هناك جدل قائم حول ما إذا كان المبدأ الأنثروبي مبدءًا علميًا أم فلسفيًا، أم أنه ديني بشكل أكثر عمومية، وعلى الرغم من ذلك يظلّ ذلك السؤال واحدًا من أكثر الجدالات تحدّيًا للبشر.

يستند مبدأ الأنثروبيا في الأساس على اقتراح أنه إذا حدث أي تغيير لقيم الثوابت الفيزيائية، كثابت الجذب العام، شحنة البروتون، كتلة الإليكترون والنيوترون، وعدد آخر من الخصائص المميّزة للكون، فإن الحياة البشرية ستصبح مستحيلة، كما يوجد أيضًا العديد من الأسباب في جميع الأحوال تجعل من فكرة أن الكون قد ضُبِط خصّيصًا لنفعنا محلًّا للشك، فمثلًا إن حدث ذلك التوليف، فما الأسس التي تجعلنا نعتبر أن ذلك التوليف قد حدث خصّيصًا لنا، وأنها ليست اعتبارًا داخل أدمغتنا فقط؟

كما أن الوضع يصبح أسوأ عند ملاحظة أن قيم الثوابت الفيزيائية ليست دليلًا ضروريًا لإثبات أن الكون قد ضُبِط خصّيصًا لإنتاج البشر، فقد كان من الممكن أن يكون قد ضُبِط لإنتاج الدببة الأسترالية المشعرة ذات الأنوف المستدقة، أو ربما البكتيريا والفيروسات التي تفوق عدد البشر بمراحل، ولو أنه كذلك فإن تواجد (الهوموسيبيان – (Homo sapiens كان مجرّد حدث جانبي غير مقصود.

في كتاب سلمون الشك، طوّر دوجلاس آدامز ما عُرِّف لاحقًا باسم (نظرية البركة الضحلة) كما يلي:

تخيّل بركة ضحلة تستيقظ ذات نهار و تفكر: «إن العالم الذي أنا فيه عالم مثير، تلك الحفرة التي أنا بها مثيرة أيضًا، فهي تحتويني بالضبط، أليس كذلك؟ في الواقع، هي تحتويني بشكل مذهل، بالتأكيد قد صُنِعت خصّيصًا لتحتويني»، وكفكرة قوية، فإن مقدار الماء في البركة يتناقص تدريجيًا مع سطوع الشمس وتسخين الهواء، لتصبح بذلك أصغر فأصغر.

تظلّ البركة معلّقة باهتياجٍ عاطفي بأن كل شيء على ما يرام، لأن العالم معني باحتوائها، وقد بُنِي لتحقيق ذلك الغرض، وفي تلك اللحظة التي تختفي فيها، ستخطفها الدهشة. أظن أنه يوجد شيء يجب أن ننتبه له.

ظهر مبدأ الأنثروبيا لأوّل مرة على يد الفلكي (براندن كارتر) في مؤتمر بكاركو ببولاندا، احتفالًا بالذكرى رقم 500 لميلاد كوبرنيكوس.

من المثير للسخرية، أن كوبرنيكوس نفسه قد ساهم في طرد مفهوم مركزية الأرض، وبالتبعية البشر، بينما يهدّد المبدأ الأنثروبي -أو يعد- بإعادة تأسيس تلك المركزية.

بالنسبة لكارتر، «إن موقعنا في الكون محدود بمدى توافقنا معه كمراقبين» وموقعنا هنا ليس فقط الإحداثيات الفيزيقية، بل أيضًا التواجد خلال فترة زمنية محددة.

قبل «براندن كارتر»، بدا (ألفريد راسل والاس) كمشترك مع داروين في اكتشاف مبدأ الانتخاب الطبيعي، وقد توقع مبدأ الأنثروبيا عام 1904 حين كتب «كونٌ واسعٌ ومعقّدٌ كهذا الذي نشهده من حولنا، ربما يكون مطلوبًا لإنتاج هذا العالم المضبوط بدقة في كافة تفاصيله لإحداث ذلك التطور المنظّم الذي يصل لذروته في الإنسان».

وفي (تاريخ موجز للزمن) وصف ستيفن هوكينج عددًا من الثوابت الفيزيائية وكذلك الظواهر الطبيعية -والتي تبدو بدورها على الأقل متفقة مع مبدأ الأنثروبيا- متضمنة سؤال «لمَ بدأ الكون بالتمدد بمعدّل قريب من المعدّل الحرج للتمدّد الذي يفصل الانهيار عن التمدّد للأبد؟

حتى بعد عشرة ملايين سنة يظل يتمدّد قريبًا من ذلك المعدّل الحرج» و يشرح ذلك قائلًا إن: «لو أن معدل التمدّد في اللحظة التالية للانفجار العظيم كان أقل بجزء من المئة ألف مليون مليون، لانهار الكون قبل أن يصل لحجمه الحالي».

باختصار، كنّا سنصبح ضحية الانهيار العظيم.

حان الآن الوقت للانحراف إلى (الثابت الكوني) الذي عُرِف بواسطة ألبرت أينشتاين، والذي اعتبره «خطأه الأكبر»، لكن في الوقت الحالي يبدو أنه واقع ملحوظ. اضطرب أينشتاين بسبب حقيقة أن الجاذبية ستتسبّب في انهيار الكون على نفسه (الانهيار العظيم)، لذلك عرّف ثابتًا للفراغ، والذي يدفع في الاتجاه المعاكس متسبّبًا في النهاية بكون مستقر.

يؤخذ في عين الاعتبار أن أينشتاين كان يعمل قبل أن يكتشف إدوين هابل أن الكون يتمدّد بالفعل.

اليوم، الثابت الكوني مرتبط بما عُرِف بالطاقة المظلمة، و قد لاحظ الفيزيائي (ستيفن وينبرج) أنّه إن كانت قيمة الثابت الكوني أكبر بمقدار صغير فإن مقدار التمدّد كان سيمنع المجرّات من التكوّن، والكواكب أيضًا.

لكن لدى مؤيدي مبدأ الأنثروبيا ذخائر كثيرة، فبين (والاس) و(كارتر) قد ظهر الفيزيائي (روبرت ديك) الذي قد لاحظ أن عمر الكون يقدّر حاليًا بحوالي12 مليار عام، ويعكس بشكل ما مبدأ (جولديلوك) الذي يظهر فكرة (الحقبة الذهبية)، والتي يكون فيها ليس صغيرًا جدًّا وليس كبيرًا جدًّا أيضًا، فلو كان الكون أصغر، فإنه لم يكن ليسمح بالوقت الكافي لتكوين عناصر أثقل من الهيدروجين والهيليوم عبر التخليق النووي، كذلك لن يكون هنالك أي حجم متوسط، كالكواكب الصخرية، وبالتالي نحن أيضًا.

وإن كان الكون أكبر عمرًا، ربما كانت النجوم أكبر عمرًا من أن تظلّ جزءًا فيما يدعوه الفيزيائيون الفلكيون بالتسلسل الرئيسي بعد أن انتهى بها المطاف إلى أن أصبحت أقزامًا بيضاء وحمراء، وكنتيجة لذلك لن يتواجد أي نظام كوكبي مستقر، وبالتبعية-مرة أخرى- فإننا لن نتواجد.

كما يمكن أيضًا إنتاج حجّة مشابهة عند الأخذ بعين الاعتبار التفاعلات الأساسية الأربعة التي تربط المادة والطاقة: الجاذبية، التجاذب، التنافر الكهرومغناطيسي، وكذلك القوتان النووية القوية والضعيفة. يمكن النظر لذلك بأن التوازن الدقيق بين تلك القوى هو الشرط الأساسي لإنتاج المادة، وهكذا الحياة.

القوة النووية القوية هي القوى القائمة بدورها على حفظ النيوترونات والبروتونات سويًا في النواة، وكذلك فإنها ذات دور في ربط الكواركات ببعضها مكوّنة بذلك الجسيمات تحت الذرية، وإن كانت القوى النووية القوية أقوى بمقدار صغير فإن عملية الاندماج النووي -والتي قامت بتحويل الهيدروجين المتواجد بالكون إلى هيليوم وماء- اللازمة للحياة كما نعرفها لن تصبح موجودة.

كما يوجد أيضًا وجهات نظر أخرى، فعلى سبيل المثال، أشار الفيزيائي (فريد أدامز) إلى أن الشروط الأساسية للكون الداعم للحياة غير متعسّفة على الإطلاق، فقد كتب قائلًا: «إن المعالم الأساسية لكوننا يمكن لها أن تكون ذات عوامل متعدّدة بشكل كبير، وتظل متاحة للنجوم الموجودة وكذلك الكواكب».

وفي فبراير 2017 أعلن فلكيون من وكالة ناسا اكتشافهم سبعة كواكب شبيه بالأرض من حيث الحجم، يدورون حول نجم قزم، ثلاثة منهم يقعون في المنطقة الداعمة للحياة، محتوين بذلك ما يعتقد بأنه مياه سائلة.

عُرِف ذلك النظام باسم (راهب-1) وهو على بعد ما يقرب من 40 سنة ضوئية من الأرض، وتجتمع الأسباب للاعتقاد بأن نفس القوانين الفيزيائية صالحة هناك كما هو الحال هنا.

ومع ذلك، فإن أدامز قد لاحظ أنه:

«من الممكن لقوى الجاذبية أن تصبح أقوى بألف مرة أو أضعف بمليار مرة، وستظل النجوم تحترق طالما أن وقودها النووي لم ينفذ. القوى الكهرومغناطيسية يمكن أن تصبح أقوى أو أضعف بمئة مرة، كما يمكن أن يعتمد معدّل التفاعل الرئيسي على مدى واسع من العوامل، كما يمكن تكوين الصف الأساسي من العناصر اللازمة للكواكب والبشر في قلب النجوم، بوضوح، فإن العناصر التي تشرح لنا تكوين النجوم والتطوّر ليست واضحة تمامًا».


  • ترجمة: عبدالرحمن مكاوي
  • تدقيق: علي فرغلي
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر