في الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 2017 ولمدّة بضع دقائق، كانت البقعة الأبرد في الكون المعروف عبارة عن رقاقة صغيرة جدًا تحلّق على ارتفاع 241 كيلومترًا فوق كيرونا في السويد.

كانت الرقاقة صغيرة، بحجم طابعٍ بريديّ، مُحمّلة بذرات الراديوم 87 المرصوصة بقوّة.

أطلق العلماء هذه الرقاقة على متن صاروخٍ صغيرٍ بلا طيّار يبلغ طوله 12 مترًا، ثمّ أُمطرت الرقاقة بالليزر حتّى تبرّد الذرات الموجودة داخلها إلى مئتين وثلاثة وسبعين درجة مئويّة تحت الصفر أيّ جزء من جزء من درجة أعلى من الصفر المطلق، وهي أبرد درجة ممكنة في الطبيعة.

حين تمايل الصاروخ في جاذبيّة منخفضة للدقائق الستة التالية، حصل العلماء على فرصةٍ نادرةٍ لدراسةٍ عميقةٍ للحالة الأغرب والأقل فهمًا للمادة، ألا وهي تكاثف بوز-آينشتاين.

تمكّن العلماء للمرة الأولى من إنشاء هذه الحالة من المادة في الفضاء.

على عكس الحالات الأربعة للمادة – الصلبة، السائلة، الغازيّة، والبلازميّة -، فإنّ تكاثف بوز-آينشتاين يمكن تشكيله فقط إذا بَرُدَت الذرات الغازيّة إلى حدود عدّة مليارات من الدرجة فوق الصفر المطلق.

عندما تتبرد مجموعة الذرات إلى درجات حرارة منخفضة يتعذّر فهمها، تتوقف عن التحرك كذرات منفردة وتختلط معًا لتشكل “ذرّة عظيمة”.

حيث تصبح عشرات آلاف الذرات فجأةً غير قابلة للتمييز عن بعضها البعض، تهتز ببطء على طول موجيّ منتظم حيث يمكنها – نظريًا – التقاط أصغر اضطرابات الجاذبيّة حولها.

تجعل الحساسيّة المفرطة تكاثف بوز-آينشتاين أداةً واعدةً لاكتشاف موجات الجاذبيّة – وهي اضطرابات في انحناء الزمكان الذّي يتشكّل نتيجة اندماج أجسامٍ كبيرةٍ جدًا مثل الثقوب السوداء والنجوم النيوترونيّة.

المشكلة هي أنّ إنشاء العلماء تكاثف بوز-آينشتاين في مختبرات أرضيّة، سيمنحهم عدّة ثواني لدراسة التكاثف قبل أن تنزل المادة المتجانسة إلى قاع الحاوية الخاصة بها وتتفكك.

يحاول الباحثون الحصول على مزيد من الثواني لدراسة تكاثف بوز-آينشتاين وذلك برمي مكثفات بوز-آينشتاين من أبراجٍ طويلةٍ، لكنّ هذه الطريقة غير مناسبة للدراسة طويلة الأمد.

دراسة تكاثف بوز-آينشتاين في ظروف جاذبيّة منخفضة أو معدومة يكون أكثر نجاعة.

(أنشأت ناسا منذ وقت قريب مختبرًا للذرة البادرة في محطة الفضاء الدوليّة لهذا الغرض فقط).

هذا يعيدنا إلى الصاروخ، والرقاقة الصغيرة جدًا.

عندما أُطلِقَت الرقاقة المليئة بالذرات إلى الفضاء في يناير/كانون الثاني الماضي كجزء من تجربة تداخل المادة – الموجة في الجاذبيّة المنخفضة (MAIUS 1)، علم العلماء أنّ لديهم دقائق ثمينة لدراسة الرقاقة في اللحظة التّي تتجمد فيها الذرات الموجودة داخلها.

باستخدام مختبر مدمج مبنيّ داخل الصاروخ، أجرى العلماء مئة وعشر تجارب انقسام سريع جدًا حتّى يتمكنوا من الفهم بشكلٍ أفضل لكيفيّة تأثير الجاذبيّة على الذرات المبرّدة والمحاصرة، وكيفيّة تصرّف تكاثف بوز-آينشتاين في السقوط الحرّ.

من بين النتائج المنشورة في إصدار السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول لمجلة “Nature”، وجد العلماء أنّ تقسيم وإعادة تجميع تكاثف بوز-آينشتاين يمكن أن يكون أداةً رئيسيّةً في الكشف عن موجات الجاذبيّة المخادعة.

في إحدى التجارب، قسّم الفريق البحثي سحابة التكاثف إلى نصفين باستخدام الليزر، وبعدها شاهد الفريق النصفين يعودان للاندماج، لأنّ نصفيّ سحابة التكاثف يتقاسمان نفس الحالة الكموميّة ويتحركان كموجة مستمرة.

يمكن أن يُشير أيّ اختلاف بين النصفين بعد إعادة الاندماج إلى وجود تأثير خارجيّ غيّر هذه الحالة. وفقًا للباحثين، قد يكون وجود موجات الجاذبيّة هو أحد تلك التأثيرات.

إذا كان كل ذلك الكلام حول الرقاقات والعلم الرائد يجعلك مُتشوقًا لسماع المزيد من الأخبار، فإنّ الأخبار الجيّدة هي وجود عدّة تجارب على تكاثف بوز-آينشتاين يجب إنجازها، على الأرض وفوق الأرض. في الوقت الحالي، يمتلك الباحثون الذين أنجزوا تجربة (MAIUS 1) تجربتين متممتين للإنجاز.


  • ترجمة: مازن سفّان
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر