إذا كنت قد تناولت دواءً موصوفًا لك، أو قدتَ سيارتك أو شربت من ماء الصنبور، فمن المرجّح أنك قد تعرّضت للكلور.

يمتلك (الكلور – Cholrine) -العنصر السابع عشر في الجدول الدوري للعناصر- العديد من التطبيقات، فيُستخدم لتعقيم مياه الشرب أو تطهير بِرَك السباحة، يُوظَّف أيضًا في صنع العديد من المنتجات الشائعة، مثل الورق، والأقمشة، والأدوية، والطلاءات، والبلاستيك؛ وخصوصًا (الكلوريد عديد الفينيل – PVC)، وذلك حسب (الجمعية الملَكية للكيمياء – Royal Society of Chemistry).

علاوةً على ذلك، يُستخدم الكلور في تطوير وصناعة المواد الداخلة في المنتجات التي تزيد من خفّة المَركبات، انطلاقًا من وسائد وأغطية المقاعد، إلى ممتصِّ الصدمات والأربطة المكوّنة للإطارات، حسب (المجلس الأمريكي للكيمياء – American Chemistry Council).
يُستخدم هذا العنصر أيضًا في العمليات الكيميائية العضوية؛ كعاملٍ مؤكسدٍ وبديلٍ عن الهيدروجين على سبيل المثال، حسب (مكتبة لوس ألاموس الوطنية – Los Alamos National Laboratory).

علمًا أنَّ العامل المؤكسد عمومًا يمتلك قدراتٍ مطهّرة ومبيّضة قوية، أما عند استخدام الكلور كبديل عن الهيدروجين، يمكن أن يُنتج العديد من الصفات المرغوبة في المركبات العضوية، كخواصّه المُطهرة أو قدرته على تشكيل مركباتٍ مفيدة كالـ (PVC) والمطاط الصناعي.

ولكن، يخبّئ الكلور كذلك جانبًا مظلمًا، يتجلّى بشكله الغازيّ الطبيعيّ، فهو ضارٌّ بصحة الإنسان، يُعتبر مخرشًا للطرق التنفسية وقد يؤدي استنشاقه إلى وذمةٍ رئوية؛ والتي تتمثّل بتراكمٍ مفرط للسوائل في الرئتين، ما يؤدي إلى اضطراباتٍ تنفسية.

قد يسبّب غاز الكلور أيضًا تخريشًا للعين والجلد، أو حتى حروقًا وتقرّحاتٍ شديدة، حسب (قسم الصحة في ولاية نيويورك – New York State Department of Health)، بالإضافة إلى أن التعرّض لسائل الكلور المضغوط قد يؤدي إلى ثتليج الجلد والعين (frostbite)، حسب الجهة ذاتها.

خواص الكلور

• العدد الذريّ (أي عدد البروتونات في النواة): 17
• الرمز الذريّ (على الجدول الدوري للعناصر): Cl
• الوزن الذري الوسطي: 35.453 غ / مول
• الكثافة: 3.214 غ / سم۳
• الطور عند درجة حرارة الغرفة: غاز
• درجة الانصهار: – 150.7 فهرنهايت (- 101.5 °م)
• درجة الغليان: – 29.27 فهرنهايت (- 34.04 °م)
• عدد النظائر (وهي عناصرٌ تتشابه بالذرات وتختلف بعدد النيترونات): 24، بينما عدد النظائر الثابتة منها: 2.
• النظائر الأكثر شيوعًا: Cl-35 (تبلغ نسبة توفّره الطبيعي 76%)

غازٌ أصفر مخضرّ يُخلط بينه وبين الأكسجين

في عام 1774، أضاف الصيدلاني السويدي (كارل فلهلم شيله – Carl Wilhelm Scheele) بضع قطراتٍ من حمض كلور الماء على قطعةٍ من ثنائي أكسيد المنغنيز في مخبره، فانطلق غازٌ أصفر مخضرّ خلال ثوانٍ قليلة، حسب المجلس الأمريكي للكيمياء.

إلا أنه لم يتم التعرّف على الكلور كعنصرٍ حتى عدة عقودٍ لاحقة، من قِبل الكيميائي الإنكليزي (همفري دافي – Humphry Davy)، إذ اعتقد الناس قبل ذلك أنه مركبٌ أكسجينيّ، فأطلق عليه ديفي اسم (كلوروس – Khloros)، وهو يعني في اليونانية الأصفر المخضرّ، وفي عام 1810، حُدِّث الاسم ليصبح (الغاز الكلوري – chloric gas) أو (الكلور – chlorine).

ينتمي الكلور للهالوجينات (عناصر مشكّلة للأملاح)، وتشمل كذلك الفلور (F)، والبروم (Br)، واليود (I)، والأستاتين (At).
تقع هذه العناصر في العمود الثاني من يمين الجدول الدوري ضمن المجموعة 17، وتتماثل بالترتيب الإلكترونيّ لذراتها، فتضمُّ 7 إلكترونات في المدار الخارجيّ، وتُعتبر جميعها شديدة التفاعل.

فعندما ترتبط مع الهيدروجين تُنتج حموضًا، ولكنها لا توجد في الطبيعة بشكلها العنصريّ، حسب (جامعة بيردو – Purdue University)، وإنما توجد عادةً كأملاح في المعادن.
في الحقيقة، يُعتبر الشكل الأكثر شيوعًا لمركبات الكلور (كلوريد الصوديوم) المعروف كذلك بملح الطعام، وتتضمن المركبات الأخرى كلوريد البوتاسيوم الذي يُستخدم للوقاية من انخفاض مستويات البوتاسيوم في الدم أو علاجه، وكلوريد المغنيزيوم المُستخدم للوقاية من عوز المغنيزيوم أو علاجه.

يُحصل على معظم الكلور بواسطة التحليل الكهربائيّ لمحاليل كلوريد الصوديوم، باستخدام تيارٍ كهربائي لتحريض تفاعلٍ كيميائيّ، وذلك حسب (جامعة يورك – University of York)، إذ تقوم هذه العملية بفصل العناصر عن بعضها.

هل تعلم؟

• نظرًا للخواص السامة للكلور، استُخدم كسلاحٍ كيميائيّ خلال الحرب العالمية الأولى حسب الجمعية الملكية للكيمياء.
• عندما يُعزَل الكلور كعنصرٍ حر، فإنه يأخذ شكل غازٍ أصفر مخضرّ أثقل بـ 2.5 مرة من الهواء تشبه رائحته المبيّضات.
• يُعتبر الكلور ثاني أكثر الهالوجينات وفرةً وخفّةً على الأرض بعد الفلور.
• يُعدُّ كلوريد الصوديوم (الملح) أكثر مركبات الكلور شيوعًا، ويوجد بكمياتٍ كبيرة في المحيطات.
• قد يوجد القليل من الكلور في الدجاج الذي تأكله، فعادةً ما تُنقع جثث الدجاج القادمة من مزارع المعامل في الولايات المتحدة بالكلور للتخلص من الملوثات البرازية.
• يخرّب الكلور الأوزون، فيساهم باستنزافه، في الحقيقة يمكن لذرةٍ كلور واحدة أن تدمّر ما يصل لـ 100,000 جزيئة أوزون قبل أن تُزال من طبقة الستراتوسفير، حسب (الوكالة الأمريكية لحماية البيئة – U.S. Environmental Protection Agency).
• تعتمد نظافة برك السباحة على إضافة الكلور إليها، فحسب المجلس الأمريكي للكيمياء، ينبغي أن تحتوي برك السباحة على جزأين إلى أربعة أجزاء من المليون من الكلور، وقد تشير رائحة الكلور القوية التي قد تشمّها عند السباحة في تلك البرك في الحقيقة إلى الحاجة لإضافة المزيد من الكلور لموازنة المواد الكيميائية في المياه.

الأبحاث الحالية

أثار الكلور ضجةً بين الباحثين على مدى السنين بسبب بعض التأثيرات الضارّة التي قد يسبّبها على صحة الإنسان، لكن ما زالت هذه التأثيرات موضع النقاش.

إذ يشكّل الكلور جزءًا من الذرات المكوّنة لسمٍّ يوجد في جلود بعض الضفادع في أمريكا الجنوبية، والذي بإمكانه شلّ الحيوانات الضحمة أو حتى قتلها، حسب المجلس الأمريكي للكيمياء، وكان السكان الأصليون للغابات الكولومبية الاستوائية يفركون رؤوس رماحهم بجلود هذه الضفادع.

حاول (جون دالي – John Daly)، عالمٌ يعمل لدى المعاهد الوطنية للصحة، عزل هذا المركب السام والمعروف بـ (الإيبيباتيدين – Epibatidine)، لكنه لم يتمكّن من الحصول على ما يكفي منه نظرًا لكون تلك الضفادع مهدّدة بالانقراض.

على الرغم من ظهور آثارٍ جانبية غير مرغوبة للمركبات المشابهة التي صنعها، ولكن، يأمل الكيميائيون إيجاد صيغة تعمل كمسكّن قوي للألم من خلال إعادة ترتيب الإيبيباتيدين على مستوى ذريّ.

ربطت كذلك أبحاثٌ سابقة بين شرب الماء المُكلوَر وتزايد خطر الإصابة بالسرطان، فعلى سبيل المثال، توصّل الباحثون في دراسةٍ منشورة عام 1992 في دورية (American Journal of Public Health) إلى تزايد خطر الإصابة بسرطان المثانة لدى الأشخاص الذين قد شربوا ماءً مكلوَرًا بنسبة 21%، وبنسبة 38% لسرطان المستقيم، مقارنة مع الذين لم يشربوا ماءً مكلورًا.

وجد الباحثون في دراسةٍ أخرى منشورة عام 2010 في دورية (Environmental Health Perspectives) أنَّ الأشخاص الذين قد سبحوا في برك ماءٍ مكلورة لمدة 40 دقيقة، أظهروا ارتفاعًا في المؤشرات الحيوية المتعلقة بخطر الإصابة بالسرطان.

لكن في عام 2017، نُشرت دراسةٌ في الدورية السابقة ذاتها أشارت إلى أنه وبالرغم من ترافق شرب الماء المكلور مع ارتفاع خطر الإصابة بسرطان المثانة، لم تتوفّر أدلةٌ كافية تربط بين السباحة في بركة ماء مكلورة وسرطان المثانة في دراسة شملت عدد ساعات السباحة في الصيف وخارجه وضمن مجالاتٍ عمرية مختلفة.

لم تصنِّف أيٌّ من وزارة الصحة والخدمات البشرية في الولايات المتحدة الأمريكية، أو الوكالة الدولية للأبحاث السرطانية، أو الوكالة الأمريكية لحماية البيئة الكلورَ كعاملٍ مسرطن للبشر، وذلك حسب مراكز مكافحة الأمراض واتّقائها (CDCs).

فهل الكلور ضارٌ بالصحة؟

ليس تمامًا، كما أشار (بريستون ج. ماكدوغال – Preston J. MacDougall)، أستاذ في الكيمياء من جامعة (Middle Tennessee State) في مورفريسبورو في الولايات المتحدة الأمريكية بقوله: «لن تودَّ استخدام كمياتٍ مفرطة من الكلور، لكن ينبغي ألا نفزع من المواد الكيميائية لأننا لا نفهمها».

في الحقيقة، يفيد الكلور في القضاء على (جرثومة الإشريكية القولونية – E.coli) الضارّة، ودون الكلورة الكافية للماء قد تنتج عواقب مدمّرة للصحة والحياة.

فعلى سبيل المثال، تُوفي سبعة أشخاص ومرض ما يزيد عن 2,300 آخرين في شهر مايو/أيار عام 2000 في ووكيرتون في مقاطعة أونتاريو الكندية، بعد أن تلوّثت مصادر مياه المدينة بالـ (E.coli) وجراثيم أخرى، حسب (مجلس الصحة وجودة المياه – Water Quality and Health Council).

ولم تكن لتحصل الكارثة لو حُوفظ على المستويات المطلوبة من الكلور في المياه حتى بعد تلوّثها، وذلك حسب تقريرٍ نشره النائب العام في وزارة أونتاريو.

تُعدُّ إضافة الكلور للمياه أيضًا طريقةً لمحاولة تسهيل الحصول على المياه النظيفة في البلدان النامية، فقد صرّحت دراسة منشورة عام 2017 بوفاة ما يقارب 3.4 مليون شخصٍ سنويًا جرّاء تلوّث المياه بالجراثيم الضارة، مثل الـ (E.coli)، بالإضافة إلى عدم توفّر مصدر موثوق لمياه الشرب النظيفة لدى ما يصل لـ 4.4 مليار شخص.

توجد بعض الأخبار الواعدة المتعلّقة بالأبحاث حول الكلور، فقد أشار ماكدوغال إلى دراسةٍ حديثة على ذرات الكلور الموجودة في صنفٍ جديدٍ من المضادات الحيوية التي اكتُشفت في كائناتٍ حية بحرية صغيرة في المياه شمال الأطلسية بالقرب من النرويج، إذ تُعدُّ ذرات الكلور ضرورية لفعالية هذه المركبات، والتي قد تشمل القضاء على جراثيم العنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيللين (MRSA) المسبّبة لالتهاباتٍ صعبة العلاج لدى البشر ومقاومة للمضادات الحيوية شائعة الاستخدام.

وأضاف ماكدوغال، والذي ساهم في البحث المنشور في أبريل/نيسان عام 2014 في دورية (Angewandte Chemie International Edition): «إنَّ مجتمع اكتشاف الدواء متحمسٌ للغاية لتلك المركبات الطبيعية، لأنها فعالة ضد الـ (MRSA)».

ترجمة سارة وقاف
تدقيق تسنيم المنجد

المصدر