أظهر باحثون في جامعة بادربورن (Paderborn) ومعهد فريتزهايبر (Fritz Haber) في برلين قدرتهم على مراقبة حركات الإلكترونات أثناء التفاعل الكيميائي.

لطالما درس الباحثون سابقًا العمليات التي تحدث على المستوى الذري التي تسيطر على التفاعلات الكيميائية، لكنهم لم يتمكنوا أبدًا من مراقبة تحركات الإلكترون عند حدوث التفاعلات الكيميائية.

تتواجد الإلكترونات عند أصغر المستويات حيث يبلغ قطرها أقل من كوادريليون (10 اٌس 15) جزء من المتر وتدور حول الذرة بسرعات الفمتوثانية (كوادريليون جزء من الثانية).

يستخدم الباحثون المهتمون بمراقبة سلوك الإلكترون نبضات ليزرية للتفاعل مع الإلكترونات.

ويمكنهم حساب طاقة وزخم الإلكترونات عن طريق تحليل خصائص الإلكترونات المنبعثة من المجس بواسطة ضوء الليزر.

من أكبر التحديات التي يواجهها الباحثون هو تسجيل الأحداث التي تحدث على مستوى الفمتوثانية، إذ عليهم أولاً إثارة نظام ذري بنبضات ليزرية ثم المراقبة لأجزاء من الثانية القليلة القادمة، ثم إرسال نبضة ليزرية ثانية مع تأخر زمني قصير لأجزاء بسيطة من الثانية.

لغرض تحقيق ذلك على هذا المستوى من الدقة هو أمر بالغ الصعوبة، إذ أن الفمتوثانية هي مدة قصيرة للغاية، تخيل أن الضوء يمكن أن يسافر 300 ألف كيلومتر في ثانية واحدة، ولكن لا يقطع الضوء سوى 300 نانومتر فقط في فمتوثانية واحدة.

بعد إثارة إلكترونات التكافؤ بأول نبضة ليزرية (وهي الإلكترونات المتواجدة في الغلاف الخارجي للذرة التي تكون مرشحة للمساعدة في تشكيل أواصر كيميائية) فأن إلكترونات التكافؤ قد تعيد ترتيب نفسها لتشكيل أواصر كيميائية جديدة وبالتالي الحصول على جزيئات جديدة.

وبسبب سرعة وحجم هذه التفاعلات، فقد افترض الباحثون فقط كيف تتم إعادة الترتيب هذه.

بالإضافة إلى الطرق التجريبية أصبحت الحوسبة الفائقة وسيلة مهمة بشكل متزايد لفهم هذه التفاعلات على المستوى الذري والتحقق من الملاحظات التجريبية ودراسة سلوك الإلكترون أثناء التفاعل الكيميائي بمزيد من التفاصيل.

يتعاون فريق من الباحثين في جامعة بادربورن بقيادة البروفسور وولف جيرو شميدت (Wolf Gero Schmidt) مع علماء الفيزياء والكيمياء لاستكمال التجارب باستخدام النماذج الحسابية.

من أجل فهم أفضل لسلوك الإلكترونات خلال التفاعل الكيميائي، استخدم شميت وفريقه مصادر الحوسبة الفائقة في مركز الحوسبة عالية الأداء في شتوتغارت لصياغة هذه الظاهرة.

قال شميت: «الفريق التجريبي في معهد فريتز هابر جاء إلينا بهذا البحث وقد قمنا بالفعل بالمحاكاة. في هذه الحالة كانت النظرية سابقة للتجربة إذ تنبّأنا والتجربة أكدت ذلك».

في العام الماضي، اشترك فريق شميدت مع باحثين من جامعة دويسبورغ-إيسن (Duisburg-Essen) لإثارة نظام على المستوى الذري ومراقبة التحولات الطورية المصورة في الوقت الحقيقي.

التحولات الطورية (عندما تتغير المادة من حالة فيزيائية إلى أخرى مثل تغيير الماء إلى الجليد) مهمة في دراسة وتصميم المواد، إذ أن خصائص المادة قد تتغير بشكل كبير تبعًا للحالة التي توجد فيها.

وجد الفريق أنه عند إثارة أسلاك نانوية من الإنديوم بنبضة ليزرية فإن الأسلاك ستتغير كليًا من مادة عازلة إلى مادة موصلة كهربائيًا.

أسلاك الإنديوم هذه حتى لو لم تكن بالضرورة ذات أهمية تكنولوجية في الوقت الحالي للتطبيقات الإلكترونية، لكنها تعمل كحالة اختبار جيدة وأساس قوي للتحقق من المحاكاة بالتجارب.

أراد الفريق في هذا العام تطبيق ما تعلمه عن أسلاك الإنديوم من قبل ودراسة التفاعلات الكيميائية على مستوى أكثر جوهرية، حاول الفريق تتبع كيف تتصرف الإلكترونات المكونة بعد تحفيزها بواسطة نبضة ليزر.

وقال شميت: «في العام الماضي نشرنا مقالًا في مجلة Nature أظهر قياسًا للحركة الذرية على هذا المستوى، تمكنا من إظهار كيف تتحرك الذرات خلال التفاعل الكيميائي.

وفي هذا العام كنا قادرين على مراقبة الإلكترونات أثناء حدوث التفاعل».

يمكن وصف الإلكترونات بشكل مجازي على أنها الغراء الذي يربط الذرات كيميائيًا ببعضها.

ومع ذلك يمكن لنبضة ليزرية أن تطرد الإلكترون ما يخلق ما يسميه الباحثون بـ ثغرة ضوئية (Photohole). تدوم هذه الثغرات الضوئية فقط لأجزاء قليلة من الثانية ولكنها قد تؤدي إلى كسر الروابط الكيميائية وتشكيل روابط جديدة.

عندما اصطدام نبضة ليزرية بأسلاك الأنديوم النانوية، فإن النظام يشكل رابطة معدنية مما يفسر تغير طورها إلى موصل كهربائي.

تسمح عمليات المحاكاة الحاسوبية فائقة السرعة للباحثين بوضع مسارات الإلكترونات في حركة، ما يساعدهم في نهاية المطاف على دراسة مسار التفاعل الكامل.

يجري الباحثون أول مبادئ المحاكاة بمعنى أنهم يبدؤون من دون افتراضات حول كيفية عمل النظام الذري ومن ثم الصياغة الحاسوبية للذرات وإلكتروناتها تحت الظروف التجريبية.

هذه الأنواع من حسابات المبادئ المكثفة الأولى تتطلب حواسيب فائقة مثل تلك الموجودة في مركز الحوسبة عالية الأداء في شتوتغارت.

يدرك الفريق الآن الدور الهام الذي تلعبه الثغرات الضوئية في تشكيل كيفية توزيع الطاقة عبر نظام ما من خلال عملهم السابق ومشروعهم الحالي، ما يعطي الباحثين في النهاية طريقة حسابية معتمدة لمحاكاة التحولات الطورية السريعة للغاية.

تتكون عمليات المحاكاة الحالية للفريق من حوالي 1000 ذرة والتي على الرغم من صغرها إلا أنها تسمح لهم بالحصول على عينة نموذجية لكيفية تفاعل ذرات النظام والإلكترونات المكونة له.

حصل فريق بادربورن على المساعدة من فريق مركز الحوسبة عالية الأداء في شتوتغارت في تحسين برنامجهم، ما يسمح لها بالعمل على ما يصل إلى 10000 ذرة في نفس الوقت بكفاءة عالية.

وأوضح شميدت أنه في حين أن الأبحاث الشاملة ستستفيد من زيادة حجم النظام إلى 10000 ذرة، فإن المرحلة التالية من عمل الفريق هي العمل على أنظمة أكثر تعقيدًا.

وأضاف: «إن البحث الحالي هو عملية حساب معقدة ولكنّ النظام بسيط. خطوتنا التالية هي تطوير هذا البحث نظرًا لارتباطه بالمحفزات الضوئية أو الأنظمة ذات الصلة بإنتاج الطاقة على نطاق واسع، نريد تطبيق ذلك على نظام حقيقي».

من خلال فهم أفضل لسلوكيات الإلكترونات على المستوى الذري، يهدف الباحثون إلى تصميم مواد أفضل لتحويل الطاقة ونقلها وتخزينها.


  • ترجمة: سرمد يحيى
  • تدقيق: جعفر الجزيري
  • المحرر: ماتيو كيرلس
  • المصدر