لا بدّ أنك سمعت بمقولة: «سيفوتك بغمضة عين».

لكن عمومًا اطمئن..لن يفوتك شيء حين ترمش عيناك؛ فالحقيقة أننا لا نلاحظ ذلك حين نفعلها.

ففي الواقع وبالرغم من أنّ البالغين ترمش أعينهم ١٥ مرة بالدقيقة -في المتوسط- فإنّ رؤيتنا تظل سلسلة وغير متقطعة.

لكن كيف يتم الأمر بالضبط؟

اقترح الخبراء أنّ الدّماغ يملأ الفراغات مُحافظًا بذلك على «لقطة» تربط اللحظات القصيرة خلال رف العين وذلك حين تتوقف الرؤية لوهلة ما.

وتلك التفسيرات قصرت هذه الوظيفة بمناطق محددة في الدّماغ؛ ألا وهي المناطق الحسّية الموجودة في الخلف.

لكنّ الباحثين تساءلوا مؤخرًا ما إذا كانت مناطق أُخرى في الدّماغ مسؤولة أيضًا عن ذلك، وقد وجدوا واحدة في مقدمة الدّماغ.

في دراسة جديدة وصغيرة نُشرت على الإنترنت في -٢٤ سبتمبر ٢٠١٨- في نشرة (Current Biology)، وجد العُلماء أنّ القشرة أمام الجبهيَّة.

(prefrontal cortex – PFC) -وهي منطقة في الدّماغ مسؤولة عن صنع القرار والذاكرة قصيرة المدى- تربط ما نراه ما بين طرْف العين أو أيّ انقطاعات في الرؤية.

وبهذه الطريقة، تلعب القِشرة أمَام الجبهيَّة دورًا محوريًّا في ذاكرة الإدراك الحسّي (perceptual memory)، وهي نوع ذاكرة طويلة المدى والتي تخزن المُدخَل (المورِد) الحسّي (sensory input).

قائد مُعِدِّي الدراسة كاسبر شفيدرتيك (Caspar Schwiedrzik)، عالم أعصاب في المركز الرئيسي الألماني والمركز الطبي في الجامعة في غوتنغن في ألمانيا، وعبر بريد إلكتروني مرسَل إلى موقع (Live Science) أوضح أنّه في بحث سابق، اختبر مُعِدّو الدراسة نشاط الدّماغ مستخدمين تصوير الرنين المغناطيسي (MRI)، ووجدوا مناطق متعددة في الدّماغ -منها القِشرة أمام الجبهيَّة (PFC)- تنشط أثناء تشكّل ذاكرة الإدراك الحسّي.

يقول شفيدرتيك: «حين قارنوا النتائج عبر عدّة أشخاص مستهدَفين، كان النشاط في القِشرة أمَام الجبهيَّة (PFC) هو الأكثر ثباتًا، والأكثر قبولًا لأن يكون عاملًا في ذاكرة الإدراك الحسّي.

ويقول: «في الدراسة الجديدة، جهّز الباحثون لتكرار نتائج تصوير الرنين المغناطيسي الخاص بهم، وفعلوا ذلك باستخدام أسلوب (تقنية) أكثر مباشرة وأكثر كهروفيسيولوجيا».

خاصة وأنهم قاسوا نشاط الدّماغ في ستة أشخاص يعانون من الصرع، إذ زُرعت في أدمغتهم أقطاب كهربية لمعالجة حالتهم؛ وسمح هذا للعُلماء بتسجيل نشاط أدمغة المستهدَفين بشكل مباشر، وذلك بحسب الدراسة.

ما هي الطريقة؟

حين تطرف عين الشخص -بغضّ النظر عمّا يرونَهُ- يتذكّره الدّماغ، ثم يوصَل بصريًّا إلى ما يرونَهُ حين تُفتَح أجفانُ العين مجددًا.
وفِي الدراسة ابتكر العُلماء تجربَة تُظهِر اتصالًا مرئيًّا مشابهًا بين الصورتين.

وفي نفس الوقت، ستريهم الأقطاب الكهربية مناطق الدّماغ النشطة أثناء هذه التقطعات البصرية (أثناء رمش العين).

أظهر الباحثون في التجربة للمشاركين مخططًا بيانيًا حيث يمكن لتوجّه الخطوط أن تُفسَّر بطرق مختلفة، إما أفقيًا أو عموديًا.. على سبيل المثال، شاهد المشاركون المخطط على أزواج -واحدًا تلو الآخر- والتقطوا كلا الصورتين.

وبحسب التقرير الذي أعده الدارسون بأنه أثناء هذا النشاط، سجل العُلماء نشاط الدّماغ في القِشرة أمَام الجبهيَّة (PFC).

ولاحظوا أن ذاكرة الإدراك الحسّي تُنشَّط في حال كان التوجّه المختار في الصورة الثانية يطابق التوجّه في الصورة الأولى؛ وهذا يشير إلى أنّ مشهد صورة المخطط البياني الأول يؤثر في كيفية رؤية المستهدَف في الصورة الثانية.

ويخبرهم النشاط في القِشرة أمَام الجبهيَّة (PFC) خلال هذه التجارب أن هذه المنطقة في الدّماغ تتفاعل حينما تشتغل ذاكرة الإدراك الحسّي.

والأكثر من ذلك، وجدوا أنّ إحدى المستهدفات في التجربة والتي افتقدت الجزء الخاص بها من القِشرة أمَام الجبهيَّة (PFC) بسبب عملية جراحية سابقة أُجريَت لها، كانت غير قادرة على حفظ المعلومات لتشكيل ذاكرة إدراك حسّية في التجارب، موصين بذلك بأهمية القِشرة أمَام الجبهيَّة (PFC) في هذا النوع من الذاكرة ليقوم بوظيفته على أكمل وجه.

وفِي تصريح لشفيدرتيك: «أظهرت هذه النتائج أن القِشرة أمَام الجبهيَّة (PFC) تقوم بمعايرة المُدخل الجديد مع معلومات بصرية سابقة، وهذا يمكّننا من إدراك العالم بصورة أكثر استقرارًا، حتى ونحن نرمش بأعيننا لوهلة قصيرة».


  • ترجمة: لُبيد الأغبري
  • تدقيق: سهى يازجي
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر