ماذا تخبرنا فوهات النيازك على القمر عن الارض و النظام الشمسي ؟ حيث أن الاصطدامات النيزكية تحظى بسمعة سيئة للغاية، إذ يظل حدث انقراض الديناصورات شاهدًا على آثارها المُدمِّرة. ولكن في الواقع، القمر هو الذي ينال النصيب الأكبر منها كونه مُستشريًا في الفضاء العنيف المُحيط بنا، إذ يعجُّ سطحه بندبات نتيجةً لتلك الاصطدامات العنيفة.

على النقيض، لا نرى على سطح الأرض مثل ما نراه على القمر من ندبات وهذا يرجع لوجود العديد من عوامل التعرية على الأرض تعمل على إزالة الفوهات والآثار الناتجة عن أية اصطدامات نيزكية، فباتت دراسة الاصطدامات النيزكية وتاريخها على الأرض تحديًا صعبًا يواجه العلماء، لذلك قرر العلماء اللجوء إلى دراسة جديدة تهدف إلى الاستدلال على الاصطدامات النيزكية بالأرض من خلال الفوهات والندبات على سطح القمر، إذ يُمكن أن تكون مرجعًا لتلك الاصطدامات العنيفة بالأرض والقمر على حدٍّ سواء، وأشارت بعض العلامات إلى أن الفضاء المحيط بنا كان أكثر عنفًا منذ حوالي 290 مليون سنة، فقد هدأت الأوضاع الآن مقارنةً بالماضي.

قالت (نيكول زيلنر– Nicolle Zellner) عالمة الفيزياء بكلية (ألبيون– Albion) في ميتشيغان، وغير المشاركة بتلك الدراسة: «إنها دراسة ممتازة لديناميكيات نظامنا الشمسي، ومن الجيد وجود هذا النوع من الدراسات، كما أنها ستدفع العلماء إلى التفكير بها واختبارها».

بالنسبة للمقاييس الفلكية؛ فإن الأرض قريبةٌ للغاية من القمر، ما يجعل اصطدام النيازك بهما يحدث بنفس المعدَّل تقريبًا. وبفعل كبر مساحة سطح الأرض وجاذبيتها الضخمة مقارنةً بالقمر، ربما يصطدم بها عدد أكبر مما يصيب القمر، ولكن إذا حسبنا نسبة الاصطدامات لكل ميل مربع واحد من مساحة السطح، سنجد أن النسبة واحدة تقريبًا بين الأرض والقمر.

تعرَّف العلماء على حوالي 180 فوهة فقط على سطح الأرض مقارنةً بمئات الآلاف منها على القمر، إذ تقوم عوامل التعرية على الأرض بإزالة هذه الفوهات والندبات عبر الرياح، والأمطار، والحركات التكونية. قالت (سارة مزروعي– Sara Mazrouei) عالمة الكواكب التي قادت هذا البحث خلال رسالتها للدكتوراه بجامعة (تورونتو– Toronto): «إن القمر ممتاز لدراسة فوهات التصادم، فكل شيء يظل كما هو هناك».

صورة للقمر مع تتابع فوهاته الكبيرة والصغيرة.
حقوق الصورة: (د. أليكس باركر– Dr Alex Parker) من مؤسسة البحث الجنوبية الغربية

ولدراسة تاريخ تلك الاصطدامات لا يحتاج العلماء فقط إلى إيجاد الفوهات، بل وتحديد عمرها أيضًا، الذي يزيد صعوبة المهمة تحديدًا بالنسبة للقمر، إذ لن يتمكن الجيولوجيون من الحصول على عينات من هذه الفوهات القمرية بطريقة مباشرة، لذلك توصل الفريق البحثي لهذه الدراسة إلى طريقة فريدة لدراسة فوهات القمر عن طريق تتبّع مدة احتفاظ الصخور قرب الفوهات بطاقتها الحرارية.

قد تبدو هذه القياسات عشوائية للغاية، ولكن عندما يصطدم أحد النيازك الضخمة بالقمر فإنه يجرف فوهةً ضخمة على السطح مُحاطةً بأجزاء من هذا النيزك بأحجام كبيرة إلى حدٍّ ما. هذه البقايا بدورها تتعرض لاصطدامات ببعض الشهب والنيازك الصغيرة والتي تفتتها إلى أجزاء وبقايا ترابية صغيرة الحجم بمرور الوقت.

لذلك استنتج العلماء أن الفوهة المحاطة بالبقايا الصخرية صغيرة الحجم أقدم عمرًا من الفوهات المحاطة بالبقايا كبيرة الحجم، وعندما يحل ليل القمر الذي يستغرق أربعة عشر يومًا بعد نهاره المشمس المُستغرِق المدة نفسها، تبدأ الصخور بفقدان حرارتها التي اكتسبتها خلال هذا النهار المشمس الطويل، الفكرة هنا أن الصخور الأكبر حجمًا تفقد حرارتها بشكل أبطأ خلال هذا الليل مقارنةً بالأجزاء والبقايا الترابية التي سرعان ما تفقد حرارتها وتبرد، قالت مزروعي: «كلما زاد عمر الفوهات، قلَّ تماسكها الصخري». بالتالي تبرد بسرعة أكبر.

