ما هي المجرة ؟ لو دققت النظر في السماء ليلًا باستخدام التلسكوب، وتجاوزت عما هو ظاهر للعين المجردة، فإنك سترى الكثير من النجوم التي هي في الواقع مزيفة.

العديد من تلك النقاط الضوئية التي رأيتها هي في الواقع مجرات، ملايين إلى تريليونات من مجاميع النجوم، وتتألف المجرات من النجوم والغبار والمادة المظلمة تتماسك مع بعضها بواسطة الجاذبية.

لم يتأكد علماء الفلك لحد الآن من كيفية تشكّل المجرات، فبعد الانفجار العظيم، كان الفضاء يتألف تقريبًا بصورة كاملة من الهيدروجين والهيليوم.

ويعتقد بعض علماء الفلك إن الجاذبية سحبت الغازات والأغبرة معًا لتشكيل النجوم الفردية، وبدورها تلك النجوم تجمعت معًا في مجموعات أصبحت فيما بعد مجرات.

بينما يعتقد علماء آخرون إن كتلةً ما يمكن أن يصبح مجرات تتجمع قبل أن تتكوّن النجوم داخلها.

كما يقوم علماء الفلك بتكرير التقنيات التي يستعملونها في حساب الكتلات للمجرات المنفردة، كتلك الدراسة التي أجريت في عام 2018 والتي استُخدمت فيها الحركات ثلاثية الأبعاد لعدة مجرات ليتم تصنيف كتلة مجرة درب التبانة بشكلٍ أفضل.

اكتشاف أكوان الجزر

في بدايات عام 1900، اعتقد علماء الفلك بأن الكون بأكمله يقع ضمن مجرتنا، درب التبانة.

بينما جادل آخرون، مثل هارلو شايبلي-Harlow Shapley، عالم ومدير مرصد كلية هارفرد، على أن النقط اللولبية الشكل هي عبارة عن غبار وغازات منفصلة وأطلقوا عليها اسم “أكوان الجزر”.

هذا ما كان حتى عام 1924، عندما حدد إدوين هابل-Edwin Hubble عدة نجوم نابضة خاصة يطلق عليها (متغيرات سيفيد-Cepheid variables) وأدرك حينها أنها تقع خارج نطاق مجرتنا درب التبانة.

كانت هذه الأجرام السماوية عبارة عن مجموعات فريدة من النجوم بمسافات أبعد من مجرتنا.

بعد أن قاس هابل المسافة إلى المجرات الفردية، مضى في حساباته ليقيس إزاحة دوبلر، وهي كمية تمدد الضوء من المجرات بسبب حركتها.

كذلك حدد أن المجرات من حول درب التبانة تتحرك بعيدًا عنها بسرعة هائلة.

المجرات الأبعد هي الأسرع فرارًا.

وبسبب هذا، تمكن من معرفة إن الكون نفسه يتوسع، وبعد سنوات لاحقة، تمكن علماء الفلك من معرفة إن التوسع بحالة تزايد مستمر.

خصائص المجرة

تحتوي معظم المجرات على ثقوب سوداء في مركزها والتي تُنتج كمية هائلة من الطاقة يستطيع علماء الفلك رؤيتها من مسافات بعيدة.

في بعض الأحيان، يكون الثقب الأسود المركزي في المجرة كبيرًا أو نشِطًا، وحتى في المجرات الصغيرة نسبيًا.

قد تتسارع المواد الدوارة حول الثقب الأسود وتبتعد خارجًا بواسطة نفثاتها.

وقد تحتوي المجرات الأخرى على أشباه النجوم (الكوازار: الجسم الأكثر طاقة في الكون) في جوهرها.

تُصنف المجرات حسب أشكالها، ولكل نوع خصائص مختلفة وتاريخ مختلف في تطورها.

بعضها، مثل درب التبانة، لديها أذرع تتسلق خارجًا حول مركزها، وتُشكل المجموعات التي تُعرف باسم المجرات الحلزونية معظم المجرات التي يستطيع علماء الفلك رؤيتها، إذ تدور الغازات والأغبرة في المجرة الحلزونية بسرعة مئات الأميال بالثانية الواحدة، ما يخلق شكلها المروحي.

أما البعض الآخر، تُعرف بـ(المجرات الحلزونية الضلعية- barred spirals) بسبب وجود هيكل ضلعي في مركزها، والذي تشكّل بواسطة الأغبرة والغازات.

تُحفز هذه الأغبرة والغازات في المجرات الحلزونية تكوين النجوم الجديدة.

تفتقر المجرات البيضاوية إلى الأذرع الحلزونية التي تملكها المجرات الأكثر سطوعًا، ويتراوح شكلها من الدائري إلى الطولي، ولديها غبار أقل من نظيراتها اللولبية، ولهذا فإن عملية صنع النجوم فيها قد انتهت كلها، فمعظم نجومها أعمارها كبيرة.

على الرغم من أنها تشكّل جزءًا أصغر من المجرات المرئية، فإن الفلكيين يعتقدون أن أكثر من نصف المجرات في الكون هي بيضاوية الشكل.

تُعرف نسبة الـ 3٪؜ المتبقية من المجرات في الكون بالمجرات غير المنتظمة، فأشكالها غير مستديرة وتفتقر إلى الأذرع الحلزونية القابضة.

قد تأثرت غالبًا بجاذبية المجرات الأخرى أو شدتها أو حرفتها.

كما يمكن أن تتسبب الاصطدامات أو الاندماجات القريبة مع المجرات الأخرى في تشويه أشكالها.

تصادم المجرات

لا تطفو المجرات في الفضاء بمفردها وإنما تتجمع مع بعضها لِتُشكل ما يسمى بالـ (العناقيد- Clusters).

بعض العناقيد تكون كبيرة، تحتوي على آلاف المجرات بينما بعضها الآخر عناقيد صغيرة.

تقع مجرة درب التبانة ضمن العنقود المُسمى بالمجموعة المحلية، والذي يحتوي على 50 مجرة فقط.

من حينٍ لآخر، تصطدم المجرات ببعضها فيندمج الغبار والنجوم، وهذه خطوة مهمة في تطور ونمو العديد من المجرات.

وفي أواخر عام 2008، أصدر علماء الفلك دراسة ظهر فيها ثقبان أسودان يتصادمان في المراحل الأخيرة من تحطم المجرة، وهذه كانت تُمثل المرة الأولى التي شوهدت فيها المرحلة الأخيرة من تصادم المجرة أثناء حدوثها.

أنواع المجرات

أنواع المجرات

وبصورة عامة لا تتصادم النجوم الفردية بتصادم المجرات، لكن تدفق الأغبرة والغازات يرفع من معدل تشكيل النجوم.

من المقرر أن مجرة درب التبانة ستصطدم بمجرة أندروميدا خلال 5 مليارات سنة تقريبًا، بالطبع قد حدثت تصادمات في ماضيها القديم، وقد يكون تَطور انتفاخها المميز بعد إبادتها للمجرة ذات الشكل السجقي.

قد يكون من المحتمل في وقت مبكر إن مجرة أندروميدا أبادت إحدى شقيقات مجرة درب التبانة.

بحوث المجرة المستجدة

في السنوات الأخيرة، تتبع علماء الفلك المجرات وكيف أثرت المادة المظلمة بتطوير شكلها.

المادة المظلمة هي المادة التي لا يمكن استشعارها بواسطة تقنية التلسكوبات التقليدية.

ويُعتقد إن المادة المظلمة والطاقة المظلمة تُشكل معظم كتلة وطاقة الكون، ولكن وجودها من الصعب إثباته لأننا لانستطيع أن نراها إلا من خلال تأثيراتها على أشياء تقليدية، مثل المجرات.

في عام 2017، وجد علماء الفلك مجرتين ضخمتين تعودان إلى الكون القديم والتي تَشكلت في بحر المادة المظلمة.

إن الحجم الكبير الإستثنائي للمجرات جعل العلماء يتساءلون عما إذا كان حجمهما قد ازداد تدريجيًا بمرور الزمن، أو أن هناك عملية أخرى هي المسؤولة عن هذا الحجم الاستثنائي.

اقرأ ايضًا:

ما هي الثقوب السوداء؟

وبعد شهور قليلة فقط من هذا الاكتشاف، وجد علماء الفلك مجموعة من المجرات التي تدور بتزامن مع بعضها البعض بنمط قد يُفسّر بواسطة المادة المظلمة.

لكن في عام 2018، تحدت مجموعة من علماء الفلك نظرية المادة المظلمة عندما اكتشفوا أن المجرة التي تدعى NGC 1052-DF2 تحتوي على مادة مظلمة أقل بنحو 400 مرة من النماذج التي يُمكن أن تتنبأ بها لجسم بمثل حجمها، والتي يمكن أن تغير من نماذج تطور المجرات.

ومع هذا، فإن نتائج الدراسة ما زالت مثيرة للجدل وقيد المناقشة.

سمحت الدراسات الاستقصائية الدورية للمجرات بالتكنولوجيا المتقدمة على نحو متزايد للعلماء بتحديد المجرات التي كانت في السابق ضعيفة جدًا لرؤية ومعرفة المزيد عن تطور المجرة وحجمها وشكلها.

اقرأ ايضًا:

كيف تشكلت الشمس؟

 

فعلى سبيل المثال، في عام 2017، كشفت أداة Multi-Spectroscopic Explorer (MUSE) على التلسكوب الكبير جدًا التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي عن مجموعة من 72 مجرة كانت مختبئة في مستوى النظر.

وفي عام 2018، تمكن تلسكوب هابل الفضائي من حشد حوالي 15000 مجرة في صورة واحدة، موفرًا بذلك أرضًا وفيرة للدراسات المستقبلية للمجرات.

وفي نفس العام، تم العثور على مئات من المجرات خلف ثقب أسود فائق النشاط الذي كان في السابق يحجب وجودها.


  • ترجمة: إسراء حيدر هاشم
  • تدقيق: جعفر الجزيري
  • تحرير: عيسى هزيم
  • المصدر