عادة ما تبحث الرحلات الفضائية لكوكب المريخ عن الحياة على سطح الكوكب، وخصوصًا الأماكن التي تحتوي على دلالات قوية على وجود مياه في الماضي؛ وذلك لأن وجود المياه مؤشر رئيسي على وجود كائنات حية في هذا المكان، كما هو الحال على سطح الأرض.

لكن حتى الآن لم نرصد أي شكل للحياة على سطح الكوكب، فما علينا سوى الاتجاه نحو الأسفل؛ تحت سطح الكوكب، وذلك حسبما أشار الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي (AGU) في اجتماعه السنوي المُنعقد يوم 11 ديسمبر عن عام 2018.

كشفت الاستكشافات الجوفية لسطح الأرض في العقود الأخيرة عما يُسمى “المحيط الحيوي”، حيث تم الكشف عن بيئات تعج بالكائنات الدقيقة تحت سطح الأرض، ويأمل العلماء أن يكون له مثيل على كوكب المريخ.

وصرح البروفيسور جوزيف ميشاليسكي-Joseph Michalski -الأستاذ المشارك في قسم علوم الأرض بجامعة هونغ كونج- «في الواقع لم يكن هناك أي دفعة تطورية للسكن على سطح المريخ، وأي ادعاء بأن الحياة قد تطورت على سطح المريخ، ما هو إلّا انحياز لمعرفتنا الأرضية فقط».

قبل مليارات السنين، عندما كان النظام الشمسي وليدًا، كانت الكواكب صغيرة، وحينئذ كان سطح كوكب المريخ مُشابهًا لسطح كوكبنا الأرضي، ولكن مع تطور النظام الشمسي فَقَدَ كوكب المريخ حقله المغناطيسي؛ ما جعله عُرضة للإشعاعات الكونية؛ وجعل تطور الحياة على سطحه أو وجودها من الأساس معدومة الفرصة في البقاء.

ولكن بالرغم من كل ذلك، فإن الحياة قد تكون بالفعل قد نشأت على سطح هذا الكوكب قبل ذلك؛ فالعلماء يعتقدون بأن بداية ظهور الحياة على سطح الأرض كان من حوالي 3.8 – 3.9 بليون سنة، وعندها كانت الظروف على سطح الأرض مشابهة تمامًا للبيئة الحرارية المائية الآن، ومن هنا قد نستنتج بأن الحياة قد نشأت على سطح المريخ، ولكن مع التغيرات البيئية على سطح الكوكب، اتجهت الكائنات الحية نحو أعماق الكوكب بحثًا عن بيئة أفضل.

ويُكمل ميشاليسكي تصريحاته: «أن الحياة من الممكن أن تكون قد ظهرت في تلك البيئات المائية الحرارية، واحتاجت وقتًا طويلًا للتكيف مع البيئة الأرضية».

وإذا اعتبرنا أن المحيط الحيوي الأرضي هو مؤشر قوي على وجود الحياة في أعماق المريخ، فإن هذا المحيط الحيوي يحتوي على أنواع عديدة ومختلفة من الكائنات الحية الدقيقة، وقد اكتُشِفَ منذ حوالي 30 عام، ويعتقد العلماء أن هذا المحيط يحتوي على نصف الكائنات الحية الموجودة على الأرض.

ويُضيف ميشاليسكي: «المحيط الحيوي للأرض يلعب دورًا هامًا في دفن الكربون في باطن الأرض، وذلك يعتبر عاملًا رئيسيًا في تأسيس عملية الاحتباس الحراري للأرض، بالإضافة لاعتباره مصدر طاقة هام ورئيسي، كما أن هذه الكائنات تلعب دورًا هامًا في دراسة نشأة الحياة على سطح الأرض وتطورها، ومحاولة ربط الكواكب الصخرية ببعضها، خصوصًا تلك التي تشابهت ظروف نشأتها، وهي محاولة أساسية لفهم أصولنا».

يُعد المكان تحت سطح كوكب المريخ مكانًا مثاليًا لنشأة الكائنات الحية الدقيقة، فهو أفضل حتى من كوكب الأرض في تلك الخاصية، خصوصًا أن الصخور المُكونة لأعماق كوكب المريخ واسعة المسام؛ ما يسمح بسهولة تبادل الغازات والغذاء بين تلك الكائنات الدقيقة، بالإضافة إلى أن نواة كوكب المريخ بالرغم من أنها منصهرة إلّا أنها أبرد من مثيلتها لكوكب الأرض، وهي درجة حرارة مثالية للكائنات الدقيقة التي تعيش في الصخور العميقة.

فهناك الكثير من الاحتمالات لوجود كائنات أحادية الخلية تحت سطح كوكب المريخ، ولربما كانت هذه الكائنات خاملة حتى الآن، ولكن سيأتي وقت وتستيقظ فيه لتستكمل حياتها.


  • ترجمة : مازن عماد
  • تدقيق: براءة ذويب
  • تحرير: مازن سفّان
  • المصدر