حسب معظم التقارير: لقد حققنا مثاليةً نسبيةً في مجال الصحة؛ فالثورات في علم الصيدلة، والتقنيات الطبية، والتغذية، والتحسينات في مجال الرعاية الصحية العامة تعد بمستقبل أكثر صحةً لسكان العالم. من الطبيعي أن نسعد بهذا، ولكننا مضطرون لدفع ثمن التطور. نعيش اليوم تحت تهديد وباء من حالات عصبية مرتبطة ب تقدم السن مثل: مرض باركنسون. ومن المحتمل أن تؤثر علينا أكثر من أي وقت مضى، ما يُمهّد الطريق لتحدٍ طبي لم يسبق له مثيل.
يحذّر (باتريك بروندين -Patrik Brundin)، -رئيس تحرير مجلة (داء باركنسون-The Journal of Parkinson’s Disease)-، قائلًا: «بحلول عام 2040، يمكننا أن نتحدث حقًا عن وباء يزيد معاناة البشرية، فضلًا عن زيادة التكاليف الاجتماعية والطبية».
يسلط بيان صحفي -في المجلة- الضوء على مؤشرات تنبئ بتضاعف نسب الإصابة بداء باركنسون خلال عقود مقبلة، قد تصل إلى 3 أضعاف بعد 20 عامًا مقارنةً بالنسب الحالية. لا يقتصر التزايد على مرض باركنسون فحسب، فالمشكلة تشمل اضطرابات أخرى كالخرف وألزهايمر. سنرى أجسامنا مثقلةً بأمراض لم نعهدها على الإطلاق.
تكمن المشكلة بالدرجة الأولى في شُحّ المعرفة حول عدد الحالات العصبية.
روقِب مرض باركنسون منذ أوائل القرن التاسع عشر. ففي عام 1817، وقد حدد جرّاح بريطاني بارز يدعى: (جيمس باركنسون-James Parkinson) خصائص هذا المرض التنكسي في أطروحة عن الشلل الرعاشي. ترتبط اليوم أعراض مثل: (ارتعاش الأطراف، وإعاقة الحركة، والجمود، وتغيرات المزاج) مع فقدان الأنسجة المنتجة للدوبامين المتواجدة في عمق أحد مراكز التحكم في الدماغ، والتي تُسمى: (النوى القاعدية-Basal Ganglia).
يُقدّر عدد المصابين بمرض باركنسون (الشلل الرعاشي) عام 2016 بنحو 6.1 مليون شخص حول العالم، أي أكثر من ضعف الأرقام في تسعينات القرن الماضي. لا يُعتبر انخفاض إنتاج الدوبامين مميتًا، لكن الخسارة الكلية للوظيفة -نتيجة تقدم السن في الشيخوخة العامة- يُنبِّئ بمتوسط عمر [7-14] عامًا بعد التشخيص.
للأسف يُتوقع اليوم أن يموت حوالي 200 ألف شخص كل عام بشكل مبكر ضحية لهذا المرض. قد ترتفع احتمالية الإصابة بالمرض إلى 12 مليونًا مع العشرين سنة القادمة؛ وذلك نتيجةً لتغير التركيبة السكانية فقط.
ثمة دليل على أن بدايات مرض باركنسون مرتبطة بتغيرات في ميكروبات الأمعاء، والتي تقوم عادةً بتفكيك خليط متنوّع من المبيدات الحشرية والأدوية والملوثات الموجودة في بيئتنا، يمكن لهذه الأرقام أن تزداد إلى أبعد من ذلك. من الغريب أن هناك عامل مفارقة آخر في العمل قد يؤدي إلى زيادة العدد حتى يصل إلى 17 مليونًا.
لاحظ الباحثون وجود علاقة غريبة بين استخدام التبغ وداء باركنسون منذ أكثر من 50 عامًا، وما زالت واضحة حتى اليوم. تبدو هذه العلاقة مربكة؛ إذ ينخفض خطر المرض بنسبة كبيرة تصل إلى 40% بين المدخنين على المدى الطويل! ما زالت الآلية الدقيقة وراء هذه العلاقة غامضةً، ومع ذلك لا يُنصح بالتدخين على أساس هذه العلاقة السّببيّة نظرًا إلى مجموعة المخاطر الصحية الواسعة التي تُسبّبها السجائر.
ولكن إذا كان الأمر كذلك، فقد تساهم حملات مكافحة التدخين دون قصد في إظهار وباء جديد على الساحة لا يؤدي لخسائر فادحة في المعاناة فقط، وإنما يتعدى لعواقب فظيعة على مستوى الموارد المالية والبشرية أيضًا. بالإضافة لعلاقة المرض بالتدخين، يرى الفريق أن العوامل البيئية -مثل منتجات الصناعة بشكل عام- يمكن أن تكون مسؤولةً عن ظهور المرض أيضًا.
قد تبدو الأخبار محبطةً، ولكن تذكر المقولة: «قد أعذر من أنذر»، فمن الأفضل أن تُحذّر مبكرًا. إذ يمكننا التحرك الآن ودعوة الباحثين لمقاومة ارتفاع هذه الأرقام.
يقول طبيب الأعصاب (راي دورسي-Ray Dorsey) -من مركز (روتشيستر الطّبي-Rochester Medical Care)-: «واجه المجتمع وباء شلل الأطفال، وسرطان الثدي، وفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب HIV بدرجات متفاوتة في القرن الماضي بنجاح». ويضيف قائلًا: «سر نجاح هذه الجهود يكمن في النشاطات الجبّارة».
ولهذا السبب يدعو دورسي وزملاؤه مجتمع باركنسون -من الباحثين والمرضى والمعرضين لخطر الإصابة- إلى رفع الوعي حول وسائل الوقاية المعروفة، والدعوة إلى التمويل، والمساعدة في الترويج أو البحث عن علاجات ومنهجيات رعاية جديدة. يقول الباحثون إن الوباء ليس حتميًا، سيتطلّب الأمر بعض الجهد، ولكن ما تزال الفرصة مُهيأةً للوصول إلى مجتمع صحي أفضل، إذا واصلنا العمل معًا.
نُشرت هذه المراجعة في مجلة داء باركنسون.
اقرأ أيضًا:
- هل يمكن لحقن الملايين من الخلايا الجذعية في الدماغ بأن يشفي من داء باركنسون؟
- مفاجأة: الزائدة الدودية هي مكان نشوء مرض باركنسون
- اكْتِشاف جُزيء جديد يمكن أن يوقف الضرر العصبي الذي يُسببه داء باركنسون
- يمكن للنّقاط الكمومية في الدماغ علاج مرض باركنسون وألزهايمر
ترجمة: بشر معلولي
تدقيق: تسنيم الطيبي