يحدث خسوف القمر عندما يحجب ظلُّ الأرض ضوء الشمس عنه، والذي يعكسه القمر في باقي أوقات العام.

توجد ثلاثة أنواعٍ من الخسوف وهي الكلي، والجزئي، وشبه الظل.

يبقى النوع الأكثر درامية هو الخسوف الكلي الذي يغطّي فيه ظل الأرض القمر بالكامل، مثل الخسوف الأخير الذي شهدناه في 27 يوليو/تموز الماضي.

على مرّ التاريخ، بعث خسوف القمر الرهبة في النفوس والخوف أيضًا، ولا سيما حين يحوّل الخسوف الكلي القمرَ إلى اللون الأحمر الدامي، وهو تأثيرٌ مروّع على الأشخاص الذين لا يفهمون سبب هذا الخسوف، وينسبون هذا الحدث لهذا الإله أو ذاك.

ستجد في هذا المقال علم وتاريخ خسوف القمر، وستعرف كيف يحدث، مع قائمةٍ بسيطة بمرات الخسوف القادمة.

متى سيحدث خسوف القمر المرة القادمة؟

كان آخر خسوفٍ للقمر العام الماضي في 7 أغسطس/آب 2017، وكان خسوفًا جزئيًا.

إليك جدولًا زمنيًّا بمواعيد الخسوف التي حدثت هذا العام، وكذلك القادمة منها العام المقبل:

  • 31 يناير/كانون الثاني 2018

نوع الخسوف: كليّ، يمكن رؤيته من آسيا، وأستراليا، والمحيط الهادئ، والجزء الغربي من أمريكا الشمالية.

  • 27 يوليو/تموز 2018

نوع الخسوف: كليّ، يمكن رؤيته من أمريكا الجنوبية، وأوروبا، وإفريقيا، وآسيا، وأستراليا.

  • 19 يناير/كانون الثاني 2019

نوع الخسوف: كليّ، يمكن رؤيته من أمريكا الشمالية والجنوبية، وأوروبا، وإفريقيا.

  • 16 يوليو/تموز 2019

نوع الخسوف: جزئيّ، يمكن رؤيته من أمريكا الجنوبية، وأوروبا، وإفريقيا، وآسيا، وأستراليا.

تحتفظ وكالة الفضاء الدولية (ناسا) بقائمةٍ تتنبّأ فيها بمواعيد خسوف القمر حتى العام 2100.

وتحتفظ أيضًا ببياناتٍ حول كل مرات الخسوف السابقة، وخلال القرن الحادي والعشرين، ستشهد الأرض ما مجموعه 228 خسوفًا قمريًّا، وفقًا لناسا.

ما هو خسوف القمر؟

يمكن أن يحدث الخسوف فقط حين اكتمال القمر، ويحدث الخسوف الكلي فقط في حال اصطفاف كلٍّ من الشمس والأرض والقمر على خطٍّ واحدٍ بصورة مثالية، فإذا كان الاصطفاف أقلّ من مثالي، ينتج خسوفٌ جزئيّ، أو قد لا يحدث خسوفٌ أصلًا، ويفسر بعضُ الفهم لميكانيكا الفلك البسيطة كيفية حدوث الخسوف القمري.

نظرًا لوقوع مدار القمر حول الأرض في مستوى مختلف قليلًا عن مدار الأرض حول الشمس، فإن الاصطفاف المثالي أو التام لا يحدث في كل مرة يكون فيها القمر مكتملًا.

يتطور الخسوف الكلي مع مرور الزمن، عادةً خلال بضع ساعاتٍ خلال الحدث بأكمله.

فلنرَ كيف يحدث الخسوف الكليّ: تلقي الأرض بظلّين على القمر خلال الخسوف وهما الظل الكامل (ظلٌّ تامٌّ ومعتم)، وشبه الظل (ظلٌّ خارجيٌّ جزئيّ).

يمرّ القمر خلال هذين الظلين على مراحل، تصعُب ملاحظة المراحل الأولية والأخيرة عندما يكون القمر في منطقة شبه الظل؛ لذا فإن الجزء الأفضل من الخسوف يكون خلال منتصف الحدث حين يقع القمر في منطقة ظل الأرض.

يُعتبَر الخسوف الكلي أحد أغرب المصادفات الكونية، فمنذ تشكُّل القمر (منذ حوالي 4.5 مليار عام) يبتعد ببطءٍ عن كوكبنا (بمقدار 4 سم كل عام).

وضع القمر الآن مثالي؛ فهو على المسافة المُثلى من الأرض بحيث يقع عليه ظلها، وتحجبه -بالكاد- كاملًا، ولكن بعد مليارات السنوات من الآن، لن يكون الأمر كذلك.

فوفقًا لناسا، يحدث كسوف الشمس من مرتين إلى أربع مراتٍ كل عام، بينما يحدث خسوف القمر بصورةٍ أقل تواترًا.

وحسب تصريحها: «في أي سنةٍ تقويمية واحدة، يكون الحدُّ الأقصى من مرات كسوف الشمس أربع مرات، بينما يكون ثلاث مراتٍ لخسوف القمر».

وبينما يمكن رؤية كسوف الشمس فقط من مسارٍ يبلغ اتّساعه حوالي 80 كيلومتر، فإن كل خسوفٍ للقمر يمكن رؤيته من أكثر من نصف الكرة الأرضية.

أنواع خسوف القمر

خسوف القمر الكليّ: يسقط ظل الأرض بالكامل على القمر، لن يختفي القمر نهائيًّا، ولكنه سيُغمَر في ظلامٍ مهيب؛ لذا سيكون من السهل أن تغفل عن رؤيته إن لم تبحث عن الخسوف في المقام الأول.

تتناثر أيضًا بعض أشعة الشمس التي تمرّ عبر غلاف الأرض الجوي وتنكسر أو تنحني لتغيّر تركيزها على القمر، معطيةً إياه بعض الوهج الخافت أثناء الخسوف الكليّ.

لنفترض أنك تقف على سطح القمر تراقب الشمس، سترى حينها قرصًا أسود وهو الأرض يحجب عنك رؤية الشمس، ولكنك سترى أيضًا حلقة من الضوء المنعكس تتوهّج حول حوافّ الكرة الأرضية، وذلك نتيجة للضوء المنعكس على القمر خلال الخسوف الكلي.

خسوف القمر الجزئي: تكون بعض أنواع الخسوف جزئية فقط، ومع ذلك، حتى أثناء الخسوف الكلي يمرّ القمر بمرحلةٍ جزئية في بداية ونهاية هذا الخسوف.

أثناء الخسوف الجزئي، لا يصطفّ كلٌّ من الشمس والأرض والقمر بصورة تامة، ويظهر أنَّ ظل الأرض يأكل جزءًا من القمر.

«ما يراه الناس من الأرض أثناء الخسوف الجزئي للقمر يعتمد على كيفية اصطفاف الشمس والأرض والقمر معًا»، وفقًا لناسا.

خسوف شبه الظل هو النوع الأقل إثارة من أنواع الخسوف؛ لأن القمر يقع في منطقة شبه ظل الأرض الخارجيّ الباهت.

من المرجح ألا تلاحظ هذا التأثير -إلا إذا كنت مراقبًا محنّكًا للسماء- الذي يُظلَّل فيه القمر بظل الأرض بصورةٍ خافتة.

«الجزء الخارجي من شبه ظل الأرض باهتٌ للغاية، لدرجة أنك لن تلاحظ أي شيءٍ حتى تنزلق حوافّ القمر على الأقل لمنتصف الطريق» حسب تصريح آلان ماكروبرت، محررٌ في مجلة السماء والتلسكوب.

القمر الأحمر الدامي

قد يتحوّل لون القمر إلى اللون الأحمر أو النحاسي أثناء جزء الخسوف الكلي وتحدث ظاهرة القمر الأحمر؛ لأنه في حين وقوعه في ظل الأرض بالكامل، تمرّ بعض أشعة ضوء الشمس عبر غلاف الأرض الجوي ثم تنحني باتجاه القمر.

وبينما يمنع الغلاف الجوي باقي ألوان الطيف ويبعثرها، يستطيع اللون الأحمر العبور من خلاله بسهولة، فهذا التأثير بمثابة أن تُلقي بكل لحظات شروق وغروب الشمس على القمر.

وفقًا لعلماء ناسا: «يعتمد لون القمر الذي يظهر به على كمية الغبار والسحب في الغلاف الجويّ، إذا وُجدت بعض الجزيئات الإضافية في الغلاف الجوي -لنفترض من ثورانٍ بركانيٍّ حديث- فسيظهر القمر بظلٍ أحمر غامق».

استغل كريستوفر كولومبوس خسوف القمر الأحمر الدامي في العام 1504 ليخيف به السكان الأصليين في جامايكا، ليوفّروا له ولطاقمه الطعام، وكان ذلك في رحلته الرابعة والأخيرة للعالم الجديد.

فقد واجه وباءً من ديدان السفن، ما أحدث ثقوبًا في سفن أسطوله، واضطر كولومبوس للتخلي عن سفينتين، ثم أرسى آخر سفينتين لديه على شواطئ جامايكا في 25 يونيو/حزيران من عام 1503، فرحّب بهم السكان الأصليون وأطعموهم، ولكن بعد مرور ستة أشهر، تمرّد أفراد الطاقم، وسرقوا وقتلوا بعضًا من السكان الذين سئموا من إطعام هؤلاء الأفراد.

كان كولومبوس يمتلك روزنامة (تقويم) فتنبأ بخسوفٍ للقمر في يوم 29 فبراير/شباط من العام 1504، والتقى مع قائد السكان المحليين، وأخبره أنَّ إله المسيحية غاضبٌ من قومه لتوقّفهم عن تقديم الطعام لأفراد طاقمه، وأخبره أن ينتظر علامة على استياء الإله بعد ثلاث ليالٍ، وعندها سيجعل القمر المكتمل يبدو وكأنه «مشتعلٌ بالغضب».

عندما حدثت ظاهرة القمر الأحمر الدامي، ارتعب السكان الأصليون لجامايكا، «جاؤوا من كل حدبٍ وصوبٍ بالعويل والرثاء في اتجاه السفن محمّلين بالمؤن والزاد»، وفقًا لرواية نجل كولومبوس.

وعندما أوشكت مرحلة الخسوف الكليّ على الانتهاء، أخبرهم كولومبوس أنَّ الإله قد أصدر عفوه عنهم، وسيرجع القمر لحالته الأصلية.

أُطعم أفراد الطاقم بسخاء، حتى وصل الغوث في شهر نوفمبر وأبحر كولومبوس ورجاله عائدين إلى إسبانيا مرة أخرى.

كيف تشاهد خسوف القمر؟

يُعدُّ خسوف القمر من أسهل الأحداث الفلكية في المشاهدة والملاحظة، فما عليك سوى الخروج للهواء الطلق، والنظر لأعلى في السماء، والاستمتاع بهذا الحدث الفلكي الجميل؛ فلن تحتاج إلى تلسكوب أو غيره من المعدّات الخاصة لمراقبة السماء.

ولكنَّ منظارًا أو تلسكوبًا صغيرًا سيمكّنك من رؤية التفاصيل على سطح القمر ومشاهدةٍ ممتعةٍ للقمر ومثيرة للاهتمام في أي وقت، سواءً في وقت الخسوف أو في الأوقات العادية من العام.

إذا حدث الخسوف في الشتاء، ارتدِ الثياب الثقيلة إذا كنت تنوي البقاء في الخارج أثناء فترة الخسوف؛ فربما يستغرق الخسوف بضع ساعات، وأحضر المشروبات الدافئة والبطانيات وربما بعض المقاعد للجلوس والاستمتاع بوقتٍ جميلٍ ومريح.

صرّح نوح بترو، عالم الأبحاث في مركز جودارد لرحلات الفضاء بولاية ماريلاند: «بإمكاننا اكتساب بعض العلوم الجيّدة حقًّا ممّا يحدث على سطح القمر أثناء الخسوف الكليّ، ولكن مرةً أخرى، إنَّ الشيء الممتع هو أن القمر يغيّر من لونه. إنَّه شيءٌ ممتعٌ وجميل لتشاهده، ولكنه تغيُّر، ومن المثير دائمًا أن نرى في كل مرة تغيُّرًا في السماء».


  • ترجمة: محمد يوسف
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: كنان مرعي
  • المصدر