

مع التضخم المبكر للكون، هنالك بعض النظريات التي تقول إن جيوبًا مختلفة –مجموعات صغيرة- انفصلت عن بعضها وشكلت أكوانًا مختلفة. يمكن أن تتوسع هذه الأكوان المختلفة بمعدلات مختلفة أيضًا، وتشمل أنواعًا مختلفة من المادة، ولها قوانين مختلفة عن كوننا.

وأشار ليفيو أنه من الممكن أن يكون هنالك مجرات في الأكوان الأخرى -إذا كانت موجودة- لكن ليس لدينا أي طريقة الآن لتأكيد هذه المعرفة، وبذلك من الممكن أن يكون عدد المجرات أكبر من 200 مليار، عند الاطلاع على باقي الأكوان.

وأوضح ليفيو إنه في كوننا الخاص، سيكون علماء الفلك أكثر قدرة على تحسين الرقم عند إطلاق تلسكوب the James Webb Space Telescope، الذي سيتولى معهده مهمة إدارة علوم وعمليات المهمة.

هابل قادر على العودة إلى المجرات التي تشكلت بعد حوالي 450 مليون سنة من الانفجار العظيم. بعد إطلاق the James Webb Space Telescope عام 2020 يتوقع علماء الفلك أن يتمكنوا من العودة إلى ما يقارب 200 مليون سنة بعد الانفجار العظيم.

مساهمات تلسكوب webb

في الحين الذي يبدو فيه أنه من المثير للاهتمام حساب عدد المجرات في الكون ، إلّا أن علماء الفلك يهتمون أكثر بكيفية كشف المجرات على آلية تكوين الكون. وفقًا لوكالة ناسا، المجرات هي تمثيلٌ لكيفية تنظيم المادة في الكون، على الأقل على نطاق واسع (يهتم العلماء أيضًا بأنواع الجسيمات وميكانيكا الكم، على الجانب الصغير من الطيف). وذلك نظرًا لأن تلسكوب “ويب” يمكنه الرجوع إلى الأيام الأولى للكون، وبذلك فإن معلوماته وبياناته ستساعد العلماء على فهم هياكل المجرات من حولنا بشكل أفضل.

وأيضًا وفقًا لناسا، هنا توجد بعض مفاتيح الأسئلة حول المجرات التي سوف يُجيب عنها تلسكوب “ويب”.

كيف تتشكل المجرات؟

ما الذي يعطيها أشكالها؟

كيف يتم توزيع العناصر الكيميائية من خلال المجرات؟

كيف تؤثر الثقوب السوداء المركزية في المجرات على المجرات المضيفة لها؟

ماذا يحدث عند تصادم أو اتحاد المجرات الصغيرة والكبيرة؟

سوف تمكّن المرايا القوية لتلسكوب “ويب” العلماء بالنظر إلى تكوين المجرات –بما في ذلك دور المادة المظلمة– عن قرب. على الرغم من أن هذه التحريات لا تجيب بشكل مباشر عن عدد المجرات في الكون ، إلّا أنها ستساعد العلماء على فهم العمليات الكامنة وراء المجرات التي نراها، بشكل أفضل.

اقرأ أيضًا:

المصدر

ترجمة: إيّاس سليمان

تدقيق: براءة ذويب