بين الحين والآخر، يغير المجال المغناطيسي الأرضي خطوطه مرسلًا زخات من الجسيمات المشحونة التي تسقط ضمن الغلاف الجوي الأرضي . استطاعت ناسا أخيرًا عبر أقمارها الصناعية المكونة من أربعة أقمار تعمل ضمن مشروع البعثة المغناطيسية متعددة المهام (MMS) Magnetospheric Multiscale Mission تسجيل هذه الظاهرة بتفاصيل عالية الجودة على الجانب المظلم من الأرض (البعيد عن الشمس) موفرة معلومات ضرورية عن ظاهرة تهيج الرياح الشمسية على امتداد النظام الشمسي .

تمكن الباحثون في وقت سابق من وضع تفاصيل لحدث مماثل في المنطقة المقابلة للشمس من الغلاف المغناطيسي في أكتوبر 2015. أما الآن، فقد تمكنوا من مشاهدتها في ذيل الفقاعة المغناطيسية الهائلة مذنبة الشكل التي تحيط بعالمنا. أعطتهم هذه المشاهدة تصورًا جديدًا عن هذه الظاهرة كاشفة تيارات منتظمة من الإلكترونات المنسابة عالية الطاقة التي تتحرك بسرعة أكثر من (15000 كم/الثانية). نظرًا لمخاطر هذه الحالة من الهيجان المغناطيسي، يجب علينا أن نعرف قدر المستطاع المزيد عن هذه النشاطات المذهلة. كان هذا حدثًا استثنائيًا، هذا ما قاله نائب المدير الرئيسي في الـ MMS Mission (روي توربيرت – Roy Torbert).

الغلاف المغناطيسي

الغلاف المغناطيسي

يحمي سطح كوكبنا نفسه من الأمطار المستمرة للإلكترونات عالية السرعة والبروتونات المتدفقة من الشمس بواسطة مظلة مغناطيسية، يتطوى ويتموج نسيج هذه المظلة بالطاقة دافعًا الجسيمات على طول القنوات الحلقية، معيدًا إياها نحو الفضاء في نهاية المطاف. يعد هذا أمرًا جيدًا، إذ إن وجود هذه الجسيمات هنا على السطح ليس مناسبًا؛ لأن وجود كمية قليلة منها يمكن أن يسبب فوضى في شبكات الطاقة والنظام الإلكتروني الحساس. لا تبقى كل هذه الجسيمات في ممراتها المغناطيسية ثابتة كما هي ويمكن مشاهدة تأثيراتها الشاردة عن موقعها وهي تصطدم بالغلاف الجوي على هيئة ما يُعرف بالشفق القطبي عند أقطاب الأرض على سبيل المثال.

يعيد المجال المغناطيسي لهذه القنوات المرتبكة الحركة أحيانًا مشكلًا ما يُعرف بـ (إعادة الاتصال المغناطيسي) ناشرًا محتوياته على هيئة انفجار مقتضب للجسيمات النشطة. معرفة أن هذه الظاهرة موجودة شيء، ومشاهدتها وهي تحدث بوضوح عال شيء آخر يساعدنا كثيرًا في تحسين أفكارنا حول كيفية حدوثها لا على كوكبنا فقط وإنما على امتداد الكون كله. بعد كل شيء، فإن هذه الأحداث المتفجرة هي المسؤولة عن الاندفاع الحاصل في البروتونات والإلكترونات في المقام الأول ثائرة بهيئة تقرحات على النجم العملاق مرسلة رياحًا نشطة من الجسيمات المشحونة خلال النظام الشمسي.

يقول توربيرت: «هذا هام بالنسبة لنا، فكلما عرفنا وفهمنا أكثر عن عملية إعادة الاتصال المغناطيسي هذه استطعنا التحضير للأحداث القصوى المحتمل حدوثها حول الأرض أو أي مكان آخر في الكون». يحيط التشكيل الهرمي الرباعي لأقمار (MMS Mission) بكوكبنا بحلقات مدارية واسعة تغطي مسافة حوالي (153,000 كم) من السطح. يعود هذا بدرجة كبيرة إلى شكل الغلاف المغناطيسي غير المنتظم والذي يتشوه عند الارتفاعات العالية بواسطة المجال المغناطيسي الشمسي مسببًا تدفقًا لتيارات من الجسيمات بهيئة ذيل طويل يمتد ليصل إلى الجانب المظلم من الأرض (البعيد عن الشمس). جمعت أقمار الـ MMS معلومات عن الغلاف المغناطيسي المواجه للشمس في أول ثلاث سنوات من مهمتها. تصطدم الجسيمات ب المجال المغناطيسي مشكلة مناطق مختلفة الكثافة تسبب تفاوتًا في الخطوط المغناطيسية الناتجة من إعادة الاتصال المغناطيسي.

أما الجزء الذي يمثل ذيل الغلاف المغناطيسي فله قصة مختلفة تمامًا؛ إذ تصطف تيارات الجسيمات بصورة متناظرة أكثر معطية انطباعًا جديدًا عن كيفية حدوث عملية (إعادة الاتصال المغناطيسي). يقول توربيرت: «عرفنا منذ فترة طويلة أن هذه الظاهرة تحدث بنوعين من الأنظمة، المتناظرة وغير المتناظرة، لكن هذه كانت المرة الأولى التي نشاهد فيها عملية إعادة اتصال مغناطيسي متناظرة». تبدو عملية التناظر هذه وكأنها نسخة هادئة أكثر من الأمواج المغناطيسية فوضوية النشاط على الجانب المقابل للشمس. قال توربيرت مضيفًا: «يبدو أن هذه العملية فعالة جدًا، أي اضطراب لن يكون قويًا كفاية لبعثرة الملامح المحددة لتوزيعات سرعة الإلكترون الناشئة ضمن المجال المغناطيسي حول منطقة تبدد الطاقة». باعتمادنا أكثر على مجال التكنولوجيا الإلكترونية في مراقبة السطح وما يرتفع فوقه، سنحتاج أن نعرف كيفية تتبع تلك الجسيمات عالية الطاقة من الشمس نحو مناطق آمنة خلف مدار الأرض.

ترجمة: رياض شهاب تدقيق: سلام طالب

المصدر

اقرأ أيضًا:

كيف يمكن للطيور أن ترى المجال المغناطيسي للأرض؟

شذوذ غريب تحت قارة أفريقيا يضعف الحقل المغناطيسي للأرض

يكتشف الفلكيون -للمرة الأولى على الإطلاق- ثقبًا أسودَ يستخدم حقلًا مغناطيسيًا للتغذيّة

من المُحتمل أن تكون الأرض قد حَظيت بمجالٍ مغناطيسيٍ فريدٍ في الماضي، أخبار جيدة قد تساعدنا في البحث عن حياةٍ في الفضاء!