عندما تتحرك الأجنة داخل الرحم؛ فإن هذه الهزات القوية هي صورة توضيحية مدهشة عن قوة وطاقة هذه الأجسام الصغيرة النامية، ولكنها غريبة بعض الشيء عندما تتوقف لتفكر فيها.

أدلى بحث جديد الآن رأيه حول هذا الموضوع محاولًا شرح ما ترمز إليه هذه الحركات الجنينة.

تفحص إحدى الدراسات الجديدة نشاط أدمغة تسعة عشر رضيعًا من حديثي الولادة ؛ واكتشف الباحثون في المملكة المتحدة أن الموجات الدماغية المقابلة لحركات الأعضاء أثناء النوم تساعد الرضع في تشكيل الوعي بأجسامهم ومحيطهم المباشر.

ويشرح أخصائي الأعصاب (لورينزو فابريزي- Lorenzo Fabrizi) من جامعة كلية لندن قائلاً: «إن الحركة التلقائية وردة الفعل التالية من البيئة أثناء فترة النمو المبكرة تعرفان بأهميتهما في التخطيط السليم لأدمغة بعض الحيوانات مثل الفئران، ونشير هنا إلى صحة احتمالية ذلك في الإنسان أيضًا».

استخدم فريق فابريزي في الدراسة التخطيط الكهربائي غير الجراحي للدماغ لتسجيل موجات الدماغ لتسعة عشر رضيعًا بعمر يومين، بعضهم كانت ولاداتهم مبكرة، وتراوحت أعمار المجموعة في نهاية المطاف بين 31 و42 أسبوع حمل مصحّح (الفترة التراكمية لحملهم مع الأسابيع منذ ولادتهم).

وتوضح دراسات الحيوانات أن حركات الأعضاء المنفصلة في الأطفال حديثي الولادة هي العلامة المميزة للتطور الحسي والتحويل في الثدييات الصغيرة وهو ما أكدته الأنماط العصبية المسماة في الجهاز العصبي الجسمي بـ “ذبذبات ألفا بيتا”.

بحسب هذا الافتراض، تساعد الذبذبات أجسام صغار الحيوانات في رسم خريطة المخطط البدني للجسم، ولكن لم يتضح ذلك بشكل كافٍ حتى حدوث هذه الفترة التطورية.

وفيما يخص فترة الحمل المصححة، فإن مجموعة الأطفال أصحاب عمر اليومين أشاروا بالفعل إلى عدد من الفترات التطورية والتي تمكن الباحثون من تقليلها.

اكتشف العلماء أن النشاط الخاص بأنماط موجات الدماغ ألفا بيتا يتضاءل أثناء فترة نوم حركة العين السريعة (REM) في الأطفال الأكبر سنًا ( الذين ولدوا بعد فترة حمل كاملة أو ما قاربها) بينما كانت الأقوى في الأطفال الأصغر سنًا والذين ولدوا قبل أوانهم.

يشرح الناشرون في ورقتهم البحثية قائلين: «يشير هذا إلى قيام الحركة المرتبطة بذبذبات ألفا بيتا بدورٍ طوال الفترة المكافئة للثلث الثالث من الحمل والتي تتلاشى في فترة الحمل الكاملة حتى عند استمرار الحركات نفسها».

ويمكن القول بطريقة أخرى، أن حركات الأعضاء المتشنجة العرضية أثناء النوم الفعَّال قد تظهر في الأطفال الأكبر عمرًا (وحتى البالغين)؛ ولكن يحدث التطور الحسي المقابل للركلات واللكمات فقط مع (الأطفال الأصغر)، ويختفي هذا قبل وصول الأطفال إلى عمر بضعة أسابيع.

تشتعل أنواع الموجات الدماغية التي يتحدث عنها الباحثون في نصف الكرة المخية المقابلة بالدماغ.

فعلى سبيل المثال، عندما يقوم الطفل المبتسر (الخديج) بركلة أو لكمة مفاجئة بيده أو ساقه اليمنى أثناء نوم حركة العين السريعة؛ فإن الذبذبات قد تُرصد في نصف الكرة المخية الأيسر.

نشر (Kimberley Whitehead – كيمبرلي وايتهيد) عالم الفيزياء الإكلينيكي والكاتب الأول في هذا البحث قائلاً: «من المعتاد وضع الرضع في أسِرَّتهم وهو ما يسمح لهم بالإحساس بوجود سطحٍ ما عندما يركلون كما لو كانوا ما زالوا داخل الرحم ولاحظنا حدوث هذه الحركات أثناء النوم؛ ولذلك تدعم نتائجنا بعض الدراسات الأخرى التي تشير إلى أهمية حماية نوم حديثي الولادة.

فعلى سبيل المثال، ينبغي تقليل الإزعاج المرتبط ببعض الإجراءات الطبية الضرورية».

شارك عدد قليل من الأطفال في هذه الدراسة وأقر الباحثون بأن الرضع الذين يتحركون بطبيعتهم أكثر من غيرهم هم مستبعدون من هذه النتائج. لم تنتهِ النتائج عند هذا الحد؛ ولكن تشرح أحدث أعمال الفريق -والتي لم تنشر بعد- أن التطور الحسي التالي يحدث بعد تتميم عمليات التخطيط الأولى.

بجانب ما عرفناه عن كيفية عمل هذه الدوائر العصبية؛ تخطرنا هذه الاكتشافات عن أهمية حماية نوم الأطفال الصغار وبخاصة الأطفال المولودين قبل أوانهم والتي تعتبر فترة نوم الريم لديهم حيوية لتطور الوعي الحسي وتخطيط خريطة الجسم.

وضح (كيمبرلي وايتهيد) لموقع (live science) قائلاً: «تمهد هذه الأساليب المبدئية (المتطورة داخل الرحم) المسارات التي تعمل بعدها خبرة ما بعد الولادة من أجل تحسين تلك الخريطة المبدئية».


  • ترجمة: ماريان رأفت
  • تدقيق: جعفر الجزيري
  • تحرير: مازن سفّان
  • المصدر