أخيرًا وبعد 130 سنةٍ من تأسيسه، أصبح الكيلوغرام – كما نعرفه – على وشك التقاعد.

ولكنّها ليست النهاية، فسيتم وضع تعريفٍ جديدٍ له وهو أكثر دقةً من أيّ شيءٍ لدينا حتى الآن.

في 16 نوفمبر من هذا العام يقوم المؤتمر العام المعني بالأوزان والمقاييس (CGPM) في مدينة فرساي بالتصويت لإجراء التغيير رسميًا.

معظم الناس لا يفكرون في (علم القياس – Metrology) مع أننا نتعاطى معه بشكلٍ يوميٍ، لكنّه مهم للغاية.



فهو ليس فقط النظام الذي نقيس به العالم بل أيضًا النظام الذي يدير به العلماء ملاحظاتهم؛ لذلك يجب أن يكون دقيقًا وثابتًا ويفضل أن يستند إلى قوانين الكون التي نعرفها.

ولكن من بين الوحدات الأساسية السبعة للنظام الدولي للوحدات (SI)، أربعة منها لا تعتمد على ثوابت الفيزياء وهي: الأمبير لقياس التيار الكهربائي والكلفن لقياس درجة الحرارة والمول لقياس كمية المادة والكيلوغرام لقياس الكتلة.

أوضح مدير المكتب الدولي للأوزان والمقاييس (BIPM) (تيري كوين- Terry Quinn) للمجلة العلمية (Science Alert): «الفكرة هي أنّ جميع الوحدات التي تستند في تحديدها إلى أسس ثوابت الفيزياء ثابتة التعريف ولن تتغير في المستقبل، ويمكن استخدامها عالميًا في كلّ مكانٍ».

على سبيل المثال، يُحدد طول المتر بالمسافة التي يقطعها الضوء في الفراغ في 1/299792458 من الثانية، وتُحدد الثانية بالوقت الذي تستغرقه ذرة عنصر السيزيوم لتتذبذب 9192,631,770 مرة.

يُعرّف الكيلوغرام بواسطة… الكيلوغرام.



كلا، حرفيًا إنّه وزن الكيلوغرام الذي يسمى النموذج الدولي للكيلوغرام (IPK)، والذي صنع في عام 1889 من 90% من البلاتين و 10% من الإيريديوم، واحتُفِظ به في قبو مقر (BIPM).

في الواقع الكيلوغرام هو الوحدة الأساسية الوحيدة في (SI) والتي لاتزال محددةً بجسمٍ ماديٍ ملموسٍ.

هناك نسخ من (IPK) في مواقعٍ مختلفةٍ حول العالم، وتستخدم كمعايير وطنيةٍ وأحيانًا تُعاد إلى فرنسا لتُقارن بالنموذج الأولي.

وهنا تصبح الأمور مثيرةً للاهتمام، فلوحظ أنّ كتلة هذه النسخ تنحرف عن كتلة (IPK) المحبوس في القبو، ومن غير الواضح ما إذا كانت النسخ تفقد كتلتها أو أن (IPK) اكتسب كتلةً، لكنّ لا تعتبر أيّ من السيناريوهات مثاليةً للدقة العلمية، حتى لو كنا نتعامل في الواقع مع مجرد ميكروغرام واحد.

خلال السنوات القليلة الماضية، كان علماء المقاييس والموازين يتحدثون عن الحاجة إلى معيارٍ جديدٍ.

والآن أصبحوا مستعدين أخيرًا لإعادة تعريف الكيلوغرام استنادًا إلى ثابت بلانك – وهو نسبة الطاقة إلى تردد الفوتون – والمقاسة بأكثر قيمها دقةً حتى الآن منذ العام الماضي.

وأوضح كوين: «الآن فقط يمكننا تعريف الكيلوغرام من خلال الثوابت الفيزيائية مثل ثابت بلانك وسرعة الضوء والتردد الرنيني لذرة السيزيوم».

لماذا الثلاثة جميعهم؟

هذا لأن وحدات ثابت بلانك هي (kgm2s-1)، لذا نحتاج أولًا إلى تحديد المتر (من سرعة الضوء) والثانية (من خلال ذرة السيزيوم في الساعة الذرية)، لذا في ظل التعريف الجديد يُحدد مقدار الكيلوغرام عن طريق تثبيت القيمة العددية لثابت بلانك بحيث تساوي بالضبط 6.626 069… × 10–34 عندما يُعبّر عنها بواسطة (s–1 m2 kg) والتي تساوي Js.

لن يُحدِث ذلك أيّ اختلافٍ ملموسٍ في حياة معظم الناس فالكيلوغرام من التفاح قبل التغيير سيظل كيلوغرامًا من التفاح بعد التغيير، لكنّها ستحدث فرقًا بالنسبة لعلماء المقاييس والموازين على وجه الخصوص، وبقية العلماء بشكلٍ عامٍ.

ويمكن أن تعتمد معايير الوحدة الأساسية على الوحدات الأساسية الأخرى، فستعرّف الشمعة – وهي وحدة شدة الأضاءة – والأمبير والمول بدقةٍ أكبر استنادًا إلى الكيلوغرام.

وقال كوين: «التعريف الجديد سيحسن إلى حدٍ كبيرٍ من فهم الوحدات وتدريسها بطريقةٍ أنيقةٍ، وسوف يفتح الطريق إلى تحسيناتٍ غير محدودةٍ في دقة القياسات، وسيحسن ذلك الدقة ويوسع إمكانيات إجراء قياساتٍ دقيقةٍ بكمياتٍ صغيرةٍ وكبيرةٍ جدًا، وكما أنّها ستكون نهايةً لحقبةٍ وبدايةً لحقبةٍ أخرى».

أما بالنسبة لـ (IPK) نفسه، فستظل قطعة المعدن الصغيرة التي كانت مهمةً للغاية لسنواتٍ عديدةٍ محفوظةً في الظروف نفسها التي كانت عليها دائمًا، تحت جرسين في داخل القبو المتحكم بمناخه.



هذا جزئيًا لتكريمه كتراث، لكنّ العلماء سيظلون دائمًا علماءً.

وقال كوين: «سيُدرَس في السنوات والعقود المقبلة، ويمكننا أن نلاحظ مدى تغير كتلته في هذه المرة وسيكون مقارنةً بالتعريف الجديد للكيلوغرام غير القابل للتغيير، وأخيرًا سنكون قادرين على معرفة ما إذا كان قد فقد كتلته طوال ذلك الوقت».

كما أشار كوين إلى أنّه في حين قد يبدو الأمر مقعدًا، إلّا أنّ النظام الجديد يمكن فهمه بسهولةٍ من قِبَل أيّ شخصٍ.

وقام هو بنفسه ببناء توازنٍ بسيطٍ من (الليغو-Lego) في طابقه السفلي والذي يمكنه أن يقيس مباشرةً ثابت بلانك، بدقةٍ في حدود 5%.

وقال: «إنّ أطفال المدارس سيستمتعون جدًا بهذه التجربة».

سيجري التصويت في 16 نوفمبر في المؤتمر العام الـ 26 للأوزان والمقاييس في فرساي في فرنسا.

وإذا فاز المصوتون – كما سيحدث بدون شك – فإنّ التعريف الجديد للكيلوغرام سيصبح فعالًا في اليوم العالمي للمقاييس في 20 مايو 2019.


  • ترجمة: محمد رشود
  • تدقيق: رند عصام
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر