يُعتبر الأشخاص ذوو الذكاء المرتفع أفضل من غيرهم في مجالات كثيرة ويُتوقع منهم الوصول إلى تحصيل دراسي مرتفع ووظائف أفضل ومعدلات دخل مرتفعة.

مع هذا يبدو أنَّ الذكاء المرتفع مرتبط ببعض الأمراض العقلية والمناعية مثل الاكتئاب واضطراب ثنائي القطب والقلق واضطراب تشتت الانتباه مع إفراط في النشاط بالإضافة إلى الحساسيات والربو والاضطرابات في جهاز المناعة.

العلاقة بين الذكاء والأمراض الجسدية

يبيّن لنا بحث جديد نُشر في مجلة ” intelligence” هذا الأمر والآلية وراء هذا الارتباط.

قارن منجزو الدراسة البيانات المأخوذة من 3,715 عضوًا من جمعية منسا الأمريكية (2% من الأشخاص الذين سجلوا أعلى نتائج في اختبارات الذكاء) ببيانات دراسات استقصائية وطنية لدراسة انتشار بعض الاضطرابات عند الأشخاص ذوي الذكاء العالي مقارنة بالأشخاص العاديين.

عندما تعلق الأمر بالأمراض الفيزيولوجية، تبين أنَّ الأشخاص ذوي القدرات الإدراكية العالية كانوا أكثر عرضة للإصابة بالحساسيات البيئية بمقدار 213% وأكثر عرضة للإصابة بالربو بمقدار 108% وفيما يتعلق بالأمراض المناعية الذاتية كانوا أكثر عرضة بحوالي 84%.

اتجه الباحثون إلى حقل المناعة العصبية النفسية ليحصلوا على إجابتهم.

يفحص علم المناعة العصبية النفسية كيفية تأثير الضغط المتراكم نتيجة للعوامل البيئية على التواصل ما بين الدماغ والجهاز المناعي.

العلاقة بين الذكاء والأمراض العقلية والاضطرابات النفسية

أشار الباحثون إلى أنَّ الأشخاص ذوي الذكاء العالي ميالون إلى «فرط في الاستثارة الذهنية» ولديهم تفاعل عال للجهاز العصبي المركزي.

يعطي هذا الأمر الأشخاص الذين يتمتعون بذكاء عالٍ وعيًا متزايدًا يساعد في عملهم الإبداعي والفني.

في الواقع، يشير حقل القدرات الإدراكية أنَّ لدى الأشخاص الأذكياء «قدرة أوسع وأعمق لفهم محيطهم».

من الممكن أن يؤدي فرط الفعالية هذا إلى اكتئاب شديد وصحة عقلية سيئة نرى هذا الأمر عند الشعراء وكاتبي الروايات.

تزيد حدة الاستجابة العاطفية للبيئة من ميلهم للتأمل والقلق وينبئ كلا الأمرين بالكآبة واضطرابات القلق.

يقول الباحثون أنَّه بإمكان الاستجابة النفسية المتزايدة التأثير على المناعة وقد يملك الأشخاص الذين يعانون فرط الاستثارة ردَّ فعل قوي لمحفزاتٍ خارجيةٍ غير ضارة مثل علامة ملابس مزعجة أو صوت ما.

بإمكان رد الفعل هذا أن يتحول إلى إجهاد مزمن منخفض المستوى مُطلِقًا استجابة مناعية غير مناسبة.

عندما يشعر الجسم أنه في خطر بغض النظر إنْ كان خطرًا حقيقيًّا مثل السم أو خطر خيالي مثل الصوت المزعج، يطلق مجموعة من الاستجابات الفيزيولوجية التي تتضمن عددًا ضخمًا من الهرمونات الناقلات العصبية وإشارات الجزيئات.

وعندما تُفعّل هذه التفاعلات بصورة مزمنة ستؤدي إلى تغيير الجسم والدماغ إلى سوء انتظام في الوظائف المناعية وإلى ظهور حالات مثل الربو والحساسية والأمراض المناعية الذاتية.

أثبتت البحوث العلمية العلاقة بين الأطفال الموهوبين وازدياد نسبة الإصابة بالحساسيات والربو، وأظهرت إحدى الدراسات أنَّ 44 % من الذين يتمتعون بمعدل ذكاء يتجاوز 160 مصابون بالحساسيات مقارنةً بـ 20% من أقرانهم من نفس عمرهم وقد أيَّدت الدراسة الاستطلاعية التي أجراها مؤلفو البحث الأخير هذه العلاقة.

نظرية تكامل فرط الدماغ \ فرط الجسم

واستنادًا إلى النتائج التي توصلوا إليها والدراسات السابقة أطلق الباحثون على هذه الظاهرة نظرية تكامل فرط الدماغ / فرط الجسم:

«إنَّ فرط الاستثارة المرتبط بالأشخاص الذين يتمتعون بذكاء عالٍ يجعلهم معرضين لخطر الإصابة بفرط في الحساسية من العوامل البيئية الداخلية أو الخارجية. قد يساهم التأمل والقلق إلى جانب الإدراك المتزايد في الأنماط المزمنة من استجابات المحاربة والفرار أو الجمود والذي يطلق فيما بعد مجموعة من التفاعلات المناعية. [. . . ] يُعتبر التنظيم المناعي التوازنَ الأمثل للاستجابات المحرضة والمضادة للالتهابات ويجب أن يركز على الالتهاب بقوة ثم يرجع إلى حالة الهدوء. إنَّ هذا النظام يفشل في الوصول إلى توازن ولذا تكون الإشارات الالتهابية في حالة من التفعيل المزمن عند الأشخاص ذوي فرط الاستثارة الذين ذكرناهم سابقًا بالإضافة إلى المصابين بعيب الحاجز الأذيني».

استنتج كاتبو البحث أنه من الضروري دراسة العلاقة بين ذوي الذكاء العالي (بالأخص أذكى 2%) والأمراض بشكل أكبر من أجل معرفة السبب وتسليط المزيد من الضوء على سلبيات الذكاء العالي.

وأضافوا: «من الممكن أن تكون هذه الهبة محفزًا للتمكين وتحقيق الذات أو إشارة لعدم الانتظام والضعف».


  • ترجمة: سنان حربة
  • تدقيق: فتاة وزة
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر