في خريف عام 1929، طارت آن مورو ليندبيرغ وزوجها تشارلز عبر شبه جزيرة يوكاتان، التقطت آن حينها صورًا فوتوغرافيّة للغابات أسفلها. ثمّ كتبت في صحيفتها عن هياكل حضارة المايا المخفية تحت هذه الأجمات الضخمة من النباتات، حين رأت جدارًا حجريًا بين أوراق الشجر، واعتبرته علامةً على حضارةٍ عظيمةٍ قد اندثرت.

تعقيد أكبر من المتوقع في حضارة المايا

بعد قرابة قرن من الزمان، طار الباحثون مرة أخرى فوق إمبراطوريّة المايا القديمة ورسموا خرائط لغابات جواتيمالا باستخدام أشعة الليزر.

يتضمن استطلاع عام 2016 – الذّي نُشرت أولى نتائجه في مجلة ساينس العلميّة – عشرات المخططات والتّي تغطي مساحة 830 ميل مربع، هذا هو أكبر استطلاع لمنطقة المايا في التاريخ.

هذا وقد شاركت في كتابة الدراسة ماري جين أكونيا، مديرة مشروع (El Tintal) الأثري في غواتيمالا.

في الماضي، كان علماء الآثار يعتقدون أنّ حضارة المايا تتألف من مجموعة من المدن الصغيرة المتناثرة في السهول المنخفضة.

توضح هذه الدراسة أنّ شعب المايا قد استغلوا «بيئة أرضهم وجغرافيتها» على نطاق واسع، حسب قول أكونيا.

حيث عملت أعداد كبيرة من شعب المايا في الزراعة وأقاموا علاقات في جميع أنحاء المنطقة.

جمعت (أكونيا – Acuña) وزملاؤها – وهم فريق علمي دولي مكوّن من 18 شخصًا- 61480 هيكلًا من خلال عمليات المسح.

وقد شملت هذه الهياكل: 60 ميلًا من الجسور والطرق والقنوات التّي تربط المدن، ومزارع الذرة الكبيرة، ومنازل كبيرة وصغيرة، بالإضافة إلى التحصينات الدفاعيّة التّي تشير إلى تعرض المايا للهجوم من غربيّ أمريكا الوسطى.

نُشرت صور أوليّة من هذا الاستطلاع في فبراير شباط الماضي، في حين كتب (باركاك – Parcak) الذي لم يشارك في البحث على تويتر: «هل تدركون أنّ الباحثين استخدموا الليزر فقط للعثور على 60000 موقع جديد في غواتيمالا ؟!؟ هذا هو التراب المقدس».

من الجدير بالذكر أنّ باركاك يُعتبَر بطل استخدام بيانات الأقمار الصناعيّة المخصصة لمراقبة المواقع عن بعد في مصر وأماكن أخرى، وقد تمّ وصف برنامجه (علم الآثار الفضائية – GlobalXplorer.org) بكونه محبوب الأطفال في”Google Earth” و “Indiana Jones” .

كما وصرّح باركاك: «إنّ حجم المعلومات التّي يمكننا جمعها الآن غير مسبوق، هذا المسح سيقضي على النظريات القديمة حول مجتمع المايا القديم».

وبفضل دعم من مؤسسة تراثيّة مقرها غواتيمالا تسمى (باكونام – Pacunam) أجرى الباحثون المسح الهائل والمُكلف باستخدام تقنية (ليدار – Lidar)، أو (الكشف عن الضوء وتحديد مداه – Light detection and ranging).

إذ قاموا بتخطيط العديد من المواقع الأثرية النشطة، بالإضافة إلى مدن المايا المدروسة جيدًا مثل “Tikal” و “Uaxactun”.

مبادئ “Lidar” مشابهة للرادار، باستثناء اعتماد الرادار على الموجات الراديويّة في حين يعتمد “lidar” على ضوء الليزر.

من طائرة تحلّق على ارتفاع آلاف الأقدام فوق المنطقة المستهدفة، مسح الباحثون كل متر مربع بـ 15 نبضة ليزر.

تخترق تلك النبضات النباتات ولكنّها تنعكس عن الأسطح الحجريّة الصلبة.

يحجب “lidar” رؤيتنا لأشجار الغابة أو الطبقات النباتيّة الأسفل منها، ولكنّه مكننا من رؤية الأنقاض والآثار المخفيّة تحت تلك الغابة الكثيفة.

مساحة امبراطورية حضارة المايا كبيرة للغاية

وقد استنتج الباحثون أنّ حضارة المايا قد تمّ بناؤها على مساحة 36700 ميلًا مربعًا، تشمل منطقة السهول المنخفضة.

إذ يقدّر المشاركون في الدراسة عدد الهياكل أو المباني في تلك المنطقة بـ 2.7 مليون هيكل ما يعني أنّ عدد السكان بين 7 ملايين و 11 مليون نسمة خلال فترة حضارة المايا الكلاسيكيّة – بين عامي 650 إلى 800 ميلادي – تماشيًا مع التقديرات الأخرى لعدد سكان المايا.

يقول عالم الآثار أرلين تشايس – وهو أخصائي حضارة المايا في جامعة نيفادا في لاس فيجاس – والذّي لم يشارك في هذا المسح، بأنّه جادل لسنوات طويلة بكون مجتمع المايا كان أكثر تعقيدًا ممّا نعتقد.

وفي عام 1998، وصف أرلين وزوجته ديان تشيس المصاطب الزراعيّة الدقيقة في مدينة مايا كاراكول في بليز.

بقولهم: «لن يصدق أحد أنّ المايا كان لديها مصاطب!» ويتابع تعليقه على نتائج هذه الدراسة قائلًا «إنّ النقلة النوعيّة التّي توقعنا حدوثها تحدث الآن»، ويضيف أنّه رأى ليدار يتطور من «نوع من التكنولوجيا السرية» التّي يستخدمها الجيش لرسم خريطة لشوارع الفلوجة، إلى أداة أثريّة قوية.

كان تشايس قد استخدم سابقًا ليدار في مدينة كاراكول حيث عاش قرابة 100.000 نسمة.

وهو يقارن تقنية ليدار بتقنية التأريخ بواسطة الكربون 14 المشع، التأريخ بالكربون المشع يعطي علماء الآثار جدولًا زمنيًا أكثر دقة.

إنّ تقنية ليدار تعطي علماء الآثار إحساسًا جديدًا بالمساحة، خاصّة في مناطق الغابات الكثيفة بالقرب من خط الاستواء.

قبل عامَين استخدم الباحثون مخطط كثافة البنيّة التحتيّة الحضريّة حول أنغكور – مقر إمبراطوريّة الخمير في القرون الوسطى في كمبوديا.

وقد صرّح باركاك: «بدأنا للتوّ باستخدام تقنية ليدار في العديد من المواقع الرئيسيّة في جميع أنحاء العالم، كموقع تيكال في أمريكا الوسطى ومواقع رئيسيّة في مصر».

على الرغم من قوّتها، لا يمكن لتقنية ليدار أن تحل محل علم الآثار القديم، وقد قام العلماء بزيارات على الأرض والتّي شملت 8% من مساحة الأراضي التّي تمّ استقصاؤها بتقنية ليدار مؤكدين النتائج التّي توصلت إليها هذه التقنية.

وصرّحت أكونيا التّي أكدت استمرارها في دراسة مدينة (التيندال – EL Tindal) القديمة التابعة للمايا: «ما زال هناك المزيد من المساحة التّي يجب أن نغطّيها ونعمل من أجلها».


  • ترجمة: أحمد علي
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر