يبدو أنّه بإمكان التغيّر المناخيّ أن يضرّ بخصوبة الحشرات تاركًا الذكور عقيمة تقريبًا، وفقًا لبحثٍ جديد.

وبما أنّ هذه المخلوقات تُشكّل 90 بالمئة من جميع أشكال الحياة على الأرض، على هذه النتائج أن تُشكّل قلقًا لنا جميعًا.

يتّفق العلماء على أنّ تغيّر المناخ يؤدّي إلى استمرارٍ أطول للموجات الحراريّة، بالإضافة إلى كونها أكثر شدّةً وترددًا وأكبر انتشارًا.

يواجه العالم في نفس الوقت أسوأ أزمة انقراضٍ منذ خسارة الديناصورات قبل 65 مليون سنة.

لا تُعدّ الحشرات استثناءً.

إذ تختفي هذه الكائنات بشكلٍ سريع في أرجاء العالم بسبب استمرار ارتفاع حرارة الكوكب بمعدّل لم يسبقه مثيل، ويشير البحث الجديد إلى أنّ هذا الاختفاء ليس مصادفةً.

صرّح المؤلف المشارك (مات كاج – Matt Gage) وهو خبير في علم البيئة التطوريّ في (جامعة إيست أنجليا – University of East Anglia): «بحسب ما هو معروف تحدث الانقراضات المحلّية عندما تتغيّر درجات الحرارة لتصبح حادّةً جدًا. ونريد أن نعرف لماذا يحدث هذا، وقد ترتبط الإجابة بالحيوانات المنويّة».

اختار كاج وفريقه البحث في هذه الظاهرة عند (خنفساء الدقيق الحمراء – Tribolium castaneum). تُشكّل الحشرات حصّةً كبيرةً من التنوع البيولوجيّ العالميّ ،كما تمتلك هذه الخنفساء الخاصّة جهازًا تكاثريًا مشابهًا للكثير من الحشرات.

تُعتبَر الخنافس لوحدها أكثر الحيوانات وفرةً على الأرض إذ تُشكّل رُبع أشكال الحياة الحيوانيّة المعروفة جميعها. وبينما أثبتت بعض الأبحاث أنّه بإمكان الموجات الحراريّة التأثير على الحيوانات المنويّة للكائنات ذات الدم الحار -أو ذات الحرارة الداخليّة-، حتّى الآن، نحن نفتقر بشكلٍ كبير للأبحاث حول الكائنات ذات الدم البارد -خارجيّة الحرارة-.

اختبر الباحثون -بواسطة محاكاة موجة الحرّ- تأثير الطقس الحار على مجموعة مؤلّفة من 56 ذكرًا و55 أنثى للخنافس.

وفُصِلَت الخنافس لمدة خمسة أيام وفقًا لجنسها، كما حُصِرَت درجة الحرارة من 5 إلى 7 درجات مئويّة (9 إلى 12.6 درجة فهرنهايت) –أيّ فوق معدّل الحرارة المفضّل للخنافس-.

بينما بقيت مجموعة الضبط في درجة الحرارة القياسيّة.

بعد إجازة قصيرة أُحضِرَت إناث الخنافس إلى الذكور، ولم تكن النتائج مُبشّرة جدًا لمستقبلها.

فبينما بقي الوضع التكاثريّ للإناث سليمًا، لم تُبلِ الذكور جيدًا.

ويبدو أنّ الموجة الحراريّة الّتي تمّت مُحاكاتها قد قلّصت للنصف عدد الأفراد الّتي تمكّن الذكور من إنتاجها.

عندما أعاد العلماء الدراسة من جديد لاحظوا شيئًا آخر مُقلقًا بشكلٍ أكبر، فقد تفاقمت المشاكل التكاثريّة بعد كلّ موجةٍ حراريّةٍ مُتعاقبة.

وبعد موجتين حراريتين فقط -قُسّمت على عشرة أيام- عانى الذكور عمليًا من العقم، إذ كان إنتاجهم أقلّ من واحدٍ بالمئة من مجموعة المراقبة.

يبدو أنّ المشكلة ارتبطت بالحيوانات المنويّة، فقد انخفض إنتاج الحيوانات المنويّة بثلاثة أرباع بعد موجة الحرارة المُحاكاة، ولكن حتّى الحيوانات المنويّة المُنتجة كانت تناضل من أجل النجاة في القناة التناسليّة الأنثويّة.

ويشرح كاج: «لقد أظهرنا في هذه الدراسة أنّ وظيفة الحيوانات المنويّة تُعتبَرُ صفة حسّاسة خاصةً عند ارتفاع درجات حرارة البيئة، وفي نظام نموذجيّ هي تمثّل مقدارًا ضخمًا من التنوع البيولوجيّ العالميّ».

وأضاف: «وبما أنّ وظيفة الحيوانات المنويّة ضروريّة من أجل التكاثر وبقاء المجموعات السكّانية، فإنّ بإمكان هذه النتائج توفير تفسيرٍ للسبب وراء معاناة التنوّع البيولوجيّ من التغيّر المناخيّ».

لكن هناك نتيجة أخرى مُثيرة للقلق بنفس القدر إن لم يكن بشكلٍ أكبر.

قد تكون هذه الدراسة الأولى التي تُشير إلى أنّه بإمكان الضرر الناتج عن موجات الحرارة امتلاك آثار تراكميّة بين جينيّة.

فقد وُجد أنّ عدد الأفراد المُنتجة من قِبَل ذكور الخنافس عاشت لفترة أقصر إذا كان أبوهم واجه موجة حراريّة.

كما كانت هذه الأفراد أقلّ خصوبة وتنتج أفرادًا أقلّ بدورها.

ويُشير كلّ هذا إلى تضرّر (الحمض النوويّ – DNA) داخل الحيوانات المنويّة أيضًا من الحرارة ما جعل المشكلة أكثر صعوبة للتعامل معها من قبل العلماء.

حذّر الباحثون من إمكانيّة إضعاف الآثار التراكميّة بين الجينيّة -التي اكتشفوها- للمجتمعات السكّانية للحشرات والّتي تعاني في الأصل من تغيّر المناخ.

هذا خبرٌ سيّء أيضًا لأنّ الحشرات تلعب دورًا لا غِنى عنه في شبكة الغذاء العالميّة من خلال تلقيح الأزهار والنباتات، وباختصار هي مسؤولة عن الكثير من الأغذية التي تظهر في أطباقنا.

بينما لا يزال من المُبكّر جدًا الإقرار بهذا، يصرّح الباحثون أنّ تأثيرًا مُشابهًا يمكن أن يكون جُزءًا ممّا يُسبّب الانخفاض الأخير في الخصوبة عند البشر، إذ انخفض عدد الحيوانات المنويّة للمواطن الغربيّ إلى النصف في الأربعين عام الأخيرة فقط، ولا يزال العلماء غير أكيدين من السبب.

كما صرّح كاج لجريدة الغارديان: «قد يكون هناك صلة بالخصوبة عند البشر».

وأضاف: «تكمن المُعضلة في أنّ واحدًا من الأسباب التي تُؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة المناخ، وبالتالي إنتاج المزيد من موجات الحرارة هي وجود الكثير من البشر. لهذا يمكن أن يكون الأمر عادلًا».

نُشرت هذه الدراسة في “Nature Communications”.


  • ترجمة: عدي بكسراوي
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: مازن سفّان
  • المصدر