عن ساتيندرا ناث بوز

وُلِد ساتيندرا في مدينة (كلكتا – Kolkata) في الهند، في الأول من يناير عام 1894م، وتوفي في نفس المدينة في الرابع من فبراير عام 1974م.

تلقّت والدته (أموديني ديفي – Amodini Devi) تعليمًا محدودًا، ولكنّها استطاعت تربية عائلتها بمهارة، فقد رُزقَت بسبعة أبناء كان بوز أكبرهم، وكان لديه ستّ أخواتٍ يصغرنه سِنًا.

عمل والده (سريندرا ناث بوز – Surendranath Bose) محاسبًا قبل انضمامه لشركة سكك الحديد الشرقيّة بالهند، ثمّ قام لاحقًا بتأسيس شركته الخاصة للصناعات الدوائيّة والكيميائيّة.

حياته المُبكرة

بدأ بوز تعليمه في المدرسة الابتدائيّة في كلكتا قبل التحاقه بالمدرسة الهندوسيّة عام 1907م، إذ بدأ اهتمامه بالرياضيات والعلوم خاصةً يزداد بفضل أستاذه الرائع في الرياضيات ودعم أساتذته الكبار.

التحق بوز بجامعة بريزدنسي في كلكتا عام 1909م وبدأ طريقه الأكاديميّ بالازدهار حينها.

حصل على شهادة البكالريوس عام 1913م، والماجستير عام 1915م، فقد أثبت جداراته كأفضل طالبٍ في الرياضيات.

وفي نفس السنة التي حصل بها على الماجستير، تزوج بوز من (أوشابلا غوش – Ushabala Ghosh)، ورُزق بابنين وثلاث بنات.

طريقه البحثيّ والأكاديميّ

لو سُمِحَ للمواطنين الهنود في ذلك الوقت بالارتقاء للمناصب القياديّة في الدولة، لتدرج بوز بالتأكيد في ذلك الطريق المهنيّ، لكنّه ظلّ مُستمرًا في استكمال دراساته في الفيزياء والرياضيات.

عام 1917م عُيِّن في إحدى الجامعات المفتوحة حديثًا آن ذاك، وهي جامعة العلوم في كلكتا، وكانت تلك الجامعة بمثابة معهدٍ لأبحاث الخريجين، واستطاع بوز هناك أن يقرأ ويدرس الكتب الأوروبيّة الحديثة -في وقته- عن نظريّة الكم، والنظريّة النسبيّة.

وهذا لعدم توفّر هذه الكتب في الهند قبل إنشاء هذه الجامعة.

كان كتاب العالم الأمريكيّ (جوزيه غيبس – Josiah Gibbs) عن الميكانيكا الإحصائيّة من الكتب التي جذبت انتباه بوز، كما أنّه قام بدراسة أبحاث أينشتاين عن النسبيّة، وحصل على إذنٍ منه ليقوم بترجمتها ونشرها في الهند.

عُيِّن بوز أستاذًا للفيزياء بجامعة دكا عام 1921م، حيث ظلّ قائمًا بالعمل التدريسيّ هناك حتّى عام 1945م متولّيًا رئاسة قسم الفيزياء بالجامعة منذ عام 1927م.

عاد بوز عام 1954م إلى جامعة (كلكتا) واستمر بعمله أستاذًا للفيزياء حتّى تقاعده عام 1956م، وأصبح حينها أستاذًا مُتفرغًا بالجامعة.

مساهمته العلميّة

كان لبوز دورٌ هام في نظريّة الكم، خاصةً فيما يتعلّق بقانون إشعاع الجسم الأسود لـ(ماكس بلانك – Max Planck).

أرسل بوز أبحاثه بعنوان “قانون بلانك وفرضيّة الكم الضوئيّ 1924” إلى أينشتاين قائلًا له في خطابٍ مُرفق: «جزيل الاحترام سيدي، لقد تجرأت وأرسلت لك هذا المقال المُرفق لتفحصه بعنايةٍ حتّى أعرف رأيك.

سوف تجد أّنني قد حاولت استنتاج مُعامل قانون بلانك بطريقةٍ لا تعتمد على الديناميكا الكهربائيّة الكلاسيكيّة».

تكوّنت مقالة بوز من أربع صفحاتٍ فقط، لكنّها كانت ذات أهميّةٍ كبيرة.

كان استنتاج معادلة بلانك لإشعاع الجسم الأسود غير مُرضٍ للفيزيائيّ ماكس بلانك، وكذلك لأينشتاين.

وقد استطاع بوز استنتاج المعادلة من خلال إحصاء بولتزمان.

