في سياق البحث عن الحياة القديمة في المريخ، سترسل ناسا مركبتها الفضائية التالية The Rover إلى المريخ لاستكشاف (مُنخفض جيزيرو – Jezero Crater) وهو موقع دلتا – البحيرة*

ستنطلق المركبة الفضائية في 2020، وستكون مجهزةً بنظام حفرٍ يمكنه جمع وتخزين العيّنات الصخرية التي ستساعدنا على فهم الماضي السحيق للمريخ.
بعد الانتهاء من جمع العيّنات الصخرية، تَأْمل ناسا أن تُرسل بعثاتٍ فضائية تالية لتأخذ العيّنات وتعيدها إلى الأرض.

قال توماس زوربوشن، المدير المساعد للعلوم في ناسا: «إنَّ الحصول على عيّناتٍ من نظام (دلتا-البحيرة – lake-delta) سيُحدث ثورةً في طريقة تفكيرنا بشأن المريخ وقدرته على احتواء الحياة».

 

جاء اختيار موقع الهبوط بعد سنواتٍ من البحث وأيامٍ من الجدل العنيف حول أفضل بقعةٍ للبحث عن أدلةٍ على الحياة القديمة في عالمٍ غريبٍ مجهول.

من بين البدائل الأخرى التي دُرست كان (كولومبيا هيلز – Columbia Hills)؛ وهو عبارةٌ عن نبعٍ ساخنٍ قديمٍ اكتُشف بواسطة المركبة فضائية سبيريت المنتهية الآن.

وموقعٌ آخر هو (شمال شرق سيرتس – Northeast Syrtis)؛ وهو عبارةٌ عن شبكة هضابٍ قديمة كانت تحتوي على مياه جوفية.

في النهاية، قال زوربوشن إنَّ الاختيار قد وقع على مُنخفض جيزيرو لتنوّع التضاريس فيه، فكل نوعٍ من أنواع الصخور هناك -بدايةً من الطين الذي يمكن أن يحافظ على علامات الكائنات الحية القديمة وصولًا إلى الصخور البركانية التي تشير إلى تطور كوكب المريخ- ستساعد المركبة على تحقيق هدفين علميين رئيسين؛ هما تحديد طبيعة بيئة الكوكب الأحمر في الماضي البعيد، وتتبّع أي أثرٍ لحياةٍ قد كانت هناك.

في المؤتمر الذي أعلن عن القرار، وصف كين فارلي (عالِم مشروع مارس 2020) أنظمة الدلتا بأنها «جيدة للغاية في الحفاظ على البصمات الحيوية».

هنا على الأرض، لا يقتصر الأمر على غنى هذه النظم البيئية بالحياة، بل يمكن للكائنات الحية في المياه الجوفية التي عاكست اتجاه تيار الماء أن تكون عالقةً في رواسب الدلتا أيضًا.

قال فارلي: «نريد البحث عن أدلةٍ على وجود حياةٍ قديمة على كوكب المريخ».

 

إنهم لا يتوقّعون العثور على أي شيءٍ على قيد الحياة.

«إنَّ سطح المريخ حاليًا شديد الجفاف، وباردٌ للغاية، ويحتوي على الكثير من الإشعاعات؛ وهي ظروفٌ لا ينجو منها أيُّ شكلٍ من أشكال الحياة التي نعرفها».

كشفت النتائج من بعثاتٍ سابقة أنَّ المريخ لم يكن دائمًا ذلك العالم الصحراويّ المُقفر الذي نراه اليوم.
توحي البراكين الخاملة بأنها كانت ذات نشاطٍ بركانيٍّ شديد.
وتُظهر التضاريس -مثل الدلتا الجافة في مُنخفض جيزيرو- أنَّ الماء السائل كان موجودًا على السطح؛ ما يعني أنَّ المريخ ربما كان لديه غلافٌ جوي أكثر سمكًا للحفاظ على المياه من التبخّر.

تشبه هذه النظرة الجديدة للمريخ ما نعرفه عن أرضنا في عصورها القديمة، إذ يعرف العلماء أنَّ الحياة البكتيرية قد بدأت على أرضنا منذ أربعة مليارات سنة.

 

إن كان هذا هو ما حدث هنا على الأرض، فلماذا لم يحدث هناك على المريخ؟

يجيب تيم جودج، عالم الجيولوجيا في جامعة تكساس في أوستن، أحد أبرز المدافعين عن الموقع، إنَّ مُنخفض جيزيرو هو أفضل مكانٍ على سطح المريخ لبحث هذا السؤال.
إنَّ مواقع الدلتا محبوبة من قِبل العلماء؛ لأنها بمثابة مستودعٍ للترسّبات التي تترتّب في طبقاتٍ عبر أماكن تجمعات المياه، ثم تتحوّل تدريجيًا إلى صخورٍ قوية.

نتجت العديد من الحفريات القديمة الموجودة على الأرض هنا من بيئةٍ من هذا النوع، فإذا ما سَبَح الميكروب في الممرات المائية للمريخ، فقد تبقى بقاياه العضوية مدفونةً في أحجار الطين على طول حافة مُنخفض جيزيرو.

قال غودج: «تخبرنا الصخور الرسوبية بتاريخ ما يحدث في الموقع، إنّها سجّلات على شكل طبقاتٍ يُمكنك قراءتها مثل كتاب».

في مذكرةٍ مُعلِنةٍ عن اختياره، أشار زوربوشن إلى أنَّ مُنخفض جيزيرو وفّر فرصًا للتنقيب بعد مهمته الأولية، والتي ستستمر 1.5 سنة مريخية (حوالي 2.8 عامًا أرضيًا).
المُنخفض ليس بعيدًا عن منطقة تُعرف باسم (ميدواي – Midway)؛ والتي تشترك في العديد من الخصائص مع شمال شرق سيريتس.
قال أعضاء فريق العلماء لمشروع مارس 2020 -في ورشة عملٍ حديثة لتقييم مواقع الهبوط المحتملة- قد تسمح مهمةٌ موسّعة تربط جيزيرو مع ميدواي للعلماء باستكشاف أفضل كلا الموقعين.

 

مُنخفض جيزيرو هو المنطقة الأكثر غدرًا من أي منطقةٍ أخرى تستخدمها ناسا للهبوط عليها.

في العادة، يهبطُ -مَن يهبط على سطح الكوكب- على بقعةٍ يُسمّيها العلماء مازحين (مكان وقوف السيارات – Parking lot)؛ أي المنطقة المسطّحة المميزة.
ثم «يقودون» بعد ذلك لمسافاتٍ طويلة للوصول إلى الصخور ذات الفائدة الحقيقية.

لكن، هناك تقنيةٌ جديدةٌ مبتكرة تُسمّى (الملاحة الجوية للتضاريس – terrain relative navigation TRN) تسمح لمركبة الفضاء بمقارنة صور الواقع الطبيعيّ تحتها بخارطةٍ أخرى للمخاطر المعروفة والمُحتملة، وبالتالي، تجعل المركبة تهبط في أي مكانٍ بأمان.

 

فقط حوالي 40% من مهمات المريخ كانت ناجحة. ومهمة مارس 2020 ليست قليلة المخاطر.

قال زوربوشن: «لا توجد خطةٌ بديلةٌ يمكن اتّباعها».

ولأنَّ التكنولوجيا الملاحية TRN جديدة ولم تُستخدم من قبل؛ طلب زوربوشن من المهندسين إجراء مزيدٍ من التحليل الإضافيّ عليها، فدون ضمان عمل التكنولوجيا على النحو الذي صُمّم؛ قد تشكّل البيئة المعقّدة لمُنخفض جيزيرو خطرًا داهمًا على الهبوط، ولكن زوربوشن أفاد أنه سعيدٌ بالتقدّم الذي أُحرز حتى الآن بخصوص التكنولوجيا الجديدة.

قالت لوري جلاز -القائمة بأعمال مدير قسم علوم الكواكب بوكالة ناسا- للصحفيين إنَّ هذه المهمة ستحدّد ملامح العقد القادم من استكشاف المريخ.
وأضافت: «كلما فهمنا أكثر عن بيئة المريخ، كُنّا أفضل تجهيزًا لإرسال البشر فيما بعد».

 

ستُطلق مهمة مارس 2020 في 17 يوليو 2020، ومن المتوقّع أن تهبط على المريخ في فبراير 2021.

تُخطط ناسا لإطلاق مهمةٍ أخرى في أواخر 2020 لتلتقط العيّنات التي ستُجمع من مُنخفض جيزيرو، وذلك وفقًا لزيربوشن.

إذا نجحت المواعيد المُخطط لها على المريخ، ستعود المركبة الفضائية لتسليم شحنتها من العيّنات إلى الأرض في أوائل 2030.

قال زوربوشن: «لن نذهب إلى أي مكانٍ آخر في أي وقتٍ قريب، المريخ هو أفضل مكانٍ بعد القمر، لكي يتوسّع وجودنا بشكلٍ أكثر عمقًا في هذا الفضاء».

* في عام 2007، اكتُشفت بحيرة قديمة جافة على سطح المريخ وسُمّيت على اسم إحدى البلدات في البوسنة والهرسك Jezero؛ ما يعني «البحيرة».
هذا المكان هو عبارة عن مُنخفض أرضيّ غمرته المياه قديمًا؛ ما جعله يحتوي على العديد من الترسبات الصخرية الغنية بمعادن مثل الكربونات، وهي المعادن التي ترتبط عادة بالحياة هنا على الأرض، وتبقى محفوظة لزمن طويل مثل دلتا الأنهار هنا على الأرض.
تُسجّل هذه الترسبات التاريخ الجيولوجي لهذه المنطقة الجغرافية على شكل طبقاتٍ محفوظة.


  • ترجمة: أحمد فوزي
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • المحرر: ماتيو كيرلس
  • المصدر