هل رأيت شهابًا من قبل؟ وهنا لا نعني النيازك الدقيقة التي تحترق بمجرّد دخولها الغلاف الجوّي للأرض، بل نجمًا حقيقيًا.

هذا النجم يترنّح خارجًا من مداره بسرعةٍ تتجاوز ملايين الأميال في الساعة ليتحرّر من مجرّته داخلًا إلى الفضاء ما بين المجرّات.

يطلق علماء الفلك عليها اسم (النجوم فائقة السّرعة – Hypervelocity Stars)”، وهذه تمثّل أسرع النّجوم حركةً في مجرّتنا.

بسبب سرعتها الفائقة، تتحرّر هذه النجوم من الروابط الجاذبيّة التي من المفترض أن ترغمها على الدّوران حول مركز المجرّة، كما تدور شمسنا.

وتظهر هذه النّجوم أنّها تتّجه بسرعةٍ عاليةٍ، محترقةً في طريقٍ لا نهائيّ خارج مجرّتنا، بعضها قد ينتهي به المطاف متحرّكًا بلا هدفٍ أو وجهة في الفضاء، والبعض الآخر قد يدخل إحدى المجرّات الفضائية البعيدة ليستقرّ ويدور فيها، وقد يبقى جزءٌ منها فضائيًا يسبح هنا وهناك.

دراسة نشرت في مجلة (Monthly Notices of the Royal Astronomical Society) الشّهريّة مفادها أنّ علماء الفلك في جامعة ليدين في هولندا راقبوا 13 نجمًا فائق السّرعة لا يمكن أن يعزى وجودهم لأيّ جزءٍ من مجرّتنا.

وبدلًا من خروج هذه النّجوم خارج مجرّتنا، يبدو أنّها فضّلت التواجد فيها.

يقول توماسوماركيتي– أحد المساهمين في الدراسة السابقة: «بدلًا من الطيران بعيدًا عن مركز المجرّة، معظم النجوم السريعة التي قمنا بتعقّبها تبدو كأنّها تتّجه نحو المركز.

ومن الممكن أن يكون مصدر هذه النّجوم مجرّاتٌ أخرى، تتّجه مباشرةً إلى مركز درب التبّانة».

حدّد ماركيتي وزملاؤه هذه النّجوم المتطفّلة والتي لا تنتمي إلى درب التّبّانة من خلال تحليل بيانات سرعات ومواقع أكثر من 7 ملايين نجمة في درب التّبّانة، هذه البيانات أخذت من المرصد الفلكي جايا التابع لوكالة الفضاء الأوروبيّة –European Space Agency’s Gaia satellite .

وخلال عمليّة مسحيّة للسماء للوصول إلى معلومات حول أسرع النّجوم في المجرّة، وجد الباحثون ما يقارب العشرين نجمًا غير مكتشفٍ من قبل، وهي التي قد تكون مسافرة في المجرّة متحرّرةً من قوى جذب المركز.

سبعة من النّجوم أظهروا هروبهم من المجرّة، وتتسارع خارجًا متّجهةً نحو الفضاء ما بين المجرّات.

أمّا النجوم الثلاثة عشر بدوا متحرّكين في مسارٍ يجعلهم بعيدين كلّ البعد عن احتماليّة نشأتهم في قرص مجرّة درب التبّانة.

ويكمل الباحثون: «في الغالب، مجموعة النّجوم الغريبة تلك نشأت في إحدى المجرّات القريبة من مجرّتنا، مثل سحابة ماجلان الكبرى -وهي مجرّة صغيرة تابعة لمجرّة درب التبّانة، وحجمها تقريبًا يساوي 1% من حجم مجرّتنا- وبطريقةٍ ما اتخذت هذه المجموعة مسارًا في مجرّتنا».

كلا المجموعتين تمثّلان أسرع النّجوم التي عرفناها في مجرّتنا، تتحرّك بسرعةٍ تتجاوز مئات الملايين من الأميال في السّاعة.

ولتقريب المثال للفهم، فإنّ سرعة الأرض في مدارها حول الشّمس تقترب من النصف مليون ميل في الساعة.

كيف من الممكن أن يخرج النّجم من مداره وبهذه السّرعة أصلًا؟

يعتقد علماء الفلك أنّه سببٌ متعلّق بأنظمة النّجوم الثّنائيّة (أي أنّ نجمين يدوران حول بعضهما البعض حول نقطةٍ محوريّة).

وتشرح النّقطة السابقة بأنّه لو حدث حادثٌ ما لأحد النّجمين، كأن يبتلعه ثقبٌ أسود، أو تنتهي دورة حياته، فإنّ الاضطراب في قوّة الجاذبيّة الناتج من الحادثة سيكون كافيًا لإطلاق النّجم الآخر خارج مساره.

تقول إلينا روسي، أحد الباحثين في الدّراسة: «على أيّ حال، دراسة هذه النّجوم قد تعطينا معلومات أكثر عن المجرّات القريبة، وعن العمليات التي تحدث فيها أيضًا».

حتى عام 2017، اكتشف علماء الفضاء عشرين نجمًا فائق السّرعة فقط، لكنّ نماذجهم النظريّة تؤكّد وجود ما يقارب العشرة آلافٍ منها تسبح حول مجرّتنا، هذه الدّراسة تعطينا دليلًا حديثًا على أنّ المجرّات الأخرى ليست بعيدةً جدًا كما نتخيّل.

ومن خلال هذه الرّسالات الفضائيّة، يمكننا معرفة القليل عن جيراننا في المجرّات أيضًا!


  • ترجمة: محمد يامين
  • تدقيق: علي فرغلي
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر