يقضي الكثير منا ساعات يوميًّا على جهازه المحمول، متلهّفًا للحصول على المزيد من الإعجابات أو رسائل البريد الإلكتروني، مراقبًا العالم ومثبتًا وجوده في عالم الإنترنت.
يُفترض على برامج التواصل الاجتماعي مثل Whatsapp وSnapchat وInstagram وFacebook وTwitter أن تمنحنا شعورًا بالترابط بشكل أكبر.
لكن اعتمادنا على التكنولوجيا لرؤية العالم المحيط بنا يمكن أن يُشكّل عبئًا ثقيلًا.
أفاد مركز pew للأبحاث مؤخًّرا أنّ حوالي ربع البالغين في الولايات المتحدة الأمريكية صرّحوا بأنهم على اتصال بالإنترنت بشكل شبه دائم.
ويبدو أنّ الإجهاد، والإدمان، والاكتئاب والقلق هي عواقب غير مفاجئة لاستخدام برامج وسائل التواصل الاجتماعي التي غالبًا ما تكون مصمّمة خصّيصًا لجعلنا نكرّر نفس الإجراءات مرارًا وتكرارًا.
ومع ذلك، فإنّ الكثير من الناس يجدون أن العيش بعيدًا عن الانترنت أمر مزعج أو بكلّ بساطة مستحيل!
لذلك أجرينا دراسة صغيرة على 50 شخصًا قد لا يبدون أقلّ من المنبوذين اجتماعيًّا في العالم الافتراضي.
لم يستخدم أيّ من هؤلاء المشتركين وسائل التواصل الاجتماعي أو كان يملك هاتفًا محمولًا، ومعظمهم يرفض استخدام البريد الإلكتروني.
أردنا أن نفهم لماذا قرر هؤلاء الأشخاص الابتعاد بأنفسهم عن العالم الافتراضي وكيف تمكنوا من تحقيق ذلك، ولكن بدلًا من البحث عن حلول سريعة مبتذلة، استكشفنا المبادئ والقيم التي دفعت بالمشاركين إلى العيش بهذه الطريقة.
كتب الكثير مسبقًا عن كيفية الإقلاع عن الإنترنت، لكن هذا لن يفيدنا كثيرًا إلا إذا ما شعرنا حقًّا بالمزايا والحسنات لدى قيامنا بذلك.
وإليكم ما تعلّمه المشاركون من عيش حياتهم الاجتماعية بعيدًا عن الإنترنت.
- قضاء المزيد من الوقت مع الآخرين..
جزءٌ من المشكلة التي نواجهها مع مواقع التواصل الاجتماعي أننا لا نستعملها فقط للتواصل، بل أنها تروّج أيضًا لطريقة معينة للتواصل مع من حولنا.
كان لدى المشتركين إيمان عميق واحد بطريقة مختلفة للتواصل تعتمد على التعبير، والتلامس، والكلام والتواجد جسديًّا في نفس المكان.
بالنسبة لهم ساعد هذا بالحفاظ على شعور الترابط والتواصل البشريّ.
وعلى الرغم من أن هذا التقدير الأبطأ والأعمق للآخرين كان له موضع احترام خاص من قِبل المشتركين، إلّا أنهم اعتقدوا أنه قد يكون مفيدًا للمجتمع على نطاق واسع.
ونظرًا لطبيعة الشبكات الاجتماعية الهائجة والمثيرة للقلق، يمكننا جميعًا الاستفادة من الإبطاء قليلًا والتفكير مليًّا بهذا الأمر.
فبالنسبة للعديد من الناس اليوم، فإن بقاءهم دومًا على اتصال بالإنترنت يولّد شعورًا بالتوازن في حياتهم ويؤمّن لهم فرصة للانفصال عن كل ما يسبب لهم الضغط النفسي .
أما بالنسبة للمشتركين الذين لم يستخدموا الهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي، كان قضاء وقتهم مع الآخرين مرتبطًا بشعورهم بالهدوء، ويشكّل جزءًا من هدفهم في الحياة.
- الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي لا يعني الانعزال..
تساءل المشاركون مستغربين عمّا هو اجتماعي بالضبط حول وسائل التواصل الاجتماعي..
ما الذي يشكّل التواصل، وما الذي نجنيه من الطريقة التي تُقاس بها الأمور الاجتماعية على مواقع التواصل، سواء كان ذلك الصداقة، أو الدعم، أو التواصل الاجتماعي.
