ما هي موجات الجاذبية ؟

موجات الجاذبية هي تشوهات في نسيج المكان والزمان ، تسببها حركة الأجسام الضخمة ، مثل الموجات الصوتية في الهواء أو الموجات الصغيرة التي تتشكل على سطح البركة عندما يلقي شخص ما صخرةً في الماء. ولكن على عكس الموجات الصوتية وموجات البركة التي تنتشر عبر وسط كالماء ، فإنّ موجات الجاذبية هي اهتزازات في الزمكان نفسه، ما يعني أنها تتحرك بالفعل عبر خواء المكان. وعلى النقيض من الهبوط اللطيف للحجر في البركة ، فإنّ الأحداث التي تسبب موجات الجاذبية هي من بين أقوى وأضخم الأحداث في الكون.

يمكننا سماع موجات الجاذبية، بمعنى مشابه لانتقال الموجات الصوتية عبر الماء، أو تحرك الموجات الزلزالية عبر الأرض. الفرق هو أنّ الموجات الصوتية تهتز خلال وسط مثل الماء أو التراب، أما بالنسبة لموجات الجاذبية، فإنّ الزمكان هو الوسيط. يتطلب الأمر فقط إيجاد الأداة الصحيحة لسماعها. كان اكتشاف موجات الجاذبية على الأرض تحديًا استغرق قرنًا تقريبًا لإكماله، نظرًا لكون الموجات التي تغمر الكوكب ضئيلة بشكل لا يصدق.

موجات الجاذبية بماذا أفادنا اكتشاف أمواج الجاذبية أين توجد مراصد موجات الجاذبية دوران الأجسام الضخمة في الكون النجوم النيوترونية الثقوب السوداء الموجات

موجات الجاذبية

اكتشاف موجات الجاذبية

تنبأت نظرية النسبية العامة لآينشتاين أولاً بوجود موجات الجاذبية، وهو ما لاحظه العالم الشهير بنفسه في عام 1916. على الرغم من أنّ آينشتاين شكّك فيما بعد بوجود موجات ّالجاذبية، إلا أنّنا نمتلك أدلة غير مباشرة عليها منذ السبعينيات.

في عام 1974، تتبع الفلكيان جو تايلور – Joe Taylor ورسل هولس – Russell Hulse زوجًا من الأجسام النجمية الدوّارة التي تدعى النجوم النابضة – pulsars. وبينما كان زوج النجوم النابضة يدوران حول بعضهما البعض، اقتربا من بعضهما البعض، ما يدل على أنهما كانا يبعثان طاقة. أوضحت الحسابات أنّ فقدان الطاقة هذا جاء على شكل موجات جاذبية، وهذا اكتشاف نال لقاءه كل من تايلور وهولس جائزة نوبل في عام 1993.

حدث أوّل اكتشاف مباشر لموجات الجاذبية في 14 أيلول 2015، عندما اكتشف مرصد قياس التداخل الليزري لموجات الجاذبية بالولايات المتحدة – the U.S. Laser Interferometry Gravitational-Wave Observatory، والمعروف أيضًا باسم ليجو – LIGO، الدويّ الذي أحدثه ثقبان أسودان متصادمان منذ 1.3 مليار عام. أعلن العلماء عن هذا النجاح رسميًا في شباط 2016. وفي عام 2017، كُرّم ثلاثة من العلماء المؤسّسين لمرصد ليجو بجائزة نوبل للفيزياء.

موجات الجاذبية بماذا أفادنا اكتشاف أمواج الجاذبية أين توجد مراصد موجات الجاذبية دوران الأجسام الضخمة في الكون النجوم النيوترونية الثقوب السوداء الموجات

موجات الجاذبية

ابتداءً من السبعينيات، قام فيزيائيون، بمن فيهم راينر ويس – Rainer Weiss وكيب ثورن – Kip Thorne وباري باريش – Barry Barish، بالتخطيط للفكرة التي أصبحت فيما بعد ليجو. يتكوّن المرصد من منشأتين: إحداهما في لويزيانا – Louisiana والأخرى في ولاية واشنطن – Washington State. تتكوّن كل منشأة على شكل حرف L من ذراعين يزيد طولهما عن ميلين ويلتقيان بزاوية قائمة.

ومن خلال ارتداد أشعة الليزر ذهابًا وإيابًا ضمن كل ذراع، يمكن للفيزيائيين قياس أطوالها بدقة مذهلة، ويمكن تشبيه هذه الدقة بقياس المسافة بيننا وبين ألفا سنتاوري (Alpha Centauri) -أقرب نجم خارج نظامنا الشمسي- ضمن عرض الشعرة.

