أظهر بحث جديد أنّ التعرّض قبل الولادة لمستوى أعلى من الفلورايد لا يُضعِف التطوّر المعرفي فحسب،  بل يزيد أيضًا من حدوث اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD) لدى الأطفال.

يقول المحقّق مورتيز باشاش Morteza Bashash، الحاصل على درجة الدكتوراه من كلية الصحة العامة بـ دالا لانا/ جامعة تورنتو كندا، لميد سكيب ميديكال نيوز: «إنّ دراستنا الحالية تشير إلى أن الفلورايد لا يتدخّل في معدّل الذكاء الإجمالي أو التطوّر الإدراكي العام فقط؛ بل قد يساهم أيضًا في ظهور أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه».

هذه ليست الدراسة الأولى التي تربط بين الفلورايد واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أو ضعف الإدراك، ولكن يؤكّد باشاش أنّه لأوّل مرة يجد العلاقة بين زيادة الإصابة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة والتعرّض للفلورايد قبل الولادة.

ويضيف باشاش: «هذا العمل مبنيٌّ على أبحاث سابقة التي نشرتها أنا وفريقي حول هذه الفئة من الناس، ما يشير إلى أنّ وجود مستويات مرتفعة من الفلورايد في البول أثناء الحمل يرتبط بانخفاض الدرجات في اختبارات الإدراك ومعدّل الذكاء لدى هؤلاء الأطفال في سنّ الدراسة».

نُشِرت هذه الدراسة في العاشر من تشرين الأول في مجلة البيئة الدولية(Environment International).

علاقة الجرعة بالتأثير:

أشار الباحثون إلى أنّ الدراسات السابقة التي أُجريت على الحيوانات بالإضافة إلى الدراسات السريرية أثارتِ المخاوف من التأثيرات المحتملة للتعرّض للفلورايد على التطوّر السلوكي العصبي، مثل انخفاض معدّل الذكاء ونقص الانتباه.

لفحص العلاقة بين التعرّض للفلورايد قبل الولادة والأعراض المرتبطة بنقص الانتباه وفرط الحركة، حلّل الباحثون بيانات عن 213 زوجًا من الأمهات والأطفال في دراسةٍ حشديّةٍ منذ الولادة حول التعرض في وقتٍ مبكّر للسموم البيئية (ELEMENT). أُجريت الدراسة على النساء الحوامل من 1994 إلى 2005 وما زالت مستمرّةً في متابعة النساء والأطفال.

استخدم فريق البحث العيّناتِ البوليةَ للأمهات وتقييمات الطفل المتعلقة بنقص الانتباه وفرط الحركة من سنّ الستّ سنوات حتى 12 سنة. قاسوا مستويات الفلورايد البولية المعادلة للكرياتينين (MUFcr) في عيّنات البول التي جُمِعت خلال فترة الحمل.

تألّفت تقييمات الطفل من مقاييس تقييم كونورز-Conners المعدّلة (CRS-R) التي أنجزتها الأمهات، واختبار كونرز المستمرّ للأداء (CPT-II)، والذي كان يُطبق على الأطفال.

عُدِّلت البيانات للعوامل معروفة التأثير على النمو العصبي، بما في ذلك التعرّض للرصاص، وتاريخ التدخين، وعمر الحمل عند الولادة، والحالة الاجتماعية للأم، والعمر عند الولادة، والوضع الاجتماعي الاقتصادي.

وجد الباحثون أنّ متوسط MUFcr كان 0.85 ملغ/لتر (SD = 0.33). وكان الفرق بين الرُّبَيع الأول والثالث، أو المدى بين الرُّبَيعَين (IQR)، 0.46 ملغ/لتر.

سجّل المشاركون أيضًا درجاتٍ أعلى على مقاييس الأعراض، بما في ذلك المشكلات الإدراكية وعدم الانتباه.

يقول باشاش: «لاحظنا وجود ترابط إيجابي بين التعرّض العالي للفلورايد قبل الولادة وبين المزيد من الأعراض السلوكية لعدم الانتباه، ما يوفّر دليلًا إضافيًّا يشير إلى السمية العصبية للتعرّض المبكّر للفلورايد».

لم يجد الباحثون أيّ ارتباطات مهمّة مع النتائج في CPT-II أو على مقاييس الأعراض التي تُقيِّم فرط النشاط.

مصادر الفلورايد:

بالإضافة إلى فلورة المياه، يُضاف الفلورايد أيضًا إلى منتجات الأسنان، وتحتوي مجموعة من الأطعمة كذلك على كميات مختلفة. أحد عواقب استهلاك الفلورايد الزائد هو تسمّم الأسنان بالفلور أو تغيّر لون الأسنان أو تآكل الأسنان.

تشير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) إلى أنّه في الفترة بين 1999 و2004 كان حوالي 33٪ من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و11 سنة قد تعرّضوا لبعض أشكال تسمّم الأسنان بالفلور (تآكل الميناء).

وقد اقترحت (CDC) تدابيرَ لحماية الأطفال. وأوصت الأسر التي لديها أطفال تقلّ أعمارهم عن 8 سنوات بالتفكير في استخدام مصادر بديلة لمياه الشرب أو ترشيح المياه إذا كانوا يعيشون في منطقة تكون فيها مستويات الفلورايد أعلى من 2 جزء في المليون.

وقال باشاش: «إنّ النتائج التي توصّلنا إليها، جنبًا إلى جنب مع الأدلة من دراسات أخرى، تعزّز الحاجة إلى مزيد من البحث عن الآثار السلبية المحتملة للفلورايد، وخاصة عند النساء الحوامل والأطفال، وضمان أنّ فوائد مكملات الفلورايد على مستوى السكان تفوق أيّ مخاطر محتملة».

وأضاف: «إنّ التعرّض المبكّر للفلورايد يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في حساسية المرض في وقت لاحق من الحياة، مع تزايد الاعتراف بالصلة بين اضطراب تطوير الجهاز العصبي المركزي والاضطرابات العصبية والنفسية العصبية في وقت لاحق».

خلال السنوات الخمسين الماضية، زعمت المؤسسة الطبية أن الفلورايد آمن وفعال. فهل يجب تغيير الموقف الرسمي تجاه الفلورة؟

قال باشاش: «أنا لا أعتقد أنّه يمكن استخدام دراستنا وحدها للإجابة عن هذا السؤال».

مزيد من البحوث اللازمة:

وتعليقًا على النتائج التي توصّل إليها Medscape Medical News، قال أليكس ديميتريو، الطبيب الحاصل على الزمالة في الطبّ النفسي وطبّ النوم ومؤسّس شركة Menlo Park Psychiatry and Sleep Medicine (مينلو بارك الطب النفسي وطب النوم)، إنّه من الجدير بالذكر أنّ العديد من مشاكل الصحة العقلية، التي تتراوح من الاكتئاب إلى الجنون بما في ذلك اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، قد تكون نتيجة لعوامل عديدة تؤدّي مجتمعةً إلى المرض.

يقول ديميتريو، الذي لم يشارك في هذا البحث، إنّه على الرغم من أنّ الباحثين قد تعرّفوا على أحد العوامل البيئية العديدة التي تسهم في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، فإنّه يودّ رؤية نتائجهم مكرّرةً في دراسة أكبر قبل اتّخاذ موقف عام من تقديم المشورة ضدّ فلورايد الماء أو المنتجات.

ويضيف: «الفلورة غير سيّئةٍ كلّيًّا، وفي الواقع هناك فوائد صحية، على الأقلّ للأسنان، ننتفع منها. ولكن إذا ارتبط ذلك بزيادة اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، فقد ترغب بعض الأمهات الحوامل في تجنّب المنتجات المفلورة، بما في ذلك معجون الأسنان».

ويضيف أيضًا: «يلعب علم الوراثة دورًا في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ويدعم العديد من دراسات التبنّي المزدوجة الدور الجينيّ القويّ. فالنوم أيضًا يلعب دورًا رئيسًا، ويجب فحص أي طفل مصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بسبب انقطاع النفس أثناء النوم أو التسنين. لا أستطيع أن أؤكّد بشكل كافٍ عدد «العلاجات» التي رأيتها في الأطفال الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط التي نتجت عن تصحيح النوم».

مُوِّلت الدراسة من قبل المعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية، الذي هو جزء من المعاهد الوطنية للصحة. وأعلن مؤسِّسو الدراسة والدكتور ديميتريو أنّ الدراسة ليست على صلةٍ بأيّة علاقات مادية.

نُشِرَ على الإنترنت بتاريخ 10 تشرين الأول 2018.


  • ترجمة : ماريانا عادل
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر