كم تنتشر تلك المغالطات الشائعة عن الحليب، إذ يُعتقَد أنّ تناوله يؤدّي إلى زيادة إفراز المخاط في الطرق الهوائية للجسم، وهو معتقد خاطئ تمامًا كما يوضّح بحث جديد.

تلك الخرافة منتشرة بشدّةٍ لدرجة أنّ بعض الآباء توقّفوا عن إعطاء الحليب لأطفالهم المصابين بأمراض الجهاز التنفسي المزمنة مثل الربو القصبي-Asthma أو التليّف الكيسيّ-Cystic Fibrosis؛ لقلقهم بشأن مساهمة الحليب في عسرة التنفّس لدى الأطفال.

إلّا أنّ علاقة الحليب بإنتاج المخاط ما هي إلّا خرافة، كما يقول الطبيب لان بَالفور لين، أخصّائي أمراض الرئة عند الأطفال في مستشفى رويال برومبتون بلندن.

وعندما تعامل الناس مع هذه الخرافة باعتبارها حقيقةً، حدثت مشاكل خطيرة، مثل نقص الكالسيوم والفيتامينات والسعرات الحرارية التي يحتاجها الأطفال.

إنّ الأطفال الذين لا يشربون الحليب بشكلٍ كافٍ معرّضون أيضًا لكسور العظام وقصر القامة.

من غير الواضح متى ظهرت تلك الخرافة للحياة، فمن المحتمل أنّ ظهورها كان على يد الفيلسوف والطبيب موسى بن ميمون (1135-1204) الذي ادّعى أنّ تناول الحليب يسبّب «تخمةً في الرأس».

وقد ربطت النصوص الطبية الصينية تناول الحليب بتأثيره على تخفيف المخاط، كما كتب بَالفور في البحث المنشور في مجلة journal Archives of Disease in Childhood.

وحتى بداخل الكتاب المؤثّر الذي حقّق مبيعاتٍ تقدّر بنحو 50 مليون نسخةٍ، وهو كتاب (Dr. Spock’s Baby and Child Care)، وُجِد أنّه يكرّر هذا الطرح.

ففي طبعة عام 2011، يطرح الكتاب فكرة أنّ «منتجات الحليب قد تساعد في إحداث مضاعفات كالمخاط الزائد وإنتانات الجهاز التنفسي العلوي»، كما وجد بَالفور في بحثه عن تلك الخرافة.

ونظرًا لانتشار تلك الخرافة، لم تكن نتائج الدراسة التي أُجريت على 345 متسوّقٍ من أستراليا مفاجأةً، إذ وُجِد أنّ نسبة 46% من الذين يشترون الحليب يوافقون على أنّ الحليب يسبب إفراز المخاط بحسب البحث المنشور عام 2003 في مجلة Journal Appetite، إلّا أنّ نوعية الحليب أثّرت أيضًا على قرارات المشترين، فقد كان 25% (30 شخصًا) من 121 شخصٍ مِمّن يتناولون الحليب ناقص الدسم و12% (11 شخصًا) مِمّن يتناولون حليب الصويا يوافقون على هذه العبارة.

ربّما انتشرت تلك الخرافة بسبب الخصائص المميّزة للحليب، فالحليب محلول مُعلَّق، ما يعني أنّ فيه جزيئات من سائل معيّن معلّقة على جزيئات سائلٍ آخرٍ – حيث تعلق جزيئات الدهون على جزيئات الماء -، وعندما يشرب الإنسان الحليب يمتزج باللعاب، ما يزيد من لزوجة الحليب أو كثافته وحجمه.

وبقاء شعور وجود غطاء كثيف في الفم بعد تناول الحليب هو نتيجة لمزيج الحليب مع اللعاب، ربّما يكون ذلك هو السبب المسؤول عن اعتقاد الناس بارتفاع نسبة إفراز المخاط.

هناك تفسير آخر محتمل لذلك، وهو أنّه عندما يتحلّل الحليب فإنّه يؤدّي إلى إطلاق بروتين معروفٍ بأنّه يعمل على تحفيز جينٍ مهمٍّ في عملية إفراز المخاط.

ولكنّ هذا المخاط يُفرز في الأمعاء فقط، ولا علاقة له بالجهاز التنفسي، ولكن يؤثّر هذا المخاط على الجهاز التنفسي فقط في حالة إنتان الأمعاء، ما يسمح للمخاط بالانتقال إلى أماكن أخرى في الجسم. وهذا قد يحدث في حالة نزلات البرد، وقد يؤثّر على مرضى التليّف الكيسيّ المصحوب بالتهابات الأمعاء.

وهناك دراساتٍ صغيرةٍ أخرى ترجع إلى عام 1948 تقول إنّه لا يوجد علاقة بين زيادة إفراز المخاط والحليب، إذ يقول بَالفور: «في حين يشعر الناس بأنّ مخاطهم ولعابهم أكثر كثافة وصعب البلع نتيجة مادة الحليب نفسها، فليس هناك أيّ دليلٍ – بل يوجد دليل على العكس – على أنّ الحليب يؤدّي إلى زيادة إفراز المخاط، ويجب أن تُمحى هذه الخرافة بواسطة العاملين في المجال الصحي».

هذا البحث مهمٌّ؛ لأنّه يساعد في رفع الوعي بأنّ تناول الحليب أمر صحيّ تمامًا لأولئك المصابين بأمراض الجهاز التنفسي، كما تقول الدكتورة كوري واسرمان، طبيبة الأطفال في ويل كورنيل بنيويورك والمشتركة في البحث.

وأشارت واسرمان إلى أنّه من الشائع أن يسأل الآباء عن خرافات تناول الحليب وقت الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا، وكانت تخبرهم بنتائج هذا البحث وبأنّ الحليب لا يزيد المخاط أو البلغم، وأنّه قد يساعد على ترطيب الحلق عند الأطفال المرضى المحتاجين للسعرات الحرارية.


  • ترجمة:محمد إيهاب
  • تدقيق: رند عصام
  • تحرير: كنان مرعي
  • المصدر