عندما تمرّ موجة الجاذبية عبر الأرض، فإنها تمدّ قليلاً أحد الذراعين، وتضغط الأخرى. هذه التغييرات في الطول تعدل الوقت الذي تستغرقه أشعة الليزر للارتداد ذهابًا وإيابًا، ما يؤدي بدوره إلى تغيير النمط الذي تكوّنه حزم الأشعة عند التلاقي. من خلال تتبع الأنماط المتغيرة خلال الزمن، يمكن للباحثين مشاهدة تموّج موجة الجاذبية خلال المنشأة.

لدى ليجو منشأتان حتى يتمكن كلا الكاشفين من محاولة اكتشاف ذات الحدث، ما يؤدي في الواقع إلى التحقق من عمل كل منهما. بالإضافة إلى ذلك، يوضح الفارق الزمني بين كل كشف الاتجاه الذي جاءت منه موجات الجاذبية، ما يساعد علماء الفلك الذين يأملون بأن يحددوا المصدر بدقة في السماء.

موجات الجاذبية بماذا أفادنا اكتشاف أمواج الجاذبية أين توجد مراصد موجات الجاذبية دوران الأجسام الضخمة في الكون النجوم النيوترونية الثقوب السوداء الموجات

ما الذي يمكن أن نتعلمه من موجات الجاذبية ؟

التشبيه الذي يستخدمه بعض الفيزيائيين هو أنّ موجات الجاذبية تتيح لنا «سماع الكون». لكي نكون واضحين، الموجات الصوتية وموجات الجاذبية شيئان مختلفان تمامًا. ولكن من خلال مشاهدة الأحداث التي تجري في الكون عند أطوال موجية مختلفة من الضوء، وبينما نراقب أيضًا اهتزازات موجات الجاذبية، يمكننا الشروع في ما يعرف بعلم الفلك متعدد المرسال- multi-messenger astronomy.

تستطيع كواشف موجات الجاذبية في الوقت الحالي كشف الموجات التي تشكلها عمليات اندماج النجوم النيوترونية والثقوب السوداء. اعتبارًا من نهاية عام 2018، فقد شاهدنا 10 عمليات اندماج لأزواج الثقوب السوداء واندماجًا واحدًا لنجمين نيوترونيين. وبينما تزداد المشاهدات، سيتمكن الفلكيون من رؤية الأنماط ضمن أعداد وكتل الثقوب السوداء المعروفة، الأمر الذي يساعد في إطلاع النظريات على كيفية تشكلها وتغيرها مع مرور الزمن.

لكننا نتعلم المزيد من الأحداث التي تنبعث منها كل من موجات الجاذبية والضوء. ففي 17 آب 2017، حصل علماء الفلك على أول فرصة لرؤية أحد تلك الأحداث، عندما وصلت إشارات إلى الأرض صادرة عن نجمين نيوترونيين مندمجين -بقايا كثيفة للغاية من نجوم خامدة- كانا يتحركان لولبيًا حول بعضهما البعض، ثم اصطدما. اندماج النجمين واتحادهما لم يصدر موجات الجاذبية فقط، بل تسبب أيضًا بانفجار مرئي يدعى كيلونوفا – kilonova.

أطلق الجسم الجديد الذي تشكل -على الأرجح ثقب أسود- نفثةً من الجسيمات عالية السرعة خلال الوهج المحيط، ما أدى إلى شفق لاحق كان مرئيًا لأيام وحتى أسابيع بعد ذلك. قدّم هذا الحدث لوحده أدلة قوية على أنّ تصادم النجوم النيوترونية يصنع على الأرجح الكثير من العناصر الثقيلة في الكون، مثل الذهب والفضة. إذن يعود الفضل في وجود الإلكترونيات والمجوهرات إلى النجوم النيوترونية.

تمكّن الفيزيائيون أيضًا من استخدام الكشف لاختبار نظرية النسبية لآينشتاين كما لم يحدث من قبل قط. تتنبأ النسبية بأن موجات الضوء والجاذبية الصادرة من نفس الحدث يجب أن تنتقل عبر الفضاء بنفس الطريقة. بينما تتنبأ نظريات أخرى للجاذبية أنّ الاثنين يجب أن يصلا إلى الأرض في أوقات مختلفة بشكل ملحوظ. في الحدث ذاته، وصلت موجات الضوء والجاذبية متخلفتين عن بعضهما بفرق ثوان فقط، ما يعني أنّ موجات الجاذبية والضوء تستجيب للعقبات بالطريقة ذاتها تقريبًا، في جزء واحد من مليون المليار.