كان أينشتاين متيّمًا ومتحمّسًا لهذه المقالة وللطريقة التي استنتج بها بوز المعادلة، فقد رأى أنّ بوز أزال عقبةً كبيرةً عارضت فكرة الكم الضوئيّ.

ترجم أينشتاين هذه المقالة للألمانيّة، ونشرها مع توصيته البالغة في الجريدة العلميّة للفيزياء في ألمانيا “Zeitschrift für Physik”.

كما استخدم أينشتاين وطوّر طريقة بوز في حساباتٍ خاصة بالجسيمات الأوليّة للمواد، ونشر عدّة مقالات وأبحاث عن هذا التطوير الذي أجراه معتمدًا على أسلوب بوز.

حصول بوز على موافقة الجامعة التي عمل بها -جامعة دكا- على منحه إجازةً بحثيّة مدةَ سنتين بدءًا من عام 1924م، اعتُبِرَ من أهمّ نتائج تواصله مع أينشتاين، إذ حظي بفرصة لقاء العلماء الأوروبيين خلال هذه الإجازة.

سافر بوز إلى باريس أولًا، حيث قابل هناك عالمَيْ الفيزياء الفرنسيين (بول لانجفان – Paul Langevin) و(لويس فيكتور دي برولي – Louis-Victor de Broglie).

واتجه في أكتوبر 1925م إلى برلين لمقابلة أينشتاين.

قام أينشتاين بالعديد من التطويرات بعد استلامه مقالة بوز، ورأى مدى قيمة أفكار بوز وقابليتها للتطوير.

حضر بوز دروسًا في فيزياء الكم للفيزيائيّ الألماني (ماكس بورن – Max Born) خلال فترة زيارته لبرلين.

نشر بوز العديد من الأبحاث في الميكانيكا الإحصائيّة، وتوصّل لما يُعرف بـ(إحصاء بوز-أينشتاين) -يعود وهذا لإضافة أينشتاين لتطويرات لطريقة بوز-.

قام عالم الفيزياء البريطاني (بول ديراك – Paul Dirac) بإضافة المصطلح العلميّ (بوزون – boson) للجسيمات التي خضعت لهذا الإحصاء نسبةً إلى بوز.

وأصبح بوز معروفًا ومشهورًا من خلال هذا المصطلح الذي يحمل اسمه، تقديرًا لجهوده، خاصةً أنّه عمل منعزلًا بعيدًا عن الثورة العلميّة التي تمركزت في أوروبا آنذاك.

مساهمته الوطنيّة في الهند

لم يكن بوز شخصًا عظيمًا بفضل أبحاثه فقط، لكنّه بالإضافة إلى ذلك عمل جاهدًا على تطوير نُظُم التعليم في دولته -الهند-، ما أدّى إلى ازدهارها تكنولوجيًا فيما بعد.

كُرِّم بوز عدّة مراتٍ في الهند، فقد كان رئيسًا لقسم الفيزياء في المؤتمر العلميّ الهندي عام 1939م، ورئيس المؤتمر العلميّ الهندي في ديلهي عام 1944م، ورئيس المعهد القوميّ للعلوم في الهند عام 1949م.

كان انتخابه لعضوية جمعيّة لندن الملكيّة عام 1958م أعظم تكريم حظي به.

بعد أن تقاعد عن عمله في جامعة كلكتا عام 1956م، عُيِّن نائبًا لمستشار جامعة (فيسفا باراتي – Viswa-Bharati) في مدينة (سانتينيكيتان – Santiniketan).

حصل بعد سنتين على وسام (الأستاذ الوطنيّ – national professor).

يصرّح الفيزيائي (بيتر لاندسبيرغ – P T Landsberg): «يَصعُب تقدير بوز في الغرب بنفس المكانة العالية التي قُدِّر بها في الهند، إذ أنّ تقدير المسنّين في الغرب أقلّ ممّا هو عليه في الهند.

قد كانت رؤيته بشعره الأبيض وشخصيته الودودة -في الندوة العلميّة الدوليّة حول الفيزياء الإحصائيّة التي عُقِدَت في كلكتا- أمرًا صادمًا، حيث كان آخر ظهورٍ عامٍ له.

كما تمّت الإشارة إلى مقالاته الشهيرة بشكلٍ خاص.

وخاطب بوز الحضور طالبًا من زملائه أن يعاودوا تجديد تلك الشرارة الرائعة التي ساعدته على إنجاز عمله العلميّ».


  • ترجمة: محمد شريف.
  • تدقيق: آية فحماوي.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر