كان المريخ لوقت طويل يُعتبر أرضًا جافة وقاحلة، غير قادرة على إنبات الحياة. لكن الأبحاث في السنوات القليلة الأخيرة بينت أن هناك الكثير من المياه المالحة، يمكن أن تمتد لتصبح بحيرة تحت سطح أرض المريخ!

وجود هذه المياه قد يفتح آمالًا جديدة في احتمال وجود حياة على الكوكب الأحمر، وفي كل الأحوال فإن ذلك بالطبع يتوقف على مدى توفر شروط الحياة في هذه المياه.

الدراسة الجديدة نُشرت في مجلة (علوم الأرض Nature Geoscience) وقد كانت نتيجتها مدهشة!

فقد أظهرت أن الرواسب المالحة تحت سطح المريخ وخصوصًا تلك التي بالقرب من قطبي الكوكب تحتوي على أكسجين جزيئي.

ومن المعلوم أن هذا هو الشرط الأساسي والحاسم لكي تظهر الحياة هنا على أرضنا.

ولذا فالنتيجة المثيرة التي أمامنا هي أن هناك احتمالًا فعلًا أن يحتوى الكوكب على حياة ميكروبية أو حتى حيوانات بسيطة مثل الإسفنج.

إن عمر المريخ يشبه عمر الأرض فهو يتراوح ما بين 3.8 إلى 4 بليون سنة، وبذلك على الأرجح كانت تتوفر فيه الشروط اللازمة لظهور الحياة.

وعلى مدار هذا التاريخ كان الكوكب يحتوى على طبقة كثيفة من الغلاف الجوي، وعلى سطحه كانت تتدفق المياه، والمجال المغناطيسي كان يغطيه بالكامل وانتشرت فيه البراكين.

الآن، أصبح سطح المريخ باردًا وجافًا. وتتراوح درجة حرارته نهارًا فيما بين 5 إلى 10 درجات سيليزية، أما ليلًا فهي تنخفض بقسوة لتصل إلى ما بين -100 إلى -120 درجة سيليزية.

الحقيقة أن الضغط الجوي الآن في المريخ أقل من 1% من ضغط الأرض، وهذا يجعل المياة الجارية على سطحه تتبخر بسرعة.. لكن يمكن أن يظل بعضها عالقًا تحت السطح.

كما أن البراكين أصبحت ميتة، وتبقت فقط حقول مغناطيسية صغيرة الحجم للقشرة الأرضية تعمل على حمايتها من الإشعاع الشمسي القاسي وبالذات في نصف الكرة المريخية الجنوبي.

ولذا فإن الحياة على المريخ كانت حتى وقت قريب غير محتملة إلى حد بعيد.

وتزايدت الأدلة..

نحن الآن نعرف أن هناك آثارًا للميثان في المريخ، لقد اكتشفت هذه الآثار بواسطة كل من (مارس إكسبريس Mars Express)* و ( مسبار Curiosity rover) **.

ومصدر هذا الميثان إما أن يكون النشاط المائي الحرارى (حركة المياة الساخنة) أو الحياة الميكروبية.
على الأرض، تُنتج الأبقار المنتفخة البطن ما بين 25% إلى 30% من غاز الميثان.***

آثار الميثان على المريخ تُشكل تحديات لفهمنا للكوكب الأحمر، ولطالما كان مصدر التحديات هو اكتشاف الحياة، فحتمًا سيكون اكتشافًا مذهلًا!

برنامج تتبع الغاز المداري (اكسو مارس ExoMars) الروسي الأوروبي يبحث في أسباب الميثان.

وكذلك برنامج ناسا للاستطلاع المداري للمريخ اكتشف خصائص موسمية أطلق عليها (خطوط الانحدار المتكرر recurrent slope lines) وهي تشبه المسارات المتعرجة على وجه الأرض التي تتركها المياه المالحة التي تسربت إلى قاع الأرض.

ومع ذلك فهناك تفسير آخر لهذه الخصائص الموسمية التي تظهر يراه بعض العلماء، فهم يفترضون أن هذه مجرد تحركات للرمال على سطح الوديان. وعلى الرغم من هذا الافتراض، فإن المركبات الفضائية قد عثرت على بعض الجزيئات مثل كلورات الكالسيوم والمغنسيوم بالقرب من خطوط الانحدار المشتبه بها وهذا يشير بالطبع إلى وجود المحاليل الملحية المترسبة.

ومؤخرًا، وجدت بعثة (مارس اكسبريس) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية أدلة رادارية على المياه السائلة تحت المنطقة القطبية الجنوبية على كوكب المريخ، التي يحتمل أن تكون بحيرة تحت سطح الأرض.

هذه المياه، التي تبدو مالحة سيبلغ عمقها 20 كيلومترًا (12 ميلًا) وعرضها 1.5 كيلومترًا (1 ميل) تحت السطح.

الدراسة الجديدة قامت بحساب كمية الأكسجين الجزيئي التي يمكن إذابتها في المحاليل الملحية السائلة في المريخ.

وقد تبين أن الكمية الصغيرة من الأكسجين التي يتم إنتاجها في الغلاف الجوي يمكن أن تتحلل بالفعل في المحاليل الملحية عند درجة الحرارة والضغط العاديين بالقرب من سطح المريخ.

وباستخدام نموذج محاكاة للغلاف الجوي المريخي، درس الباحثون هذا الذوبان في مواقع مختلفة من الكوكب وعبر زمن معين.

فوجدوا أن البيئات السائلة التي تحتوي على أكسجين جزيئي مُذاب ستنتشر عبر أغلب سطح المريخ، وستزداد تركيزًا بالقرب من القطبين حيث الطقس الأكثر برودة.

لقد أظهرت نماذج المحاكاة أن تركيزات الأكسجين السابقة تكفي لكي يتنفس أى نوع من أنواع الميكروبات الهوائية (مثل البق)!

على أرضنا، الحياة انبثقت بصحبة عملية البناء الضوئي، لأنها العملية التي تزود كل أشكال الحياة الهوائية بالأكسجين اللازم للتنفس.

ولكن النتائج الجديدة مثيرة للغاية، فهي تكشف عن أنه يُمكن خلق الأكسجين بشكل مستقل تمامًا عن التمثيل الضوئي.

وهذا تحديدًا يمكن أن يشرح كيفية تكون الصخور التي تحتوي على أكسجين على سطح الكوكب الأحمر بدون بناء ضوئي.

السباق لاستكشاف الفضاء..

إذن كيف يمكننا العثور على دليل وجود الحياة؟

تُقدم البعثات الحالية للمريخ خرائط عالمية للمعادن وكذلك معلومات عن سطح الكوكب، وآخر الاكتشافات كانت اكتشاف وجود جزيئات عضوية ربما كانت منذ زمن طويل على سطح الكوكب وستقوم ناسا بجلبها للأرض في عام 2020.

والمشاريع المقبلة في المستقبل تخطط لتحفر بعمق 5 سم تحت سطح الكوكب، وفي 2020 سيقوم برنامج (مارس اكسبريس) بالحفر ليصل إلى عمق 2 متر.

هذا سيصل إلى أعماق يمكن أن تصل إليها الأشعة فوق البنفسجية والأشعة الكونية والأشعة الشمسية.

وكل هذه الأشعة يمكن أن تؤذي الحياة إذا كانت هناك بالفعل، فنأمل أن يتم العثور على الحياة بواسطة هذه المهمات المستقبلية.

سوف يتم تحديد مواقع الهبوط (لاكسو مارس) في نوفمبر، ويترشح للهبوط اثنان من أهم البيئات القديمة الغنية بالمياه على الكوكب.

وعلى الرغم من أن الاستراتيجية الحالية هي البحث عن علامات للحياة القديمة على المريخ ، فإذا كانت هناك حياة حالية فإنها بالتأكيد قابلة للاكتشاف أيضًا.

سننتظر نتائج (إكسو مارس) لنرى إذا كانت ثمة علامات على وجود آثار حيوية قديمة أو حديثة على المريخ، وأن نقوم بتحليل العينات التي ستحضرها معها..

هناك سقف لما يمكننا القيام به، وذلك بسبب صعوبة الحفر العميق على كوكب بعيد.. ولذلك فقد يكون الرهان الأفضل هو استهداف مناطق أقرب إلى الأسطح الملحية، مثل تلك التي تتسرب فيها المياه.

هناك عقبة أخرى تتمثل في قواعد حماية الكواكب، والتي تنص على أنه لا ينبغي عليك أن تخاطر بتلويث منطقة قد تكون فيها حياة خارج الأرض مع بكتيريا من الأرض.

ومع ذلك ، فإن الأمل هو أن أي حياة في المريخ ستكون قوية بما يكفي لملء المناطق الأخرى.

هامش:

(*) وهو برنامج الفضاء لوكالة الفضاء الأوروبية الذي هبط على المريخ في أول زيارة له لكوكب من كواكب مجموعتنا الشمسية (المترجم)

(**) وهي مهمة مختبر علوم المريخ التابع لبرنامج وكالة ناسا لاستكشاف المريخ (المترجم)

(***) وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة ، تنتج الأبقار غازات دفيئة أكثر من السيارات والطائرات وجميع أشكال النقل مجتمعة. (المترجم)


  • ترجمة: أحمد فوزي
  • تدقيق: م. قيس شعبية
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر