ربما لم يسمع الكثير من الناس به، ولكن داء ترسب (الأصبغة الدموية – Haemochromastosis) الوراثي هو أكثر الأمراض الوراثية شيوعًا في العالم الغربي، وتُقدر إصاباته بـ 250 ألف شخص من أصل أوروبي في المملكة المتحدة ومليون شخص في الولايات المتحدة. تسبب الجينات المعيبة فرط امتصاص الحديد ، فيتراكم في بعض الأحيان لمستويات سامة. تبين الآن أن هذه الجينات المعيبة تسبب ضررًا في الجسم أكثر مما كان يُعتقد سابقًا، لكن الخبر السار هو أن العلاج بسيط، إذ ينطوي على التبرع بالدم لتخفيض مستويات الحديد.

على مدى خمس عشرة سنة مضت، ركزت مجموعتنا البحثية في جامعة إكستر على السؤال التالي: «لماذا يُصاب بعض كبار السن بالمرض والضعف في الستينيات من أعمارهم، في حين يبقى آخرون نشيطين دون وجود المرض حتى التسعينيات وما بعد؟». في دراستنا الأخيرة، استخدمنا بيانات من البنك الحيوي في المملكة المتحدة -والذي يحتوي على بيانات وراثية وطبية لنصف مليون شخص- للعثور على الجينات المرتبطة بشيخوخة العضلات، والبحث في الحمض النووي للبشر.

الأمراض الوراثية فرط امتصاص الحديد التبرغ بالدك الأصبغة الدموية الجينات المعيبة

الأمراض الوراثية

للمفاجأة، وجدنا في الدراسة علاقة بين الجين المسؤول عن داء ترسب الأصبغة الدموية والضعف العضلي والألم المزمن والضعف لدى كبار السن ممن لم يُشخصوا بهذا المرض. درس البنك الحيوي البريطاني 500,000 متطوع قوبلوا عندما كانت أعمارهم 40 إلى 70 عامًا، ولدينا بيانات من سجلات المشافي الخاصة بهم لمدة متوسطها سبع سنوات بعد المقابلة.

تمكنا من دراسة 2890 شخصًا يعانون من كلا الجينين المعيبين المسؤولين عن داء ترسب الأصبغة (طفرات HFE C282Y)؛ ما جعل الدراسة أكبر بعشر مرات من أي دراسة مماثلة سابقة.

عواقب وخيمة إذا لم تعالج مبكرًا

تفيد أوراقنا في (المجلة الطبية البريطانية – BMJ) و(مجلة طب الشيخوخة -Journal of Gernotology) بأن أولئك الذين يملكون الجينين الطافرين لديهم أربعة أضعاف من معدل الإصابة بأمراض الكبد وضعف معدل الإصابة بالتهاب المفاصل مقارنة مع عموم الناس. لديهم أيضًا معدلات أعلى من سرطان الكبد والسكري (كلا النوعين 1 و 2)، والألم المزمن والتعب. شملت الآثار كلتا المجموعتين؛ الأصغر سنًا (40 إلى 59 عامًا) والأكبر سنًا (60 إلى 70 عامًا).

تُشاهَد التأثيرات الأكثر شدة للجينات المعيبة بشكل متكرر في مراكز الرعاية الصحية. فقد وُجد الجينان المعيبان لدى 1.6% من الرجال الذين خضعوا لاستبدال مفصل الورك في دراسة البنك الحيوي البريطاني. حمل أيضًا حوالي 6% في الدراسة من مرضى سرطانات الكبد هذه الجينات المعيبة. تُشخَّص النساء بداء ترسب الأصبغة الدموية الوراثي بعمر أكبر من الرجال، بسبب امتلاكهنّ حماية جزئية من خلال فقدان الحديد خلال الدورة الشهرية وإنجاب الأطفال، على الرغم من إصابة بعض النساء الأصغر سنًا بالمرض.

يمكن الوقاية من معظم أمراض الكبد والتهاب المفاصل والسكري والإجهاد والألم وضعف العضلات إذا بدأ العلاج قبل أن يحدث التلف الذي يسببه تراكم الحديد.
وللحفاظ على مستويات منخفضة من الحديد، يحتاج الأشخاص الذين يحملون الجينين المعيبين إلى إعطاء دم ثلاث أو أربع مرات في السنة. حتى إن الدم يمكن أن يُستخدم في العمليات التي تحتاج إلى نقل دم، ولكنه أمر نادر الحدوث.

إذا تُرك المرض دون علاج، يمكن أن يتراكم الحديد لمستويات عالية جدًا مسببًا أضرارًا دائمة، عندها يجب أن يُسحب الدم مرة واحدة كل أسبوعين لمدة عام ويُتلف. تظهر النماذج الاقتصادية أن الفحص الروتيني للأشخاص من أصل أوروبي لداء ترسب الأصبغة الدموية كان ذا فائدة عظيمة.

ربما شاعت طفرة امتصاص الحديد عندما تحول الصيادون من اصطياد الأسماك الغنية بالحديد إلى الزراعة في مناطق قليلة الحديد منذ أكثر من 10.000 عام. فكانت كنوع من التطور والتأقلم لزيادة امتصاص الحديد. يحمل ما بين 10% و15% من الأشخاص الذين ينحدرون من أصول أوروبية شمالية نسخة واحدة من طفرة C282Y، مع وجود واحد في كل 150 شخصًا يرث النسختين الطافرتين. تملك الشعوب من أصول جنوب أوروبية حوالي نصف هذا المعدل من الجينات المعيبة.

هناك حاجة إلى مزيد من الفحوصات

لا يمكن تشخيص أعراض ترسب الأصبغة الدموية بسهولة دون فحص دم أو اختبار جيني محدد. تتطور آلام المفاصل والتهاب المفاصل في الاصطباغ الدموي بطريقة مشابهة لالتهاب المفاصل، مع وجود بعض الفروق بين الاثنين يصعب اكتشافها. بالطبع، يقابل الأطباء العديد من المرضى الذين يعانون التعب ومعظمهم لا يعاني من هذا المرض.

في بعض الأحيان يخطئ البعض في وصف آلام المفاصل والتعب كعلامات طبيعية للشيخوخة من قبل كل من المرضى والأطباء. فقط عند حدوث ضرر كبير على الكبد، يصبح من السهل التعرف على المرض.

من الواضح أن هناك حاجة لإجراء اختبار روتيني إذا شُخّص المرض في وقت مبكر، ومن المثير للدهشة معرفة إمكانية تجنب هذا المرض بمثل هذا العلاج البسيط، وإن احتمال خفض معدلات الضعف إلى النصف عند كبار السن بهذه الجينات المعيبة أمر غاية في الروعة أيضًا.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: بشر معلولي
تدقيق: علي فرغلي

المصدر