تساعد موجات الجاذبية أيضًا على توضيح جوانب أخرى لأسس كوننا. على سبيل المثال، كان ثابت هابل – Hubble Constant، وهو مقياس لسرعة توسّع الكون، صعب التحديد. تسفر قياسات الشفق اللاحق للكون المبكر عن رقم، لكن التقديرات التي أجريت على النجوم الأصغر سنًا تسفر عن رقم آخر. هل يعتبر هذا التفاوت مجرد مشكلة أو خطأ في عملية الاختبار وأخذ العينات؟ أم أنّ ثابت هابل تغير بمرور الوقت، مشيرًا إلى وجود جسيمات وقوى غريبة و جديدة؟

من خلال القيام بدور «صفارات إنذار قياسية»، توفر عمليات الكشف عن موجات الجاذبية طريقة مستقلة لحساب ثابت هابل – Hubble، مما يجعلها الحكم النهائي في هذا الجدال الكوني.

هل يمكن للناس أن يشعروا بموجات الجاذبية ؟

إنّ تأثير موجات الجاذبية على الأرض أصغر بآلاف المرات من عرض البروتون (والبروتون هو أحد الجسيمات التي تشكل نواة الذرة). مع ذلك، فإن موجات الجاذبية تضعف كلما ازدادت مسافة انتقالها، مثل التموجات على البركة. كلما اقترب شيء ما من ثقبين أسودين مندمجين، زاد عليه الضغط والشد.

رغم أن الأمر يبدو غريبًا ومشوشًا، فإن موجة الجاذبية تمدد وتضغط جسمًا معينًا بنسبة مئوية من حجم الجسم. إذا كان بعد الأرض عن اندماج الثقب الأسود (كما أسفر اكتشاف ليجو الأول) مساويًا لبعدها عن الشمس، فإن موجات الجاذبية كانت ستمدد الكوكب بما يقدر بأكثر من ثلاثة أقدام. بينما أجساد الناس كانت ستضغط بمقدار جزء من مليون متر، أي أقل بكثير من الضغط الذي تشعر به عندما تقفز وتهبط على الأرض.

الطبيعة النسبية لموجات الجاذبية هي سبب امتلاك ليجو وغيره من المراصد لهذه الأذرع الكبيرة. كلما كان المرصد أكبر، أصبحت التغييرات الحاصلة من موجة أكبر وأكثر قابلية للاكتشاف.

أين توجد مراصد موجات الجاذبية ؟

في عام 2017، افتُتح المرصد الأوروبي فيرجو – Virgo خارج بيزا – Pisa في إيطاليا، لينضم إلى ليجو والكاشف الألماني GEO600. وهناك المزيد من المنشآت المشابهة التي ستدخل طور العمل، إذ من المفترض أن يُفتتح قريبًا الكاشف الياباني KAGRA، وهو أول المراصد المبنية تحت الأرض، كما تخطط الهند لبناء كاشف خاص بها.

بالإضافة إلى ذلك، هناك خطط لإطلاق مراصد فضائية كبيرة، إذ تخطط وكالة الفضاء الأوروبية لوضع كاشف يدعى ليزا – LISA في مدار حول الشمس خلال ثلاثينيات القرن الواحد والعشرين. في عام 2015، أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية ESA المركبة الفضائية ليزا باثفايندر – LISA Pathfinder لاختبار التكنولوجيا الضرورية. اقترح باحثون صينيون كاشفًا فضائيًا مشابهًا تحت اسم تيانكين – TianQin.

وفي الوقت الحالي، يواصل علماء الفلك مراقبة مجموعات من النجوم النابضة قصد تتبع موجات الجاذبية ذات التردد المنخفض للغاية. والمقصود هو أنه عندما تجتاح الموجة، فإنها ستغير مؤقتًا توقيت دوران كل نجم.

في غضون بضعة عقود، سنكون قادرين على سماع الكون كما لم يحدث من قبل قط، من الدوي العميق لاندماج الثقوب السوداء الفائقة إلى الصوت النابض للنجوم النيوترونية المتصادمة. الكون مليء بالضوء، والآن صرنا نعرف أنه يعج بالموسيقى أيضًا.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: رولان جعفر

تدقيق: محمد وائل القسنطيني

المصدر