فعوضًا عن الحصول على مئات الأصدقاء، اختار المشاركون مقابلة الناس وجهًا إلى وجه، والاهتمام بالعلاقات التي من شأنها أن تدعمهم خلال الأوقات العصيبة.
إنّ الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي قد يسبب قلقًا في البداية، لكنّ الحيلة تكمن في الإدراك أنّ هذا الابتعاد لا يعني الانعزال الاجتماعي.
فعندما تبتعد لأول مرة، قد تقضي المزيد من الوقت في شركتك..
ولكنّ هذه اللحظات قد تكون سببًا ليدرك المرء كم هو مجهدٌ الحفاظ على العلاقات عبر الإنترنت، واكتشاف درجة السطحيّة في عالم تسوده المعلومات التافهة.
أولئك الذين اختاروا الانفصال عن العالم الافتراضي ليسوا تعيسين ولا مستبعَدين، بل أنهم متحررين من عبودية الشاشة، لقد هربوا من سيل المعلومات والمهام الهائل.
وكان شعورهم العميق بالاتصال بالعالم وبأحبائهم ظاهرًا بشكل واضح.
- الاستمتاع بالعيش عوضًا عن الانهماك بالمهام..
إنّ الكثيرين ممن أقلعوا عن وسائل التواصل الاجتماعي، استمتعوا بشعور جديد من النشاط والحيوية في حياتهم، وذلك لأنهم وجدوا وقتًا للتواصل مع العالم الواقعي، وهو أمرٌ ضروري لمساعدتنا على الاسترخاء حتى نكون مستعدين للأوقات العصيبة القادمة.
قد يبدو الوقت الذي نقضيه بمتابعة موضوع معين ذو أثر سلبي قليل على الجسم والعقل، لكن الضوء الوارد إلى العينين من شاشة ساطعة يجعل من الاسترخاء والراحة أمرًا صعب الحدوث.
ففي حال استخدمت جهازك الذكي وأنت في السرير قبيل النوم، سيقلّل احتمال تمتعك بنوم هنيء.
مع ازدياد شعبية مفهوم اليقظة الذهنية نجد أنّ أفكارها الأساسية غالبًا ما تُحصر بالتكنولوجيا، فعلى سبيل المثال نجد أنّ الشخصيات الملهِمة الناجحة تتباهى بمهاراتها في ممارسة رياضة اليوغا ،مروجين بذلك للتصرفات التي تسمو بالمرء روحيًّا.
تُصنّف تطبيقات مراقبة اللياقة البدنية والبيانات الصحية إضافة إلى تطبيقات اليوغا، من بين أكثر التطبيقات التي تُحمَّل بواسطة مستخدمي الهواتف الذكية.
وقد أخبرتنا مجموعة المشتركين أننا يجب أن ننقد بشكل أكبر تطبيقات الهواتف التي نستخدمها، ونبدأ بالابتعاد عن هواتفنا.
فالاتصال المستمر بالعالم الافتراضي يقلّل من الوقت الحُرّ للشخص، إذ أنّ الفترات التي يمكن أن تفكر فيها دون أيّة مقاطعات تُعطي النفس ملجأً ثمينًا من متطلبات وأعباء الحياة اليومية.
لم يبتعد المشتركون عن العالم الافتراضي ليكونوا معادين للمجتمع، بل فعلوا ذلك ليتحملوا المسؤولية في كل زمان ومكان يتواصلون فيه مع الناس، فهم على يقين أنهم قد يكونون جزءًا من طليعة تقود المجتمع نحو وسائل جديدة ليصبح البشر أكثر سعادة، وأكثر راحة وأكثر اجتماعية.
بعد عشر سنوات من الآن، قد نعود بالزمن إلى الوراء نحو ظهور وسائل التواصل الاجتماعي معتبرين أنها كانت جزءًا من مسيرة النمو البشري، هذا الزمن الذي خلق الانقسامات الاجتماعية، والقلق، والأرق، والتي بدورها سببت الضرر في صحة وسعادة الكثيرين.
وحتى ذلك الحين، ربما يكون من الأفضل أن نضع هواتفنا الذكية جانبًا، أو على الأقل إطفاؤها بشكل أكثر، ولو قليلًا….
- ترجمة: داني قنيزح.
- تدقيق: سهى يازجي.
- تحرير: كنان مرعي.
- المصدر.