اتجه العلماء منذ منتصف القرن الماضي، للبحث المتعمق في رابط غريب جدًا، يربط بين ولادة الشخص أعمى وحمايته من الإصابة بالفُصام -Schizophrenia. والآن، بعد دراسات واسعة النطاق، تمكن العلماء من تأكيد هذا الرابط . ويبدو، بشكل خاص، أن المصابين بالعمى القشريّ-Cortical Blindness الناتج عن مشكلة في قشرة المخ – لا بسبب مشاكل في العين – لا يصابون ب الفصام . ووفقًا لآخر الأبحاث، لم يتبين حتى الآن ظهور الفصام لدى أيّ من المصابين ب العمى القشري .

الفصام

الفصام

حلّلت الدراسات السابقة بيانات 467,945 طفلًا من غربي أستراليا وُلدوا بين عامي 1980 و2001. من هذه العينة، 1840 طفلًا، الذين يشكلون نسبة 0.4% من العينة، أُصيبوا بالفصام. لكن، لم يُظهِر أيّ من الأطفال المصابين بالعمى القشري إصابةً بالفصام. وقال الباحثون في جامعة أستراليا الغربية: «لاحظنا هذه الظاهرة عند دراسة العمى الولادي القشري لدى مجموعة من الأفراد، ودُعمت هذه الملاحظات بالكثير من المعطيات؛ مثل البيانات السكانية، ومذكرات العناية الصحية، والاستقصاءات السريرية».

إن الإسهام الكبير للدراسة في فهمنا للطريقة التي يعمل بها مرض الفصام، بالإضافة إلى إمكانية إسهامها في تطوير طريقة معالجته مستقبلًا يجعل من هذه الدراسة مهمةً جدًا. وعلينا في هذا السياق أن نسترجع القول المأثور: «غياب الدليل ليس دليلًا على الغياب»؛ بمعنى أن عدم وجود مرضى عمى قشري مصابين بالفصام، لا يجعل من العمى القشري العامل الرئيسي في عدم الإصابة بالفصام.

لاحظ الباحثون أن أعمار المرضى من العينة المدروسة تراوحت بين 14 و 35 سنة، ويمكن لمرض الفصام أن يظهر في مراحل لاحقة من العمر. ولكن مطابقة نتائج الدراسات الحديثة مع نتائج الدراسات القديمة يجعل من هذا الموضوع مجالًا قيمًا للبحث في المستقبل. وباعتبار العمى القشري يحميك من الفصام، فكيف يتم ذلك إذًا؟

ما زال هذا الأمر غير مؤكد حتى اليوم، وتشير إحدى الفرضيات إلى أن ولادة الشخص أعمى تعزز عمل بعض مناطق الدماغ، التي تتضرّر عند الإصابة بالفصام، كتلك المسؤولة عن إدراك الأصوات والانتباه، والذاكرة، والقدرات اللغوية. وقد وجدت الدراسة انخفاضًا في معدلات الفصام لدى المصابين بالعمى المحيطي، لكن العمى المحيطي لم ينطوي على تغيرات في الدماغ بذات القدر لتغيرات الدماغ الحاصلة في العمى القشري.

اقترح العلماء إمكانية تعميم هذا الرابط لأمراض ذهانية أخرى. قد يكون فقدان الاتصال مع الواقع -الذي يحدث في مرض الفصام، ويؤثر على أجهزة الإحساس بالدماغ- غير كاملٍ على الأرجح عند المصابين بالعمى الولادي. وصرّح الباحثون في مجلة «أبحاث الفصام»: «لا يمكِّننا هذا الأمر فقط من المساهمة في تطوير علاج للفصام، بل قد يمكّننا من التنبؤ بسير المرض مستقبلًا، ومحاولة التخفيف من حدّته مع الزمن.

تعطي هذه الدراسة وميض أملٍ للتدخل في علاج الفصام، والوقاية منه أيضًا، ويمكن أيضًا اتخاذ العديد من الإستراجيات العلاجية التي ستساعد على إعادة تنظيم الوظائف القشرية، والتدريب المبكر على تدعيم الإدراك، مع التركيز على وظائف الحس الإدراكية«.

ترجمة: عيسى ضومط
تدقيق: آية فحماوي

المصدر

اقرأ أيضًا:

ما علاقة الفصام -الشيزوفرينيا- بفيتامين د؟

اكتشاف طريقة جديدة للكشف المبكر عن الفصام قبل ظهور الأعراض!

الدماغ الأعمى، عندما يستحيل على الأشخاص التفكير بأي صورة

ماذا يحصل إذا تناول مكفوف دواء مهلوسًا LSD ؟