النحل يستخدم الرموز التجريدية لحل مسائل رياضية معقدة . أظهر بحثٌ جديدٌ، نُشر حديثًا في مجلة تقدم العلم- Science Advances، إمكانيةَ نحل العسل اللطيف وصغير الحجم استخدام الرموز لتطبيق أساسيات الرياضيات، بما يتضمّن الجمع و الطرح أيضًا. مع وجود دماغ يحتوي على أقل من مليون خلية عصبية فقط، يُظهر النحل قدرةً فريدةً ومميزةً على حلّ المعضلات والمشاكل المعقّدة، والأكثر من ذلك استيعابه لمفهوم الصفر.

في الدراسة الأخيرة، قرّرنا اختبار قدرة النحل على إجراء عمليات حسابية بسيطة مثل الجمع و الطرح ، فالنحل هو نموذج ذو قيمة عالية لاستكشاف الأسئلة حول علم الأعصاب.

عمليات الجمع و الطرح

مقارنةً بالأطفال، تعلّمنا أنّ عملية الجمع، ويُرمز لها +، تدلّنا على إضافة كمّية أو أكثر إلى بعضها، بينما تدلّنا عملية الطرح ، ويُرمز لها -، على إنقاص كمّية أو أكثر من بعضها. للحفاظ على هذه القدرة لدينا، نحتاج للذاكرة طويلة الأمد و القصيرة أيضًا.

النحل الجمع الطرح

نستعين بالذاكرة العاملة، أي قصيرة الأمد، لتطبيق العمليات على الأرقام بشكل فوري، ونستعين بالذاكرة طويلة الأمد لتخزين القواعد الأساسية للطرح أو الجمع. على الرغم من أنّ القدرة على أداء الحساب مثل الجمع و الطرح ليست بسيطةً، إلّا أنّها حيوية في المجتمعات البشرية.

أظهر المصريون والبابليون دليلاً على استخدام الحساب حوالي عام ٢٠٠٠ قبل الميلاد، والذي كان من المفيد استخدامه لتسهيل العمل، مثل إحصاء المخزون الموجود واحتساب الأعداد الجديدة عند بيع الماشية.

فيديو توضيحي

لكن، هل يتطلّب تطوّر التفكير الحسابي دماغًا كبيرًا عند الرئيسيات، أم أنّ حيوانات أخرى تواجه مشكلات مشابهة تمكنّها من معالجة العمليات الحسابية؟ سنقوم باستكشاف هذا باستخدام نحل العسل.

كيف تُدرّب النحل؟

النحل هو منتج للعسل، وللقيام بتلك العملية، يحتاج للعلف أو الغذاء. لذلك يطلَق عليه النحل الجامع أو النّحل العلّاف، أي أنّ النحل يعود دائمًا إلى المكان الذي يوفّر الغذاء. خلال التجربة، قدّمنا الماء المليء بالسكّر للنحل، ما جعل النحل الفردي (جميع الإناث) تعود بشكل دائم إلى موقع التجربة للحصول على الغذاء.

عندما تختار النحلة رقمًا صحيحًا، تحصل على الماء السكري كمكافأة، لكن إذا اختارت بشكل غير صحيح فستحصل على محلول الكينين – quinine المر (وهو مادة شبه قلويّة). نستخدم هذه الطريقة لمدة أربع إلى سبع ساعات على النحل الفردي لتعليمه الجمع أو الطرح كلّما عادت النحلة لجمع الغذاء.

الجمع و الطرح لدى النحل

دُرّب النحل بشكل فردي على متاهة على شكل حرف Y. ستدخل النحلة في مدخل المتاهة Y، وهنا ستُعرض مجموعة من العناصر تتكوّن من واحد إلى خمسة أشكال. هذه الأشكال (مثل الأشكال المربعة، على غرار العديد من خيارات الشكل التي استُخدمت في التجارب الفعلية) ستكون واحدة من لونين:

الأزرق يعني أنّ النحلة اضطُرت إلى إجراء عملية إضافة (+١). أما إذا كانت الأشكال صفراء، فهذا يعني أنّ النحلة أجرت عملية طرح (-١). بالنسبة لمهمّة الجمع و الطرح ، يحتوي أحد الجوانب على إجابة صحيحة، بينما يحتوي الجانب الآخر على الإجابة الخاطئة.

تُغيَّر التجربة بشكل عشوائي حتى لا تتعوّد النحلة على زيارة المكان ذاته في كلّ مرة تدخل فيها للمتاهة. بعد مشاهدة الرقم لأول مرة، سيتعين على النحلة اختيار الجهة التي ستطير إليها من خلال ثقب محدد بناءً على ما تدربت عليه سابقًا.

تبيّن في بداية التجربة أنّ النحل اعتمد على خيارات عشوائية لحلّ المشكلة. لكن لاحقًا، استطاعت أكثر من ١٠٠ نحلة تعلّم أنّ اللون الأزرق يعني +١ واللون الأصفر يعني -١، والآن، هي تستطيع تطبيق ذلك على أيّ عدد جديد. أثناء الاختبار على أرقام جديدة، استطاع النحل أن يحقق ما نسبته ٦٤٪ إلى ٧٢٪ من عمليات جمع وطرح صحيحة لعنصر واحد.

كان أداء النحل في جميع الاختبارات مختلفًا بشكل مثير وليس عشوائيًا فقط، إذ نسمي هذه العملية تعادل مستوى الفرص (٥٠٪ صحيح و٥٠٪ غير صحيح). وهكذا تكون مدرسة النحل، عبر اختبار المتاهة Y، قد سمحت لنا بمعرفة كيفية استخدام عمليات الجمع و الطرح لديها.

لماذا هذا السؤال معقّد بالنسبة للنحل؟

العمليات الحسابية، مثل الجمع و الطرح ، هي أسئلة معقدة بحد ذاتها لأنها تتطلب مستويين من المعالجة. المستوى الأول يتطلب فهم ماهية القيم العددية، بينما يتطلب المستوى الثاني من النحل القدرة العقلية لاستخدام الذاكرة العاملة والتلاعب بالأرقام.

بالإضافة لهاتين العمليّتين، كان على النّحل القيام بالعمليات الحسابية بشكل ذهني معتمدًا بذلك على الذاكرة العاملة، لأن الرقم الأول لم يكن مرئيًا لها. ناهيك عن ذلك، ففكرة جمع أو طرح رقم معين بحد ذاتها فكرة مجرّدة، حتّمت على النحل حلّها ضمن مسار الاختبار.

إنّ معرفة أنّ النحل لديه القدرة على الجمع بين التعلم الحسابي والترميزي البسيط فتحت الأفق أمامنا للتساؤل ما إذا كانت الحيوانات أيضًا قادرةً على ذلك؟

أثر ذلك على الذكاء الاصطناعي وعلم الأعصاب

هناك الكثير من الاهتمام في مجال الذكاء الاصطناعي عن مدى وكيفية تمكين أجهزة الكومبيوتر من التعلم الذاتي في ظل المشاكل الجديدة. تُظهر النتائج الجديدة أنّ تعلم العمليات الحسابية الرمزية لتطبيق الجمع و الطرح ممكن مع دماغ مصغّر.

يشير هذا إلى إمكانية إيجاد طرق جديدة لدمج الذاكرة طويلة المدى والذاكرة العاملة في تصاميم جديدة لتحسين التعلم السريع لدى الذكاء الاصطناعي والاستفادة من المشاكل جديدة.

كما تُظهر النتائج التي توصلنا إليها أنّ فهم رموز الرياضيات كلغة بين المشغلين هو شيء يمكن للعديد من العقول تحقيقه على الأرجح، ويساعد هذا في تفسير عدد الثقافات البشرية التي طوّرت بشكل مستقل مهارات الحساب دون اعتمادها على بعضها.

اقرأ أيضًا:

المصدر

ترجمة: عمر النبواني

تدقيق: محمد وائل القسنطيني