ولذلك كشفت مزروعي وفريقها على نتائج التصوير الحراري لسطح القمر من خلال إحدى الأدوات المسماة بـ(المتنبئ– Diviner) على متن (مستكشف القمر المداري– Lunar Reconnaissance Orbiter) الذي يدور حول القمر منذ عام 2009، تعرَّف الفريق على 111 فوهة مُعتقدين أن عمرها أقل من بليون سنة، وحلّلوا البيانات الحرارية لتلك الفوهات واستخدموا نموذجًا لمعرفة المدة الزمنية التي تستغرقها الصخور القمرية للتفتت وذلك للتوصل إلى تقدير عمر تلك الفوهات؛ أظهرت النتائج نمطًا مثيرًا للاهتمام، تصاعد في معدلات الاصطدام منذ حوالي 290 مليون سنة، إذ تظهر معدلات التصادم متضاعفة في هذه الحقبة. وهذا يقترح حدوث شيء مميز في نظامنا الشمسي منذ 290 مليون سنة.
يقترح الفريق أنه ربما حدثت هذه الاصطدامات في تلك الفترة نتيجة تحطم كويكب ضخم وانفصاله من حزام الكويكبات ومروره

بجانب الأرض والقمر. وبمقارنة الفوهات المعروفة على الأرض بهذه النتائج على القمر، وجد الفريق نمطًا متشابهًا بشكل كبير وهذا ما استنتج منه العلماء أن هذه الفوهات التي قاموا بدراستها على القمر أعطت نتائج صحيحة رغم قلة عددها.

لم يقتنع الجميع بنتائج تلك الدراسة، قال (جاي ميلوش– Jay Melosh) عالم الكواكب بجامعة (بوردو– Purdu) وغير المشارك بتلك الدراسة: «النتائج مثيرة للاهتمام، ولكن ما يدعم صحة تلك الاستنتاجات ضعيف للغاية»، لم يقتنع ميلوش تحديدًا بنموذج تفتت الصخور القمرية، إذ يرى أن هذا النموذج لا يتضمن سرعة تفتت بعض الصخور، وليس هناك ما يكفي من الفوهات على الأرض لدعم هذه الإحصائيات الصخرية؛ فهو قلق من أن الفريق يعمل على عينة ضئيلة للغاية، وتابع ميلوش: «لا يعني هذا أن تلك الدراسة خاطئة، ولكنها ليست صحيحة أيضًا، نحن حقًا لا نعرف، إنها محاولة نبيلة للتعمق ضمن المعلومات المتاحة».

تفهم زيلنر مدى صعوبة دراسة الفوهات القمرية، إذ درسَت بعض البقايا الزجاجية الناتجة عن اصطدام النيازك بالقمر، التي أحضرها إلى الأرض روّاد برنامج أبولو لاستكشاف القمر، ولكن حتى مع الإمكانيات المعملية، من الصعب تقدير عمر هذه البقايا كما أنها أُحضِرت من رقعة صغيرة من سطح القمر مقارنةً مع نتائج المستكشف المداري التي تغطي السطح بأكمله ولكن من بعيد فقط، لذلك لا توجد طريقة مثالية الدقة. قالت زيلنر: «نحن نفعل ما بوسعنا الآن، إنه العلم، أليس كذلك؟ نضع أفكارًا، ثم نوجد طرقًا لاختبارها، إما أن تصمد وتُثبت صحتها أو لا».

قدم هؤلاء العلماء الثلاثة أسبابًا قوية للدلالة على مدى أهمية دراسة الاصطدامات القمرية وتاريخها، أولها أن تلك الفوهات الأرضية قد يكون لها بعض الآثار الجانبية غير المُبشِّرة، قال ميلوش: «جميعنا مهتمون بمعدلات تكوّن الفوهات على سطح الأرض، فنحن بالطبع لا نريد أن ينتهي بنا الحال كما حدث مع الديناصورات»، فالآثار الكارثية لذلك الاصطدام محت ثلاثة أنواع حيوية من أصل أربعة أنواع كانت تحيا على الأرض في ذلك الوقت، وهذه الانقراضات أفسحت مجالًا أمام الثدييات لتنجو وتتطور، تابع ميلوش: «يجب أن نكون مُمتنين لهذا النيزك، ولكنه بالطبع كان مُريعًا لكل ما هو حيّ على الكوكب في ذلك الوقت»، فبدراسة هذه التصادمات يمكننا أن نحمي جنسنا البشري من تلك الكوارث العنيفة فيما بعد.

أما زيلنر فترى الأمر بنظرة غريبة: إذ ترى أن دراسة النظام الشمسي عن كثب لن يُمكّننا فقط من فهم الفضاء المجاور لنا، بل سيُمكّننا من فهم العمليات التي أدّت إلى تشكل الأنظمة النجمية الخارجية البعيدة عنا والتي يحاول العلماء اكتشافها.
ترى مزروعي عملها مثالًا لكيفية الطرق التي تؤثر بها الأجرام السماوية في فضائنا الشمسي على بعضها البعض، ويتطلع أحد معاونيها إلى مهمة (BepiColombo) المتجهة إلى كوكب عطارد والمزوَّدة بمعدات مثل المعدات الموجودة على القمر، إذ يرى أنها ستضيف المزيد في مجال دراسة الفوهات النيزكية.

الأرض مكان ممتاز للمعيشة، ولكن العلماء لن يتمكنوا من دراسة تاريخها الكامل وهم بمنزلهم، لأن ذلك يتطلب دراسة القمر بفوهاته العريقة لفهم ما مرَّ بكوكبنا في الماضي، قالت مزروعي: «سنتمكن أيضًا من فكِّ الكثير من التعقيدات المُتعلقة بتاريخ كوكب الأرض».

لمزيد من المعلومات المُتعلقة بهذه الدراسة، يمكنك قراءة هذه الورقة التي تصف البحث والتي نُشرت في السابع عشر من يناير عام 2019 بجريدة العلوم.


  • ترجمة: محمد شريف
  • تدقيق: سلام طالب
  • تحرير: مازن سفّان
  • المصدر