نمط حياة وحيد الخلية الجيلاتيني، قد حلَّ للتو مشكلةً معقّدةً بشكل متزايد يستخدمها العديد من الباحثين لاختبار الخوارزميات.

والأكثر إثارةً للإعجاب أن المشكلة تزداد صعوبةً، في الواقع الشكل اللزج للأميبا قد حلّ المشكلة بطريقة مختلفة تمامًا ويمكن القول أنّها أكثر كفاءةً من معظم الخوارزميات.

وتشير النتيجة إلى أنّ أنماط الحياة البسيطة هذه قد تقدّم في الواقع طريقة معالجة بديلة لأجهزة الكمبيوتر التقليدية.

أو بعبارة أكثر بساطةً، يمكن لأجهزتنا الإلكترونية الحديثة أنّ تتعلّم شيئًا ما من الأميبا.

لكي نكون واضحين، الأميبا على طول امتدادها لم تكن أسرع من أجهزة الكمبيوتر، لكن في حين أنّ المشكلة أصبحت أكثر تعقيدًا بشكل كبير، فإنَّ زمن معالجة الأميبا ازداد خطيًا فقط. يمكنك أن ترى لماذا هذا الفرق الكبير أدناه.

المشكلة التي كان يجب حلّها هي مشكلة مندوب المبيعات المتنقل TPS، هي في الأساس مشكلة التحسين التي تطلب من الكمبيوتر النظر في قائمة المدن ومعرفة أقصر المسارات، بحيث تتم زيارة كل مدينة بالضبط مرةً واحدةً.

مع إضافة المزيد من المدن إلى مسار الرحلة، تصبح المشكلة أكثر تعقيدًا. مع وجود أربع مدن في القائمة لا يوجد سوى ثلاثة مسارات ممكنة للاختيار من بينها، لكن في حالة وجود 8 مدن يقفز الحل إلى 2520 مسارًا.

وبعبارة أخرى، فإن الأمر يزداد صعوبةً بشكل كبير، وستتطلّب معظم الأنظمة كثيرًا من الوقت لإيجاد أفضل المسارات.

لكن فريقًا من الباحثين من جامعة كيو في اليابان قرروا ترجيح المشكلة إلى “الشكل الحقيقي اللّزج” للأميبا “متعدد الرؤوس اللّزج”، وفوجئوا باكتشاف أن المدن ازدادت من أربعة إلى ثمانية، يحتاج الكائن وحيد الخلية فقط إلى كمية خطية من المزيد من الوقت لإيجاد مسار معقول (مثالي تقريبًا).

كتب الباحثون في الجمعية الملكية المفتوحة للعلوم: «نحن نظهر في هذه الدراسة أنّ الوقت الّذي يستغرقه البلازموديوم للوصول إلى حلٍ عالي الجودة إلى حد معقول لقضية مندوب المبيعات المتنقل ينمو خطيًا مع زيادة حجم المشكلة من أربعة إلى ثمانية».

«قد تؤدي هذه النتائج إلى تطوير أجهزة الكمبيوتر التناظرية الجديدة التي تمكّن من حل تقريبي لمشاكل التحسين المعقدة في زمن خطيّ».

بالطبع، الأميبا لا تعرف ماهي المدن (على حد علمنا) لذلك في هذا الإصدار من “مندوب المبيعات المتنقل” كانت المدن 64 قناةً ضيقةً (8 مدن تحتوي كل منها على 8 قنوات) في صفيحة مستديرة وضعت فوق مادة هلامية.

تدخل الأميبا القنوات، للوصول إلى المادة الهلامية وامتصاص المواد الغذائية بكفاءة، مسار مندوب المبيعات الذي يختاره هو شكل جسمه المتغير باستمرار.

لذلك يأخذ شكل جسم واحد عندما يدخل قناةً واحدةً، وشكل جسم مختلف عندما يدخل ثانيةً، وهكذا.

للتأكد من أنّ الأميبا قد دخلت “المدن” بطريقة مثلى، استخدم الباحثون ضوءًا -الّذي لا يروق للأميبا- لإلقائه على بعض القنوات التي كانت متباعدةً للغاية أو التي دخلتها بالفعل، وإيقافها عن دخول عدة قنوات في وقت واحد.

وقد اندهش الفريق، الأميبا لم تستغرق وقتًا طويلًا لمعرفة طريق معقول (تقريبًا الأمثل) لدخول 8 قنوات مختلفة عن دخول 4 قنوات، على الرغم من الزيادة في عدد التكوينات المحتملة.

ومن المثير للاهتمام، أن الفريق أضاف بأن جودة الحل لا تنخفض على الرغم من التوسع الهائل في مساحة البحث.

لكي نكون منصفين، أجهزة الكمبيوتر التقليدية هي سهلة جدًا وتسطيع أيضًا حل المشكلة في زمن خطي، إذ تزداد الصعوبة بشكل تصاعديّ.

لكنّهم في الواقع يفعلون ذلك بطريقة مختلفة تمامًا؛ الأميبا كانت تختبر باستمرار أشكال الجسم الجديدة بمعدل ثابت ومعالجة الملاحظات البصرية في نفس الوقت وهو أمر يمكن لأجهزة الكمبيوتر التعلم منه.

يقول الباحثون أنهم اقتصروا التجربة على 8 قنوات فقط لأنهم لم يستطيعوا صنع صفيحة كبيرة بما يكفي لاختبار المزيد -لكن إذا استطاعوا- فهم يعتقدون أنّ الرغبة الطبيعية للأميبا هي التوصل إلى حالة توازن مستقر، سوف يرون أنها تحسب الطرق المثلى عبر مئات “المدن”.

حتى أنهم قد طوروا محاكاة حاسوبية تسمى “amoeba TSP”، الذي يحاكي بعض أنماط معالجة الأميبا.

رئيس الفريق “ماساشي أونو masashi aono” أخبرَ “ليزا زيغا lisa zyga” على موقع phys.org: «الآلية التي تحافظ بها الأميبا على جودة الحل التقريبي، أي طول المسار القصير، يبقى لغزًا».

ليس فريق جامعة كيو الوحيد الذي تحفزه الإمكانيات في ورقتهم، يستشهد أونو والفريق بمجموعات البحث التي تشير إلى أنّ الدوائر الكهربائية المستوحاة من الأميبا يمكن أن تساعد في معالجة الألغاز الكلاسيكية مثل مشكلة إرضاء القيد ومشكلة قابلية الإرضاء المنطقية، وحتى المساعدة في العثور على مناورات المشي للروبوتات متعددة الأرجل.

هذا ما سوف يفعله الشكل اللزج، هذا ما سوف يفعله.

 

نُشر هذا البحث في الجمعية الملكية للعلوم المفتوحة.


  • ترجمة: إيّاس سليمان
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • المحرر: ماتيو كيرلس
  • المصدر